حملت زيارة أحد المطارنة موفدا من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الموقوف في مقر قوى الأمن الداخلي، الكثير من التأويلات لاسيما من قبل من بدؤوا يربطون بين توقيفه وعودة الودائع، محمّلين إياه هذه المسؤولية التي رتّبها الأداء السياسي للقوى التي تعاقبت على الحكم ونفّذت مشاريع وهمية وعمدت الى إبرام الصفقات.
وفي هذا الإطار، أوضحت أوساط كنسية أن "الراعي هدف من إرسال المطران الى سلامة، للإطلاع على واقع الأخير ومسار التحقيقات معه، وعما اذا كانت تجري ضمن الأصول أو تحيط بها الشوائب، فالهمّ الاول للراعي، وفقا للأوساط، هو عدم تظهير حاكم مصرف لبنان السابق الماروني بأنه المرتكب الوحيد في جمهورية الفساد التي نشأت منذ العام 1990".
وأشارت الأوساط الى أن "ما أقدم عليه الراعي أمر طبيعي خصوصا عندما يتم توقيف مسؤول ماروني بهذا الحجم"، مذكّرة بأن "هذه الخطوة كانت بكركي قد أقدمت عليها في السابق عند توقيف رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع"، شارحة أن "إدانة مسؤولين من هذه الدرجة تحمل تداعيات على الطائفة وتظهرها على أنها فاشلة في المواقع التي تتولاها فيما الآخرين يظهرون وكأنهم رموز الشفافية".
وأفادت الأوساط بأن "الراعي استوضح قبل خطوته محامين عدة الذين بدورهم شرحوا له أن ما أقدم عليه سلامة ليس له صلة بالمال العام أي أنه لم يمس بأموال المودعين إذ إن الحساب الذي شهد تحرّكا للأموال ليس له صلة بمصرف لبنان بل بالمصارف التي كان يترتب عليها دفع استشارات وهذا الذي حصل".
ولفتت الى أن "سلامة لبّى دعوة القضاء 22 مرة وفي الجلسة 23 التي تم توقيفه خلالها حضر من دون مرافقة المحامي لقناعته أن ما أقدم عليه لا يشكل مخالفة ولا جرما"، موضحة أن "هذا هو الأمر الذي حفّذ الراعي على هذا التحرّك بعدما تبيّن له أن هناك "قطبة مخفية" يُراد من خلالها تحميل سلامة "الماروني" كل المسؤوليات علما أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري كان الى يمينه في حينها ولم يعترض على أي قرار ولاسيما عندما كان يُستدعى الى بعبدا في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون حيث كان يُطلب منه الإستمرار بدعم بعض السلع وبينها النفط والقمح وذلك بطلب خفي من حزب الله كون هذه السلع تذهب الى سوريا وتعزّز واقع النظام السوري الذي يرأسه بشار الأسد، في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليه".
وانطلاقا مما سبق، يعبّر الراعي عن "قلقه من أن تكون محاكمة سلامة سياسية ويتم بعدها تثبيت حاكم من طائفة أخرى مكانه في خطوة تهدف الى إظهار الموارنة وكأنهم وحدهم الفاسدين"، وفقا للأوساط.
من جهة أخرى، استغربت الأوساط الكنسية "الشعبوية التي تمارسها الاحزاب المسيحية التي غرقت بالمزايدات، علما أنها، وفقا لما يقول الراعي، تلقّت خدمات متعدّدة من سلامة بينها توظيفات لمقرّبين إليهم على القاعدة الواقع اللبناني لكنها اليوم تعمد الى الشعبوية وكأنها لم تتعلّم من نظرية "الثورين الأسود والأبيض" منذ أن تم إبعاد الرئيس السابق أمين الجميل ومن ثم الرئيس السابق ميشال عون وصولا الى توقيف رئيس حزب "القوات" سمير جعجع".
وفي السياق، ذكرت الأوساط أن "الراعي أرسل موفدين الى كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي معبّرا عن سخطه من هذا التصرف لأنه كان باستطاعة القضاء الإبقاء على سلامة في منزله والإستماع إليه والشهود حتى صدور القرار الاتهامي وعندها إذا ما كان مدانا يتم توقيفه".
ويستغرب الراعي "صمت قوى الأحزاب المسيحية التي لم تطلق صوتا حول ملف بنك "القرض الحسن" ولم تطالب بالتحقيق في هذا الملف كما أنها لا تريد الدفع باتجاه تحريك الملف بل تكتفي بالإنشغال بالشعبوية وسوء القيادة المسيحية التي دمّرت الكيان المسيحي داخل الدولة اللبنانية"، بحسب ما نقلت الأوساط الكنسية.
من هنا، أوضحت الأوساط أن "الراعي يطالب بمحاكمة عادلة وعدم إدانة سلامة قبل تبيان كامل الوقائع، متسائلا: أين كانت القوى المسيحية عندما كان يُدعى سلامة الى بعبدا للإبقاء على الدعم الذي تجاوز الـ 20 مليون دولار ولم تطلق موقفا لأنها كانت خائفة من حزب الله مع أن هذه الأموال تعود للمودعين، كما أن سلامة أُجبر حينها تحت الضغط على تنفيذ هذه القرارات فيما هذه الأحزاب كان لها مصلحة في تعيين سلامة واستفادت منه ولم تقصّر في طلب الخدمات ولكنهم ما لبثوا أن أنكروه قبل صياح الديك".
على صعيد آخر، لم تخف الأوساط قولها أن "ثمة فخ نُصب لسلامة، وتم بيعه من خلال صفقة أقامها "الثنائي الشيعي" وميقاتي مع الفرنسيين لتحييد ذاتهما عما أقدما عليه من ممارسات باتت تحت المجهر".