إلى متى يتمكّن بايدن من تأجيل ردّ إسرائيل على إيران؟

  • شارك هذا الخبر
Saturday, October 5, 2024

بعد أيام من التخمينات في واشنطن حول حجم وتوقيت رد إسرائيل "الوشيك" على ضربة إيران الصاروخية، يبدو أن الإدارة الأميركية تمكّنت من حمل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على تأجيله. لكن إلى متى؟ الرئيس جو بايدن قال أمس الأول الخميس رداً على سؤال، إنه "ليس هناك رد فوري مخطط له". وكأن لائحة الأهداف ما زالت مفتوحة، وكذلك التوقيت. وقد اعتمد البيت الأبيض ووزارة الخارجية هذا الخط في اليومين الأخيرين، من خلال التأكيد أن الإدارة "ما زالت تتشاور مع إسرائيل حول موضوع الرد"، مع تشديدها على ضرورة تحييد المنشآت النووية والنفطية الايرانية، التي يبدو أنها على رأس بنك الأهداف الإسرائيلية.

في المقابل، يحرّض عتاة المحافظين، مثل السيناتور الجمهوري توم كوتن، والمستشار السابق لشؤون الأمن القومي جون بولتون، وغيرهما، على ضرب هذه المنشآت لاعتبارات جيوسياسية وانتخابية. لكن من المستبعد أن يساوم بايدن على ورقتي النووي والنفط في ظل معطيات اللحظة الراهنة، رغم موافقته على رد إسرائيلي "قوي على ألا يؤدي إلى مفاقمة الوضع" الملتهب اصلاً، حسب ما نقله المعلق المطلع دافيد أغناتيوس عن أجواء البيت الأبيض. لكن الصورة ليست بهذا الوضوح. تحيط بها علامات استفهام كثيرة. الرئيس بايدن نفسه عاد أمس الجمعة ليعرب عن شكوكه في تجاوب نتنياهو مع طلب إدارته ألّا تستهدف إسرائيل النووي والنفط في إيران، كذلك أثار الشكوك مجدداً في ما يتردد عن عزم نتنياهو على التدخل في الانتخابات الأميركية، عبر ضربة تشعل أسعار النفط، ليستعين بها المرشح الجمهوري دونالد ترامب ضد منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.

في العادة، يحذر البيت الأبيض أي طرف خارجي من عواقب الإقدام على مثل هذا التدخل، لكنه لم يحذر نتنياهو الذي يشكك الديمقراطيون في نيته بمساعدة ترامب بهذه الطريقة. ثم إن لنتنياهو حسابات أخرى معروفة، على رأسها اغتنام فرصة استئثاره بالقرار في الشهر المتبقي لانتخابات الرئاسة الأميركية، ليقوم بعملية كبيرة لطالما دعا إليها ضد ايران، بحيث تؤدي مجرياتها إلى تدخل أميركي، كأن تستهدف إسرائيل جملة مواقع حساسة، مثل وحدات الدفاع الجوي، مع مراكز مفتاحية في الصناعة العسكرية الإيرانية، وبالتحديد الصناعة الصاروخية، ومعها أهداف أخرى من نوع مصافي النفط، لإرباك الاستهلاك الداخلي، ومحطات توليد الطاقة، ومواقع القوات البحرية الإيرانية، والمقرات القيادية، وغيرها من المنشآت الحيوية.

فهذه عينة من الأهداف المتداولة بديلاً من النووي وصناعة النفط وتصديره (عموماً إلى الصين). الخشية أن تؤدي عملية من هذا العيار إلى رد فعل إيراني كبير وشديد الحساسية، كإقفالها لمضيق هرمز، ما يدفع واشنطن إلى التدخل عسكرياً لفتح الممر البحري الحيوي، وبما يحقق طموح نتنياهو بجرّ واشنطن إلى معركته مع إيران. المؤكد حسب التوقعات، أن الرد في اللحظة الراهنة من انعدام الضوابط على الآلة العسكرية الإسرائيلية، لن يكون عملية رمزية كما كان الأمر في إبريل/ نيسان الماضي. والإدارة الأميركية لا تمانع ضمناً إذا ما بقي الرد الإسرائيلي بحدود قابلة للاحتواء، خصوصاً أنها "نبّهت إيران" مسبقاً من أن المسألة هذه المرة مختلفة، وأن الرد سيكون "قاسياً"، كما قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان. لكنها تخشى خروجه عن السيطرة، "فالوضع في المنطقة يقف على مفترق طرق ووجهته مرهونة بمدى الرد الإسرائيلي"، وفق الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس. والوجهة يحددها نتنياهو، الذي يمسك بزمام المبادرة، والأرجح أنه يراهن على تبني الإدارة لرده كما تبنت خياراته في غزة ولبنان، رغم اعتراضاتها الخاوية عليها.

اعترضت الإدارة على توسيع الحرب، سواء باتجاه إيران أو لبنان، لكنها بالنهاية تراجعت وعلّلت موقفها بأنها مع حرب "محدودة" على هاتين الجبهتين، وهذا ليس بجديد، حيث إنه جاء في امتداد سلسلة من التراجعات، كان آخرها في موضوع وقف النار في غزة، الذي راهن عليه الرئيس بايدن ونسفه نتنياهو بكثير من التحدي الذي أثار استياء فريق من حزبه الديمقراطي في الكونغرس، وبالذات في مجلس الشيوخ بسبب تهاونه المفرط مع رئيس الحكومة.

الآن المسألة أخطر، وتأتي في وقت يرى العارفون أنه لا يحتمل ترك الأمور في الشرق الأوسط بيد نتنياهو، والرئيس بايدن، الذي أضعف أوراقه بيده، يعرف ذلك، ولم يعد قادراً على الاستدراك، وحتى لو حزم أمره، فالجمهوري يقف له بالمرصاد، في ظلّ وضع انتخابي دقيق، لا يسمح بلجم نتنياهو بالحدّ وبالسرعة المطلوبين. وهو احتمال غير وارد بكل حال.


العربي الجديد