المستقبل مسؤولية الجميع وأوّلهم السنّة- بقلم رضوان السيد
شارك هذا الخبر
Wednesday, January 15, 2025
كان الوصول لانتخاب رئيس الجمهورية صعباً بعد عامين وأشهر من الفراغ. والأصعب منه انتخاب قائد الجيش لرئاسة الجمهورية. لذلك شاركت في الضغوط جهات دولية وعربية واللجنة الخماسية. أمّا رئيس الحكومة فقد كان وصوله عملاً داخليّاً بحتاً قاده المعارضون والتغييريون في مجلس النواب، وانضمّ إليهم وليد جنبلاط وسمير جعجع وجبران باسيل والنواب السنّة. فتخطّوا مجتمعين الثنائي الشيعي ومرشّحه. التغيير صعب لكنّه بدأ بقوّة، والمأمول أن يتواصل مع سائر الجهات.
لا يحبّ اللبنانيون التذكير كثيراً بحرب العام ونيّف لعدم إثارة المزيد من الخصومات. لكنّ الواقع أنّه في مجال رئاسة الجمهورية بالذات كان لحرب الجنوب أكبر الأثر في اختيار الرئيس لضرورة إنفاذ القرار الدولي رقم 1701 بحذافيره.
إنّ الذي نعرفه أنّه ما كان ملائماً للحزب المسلّح مَجيء قائد الجيش رئيساً للجمهورية. إنّما ما كان هناك سبيل لوقف الحرب إلّا بهذا المخرج، وقد حاولوا منذ البداية القول إنّهم عقدوا صفقة: رئيس الحكومة لهم، في مقابل رئيس الجمهورية للعرب والعالم.
لكن هل كانت هناك صفقة فعلاً؟
لقد بدا الرئيس ميقاتي مطمئنّاً وفي اعتقاده أنّ السطوة الحزبية وإن تأثّرت بالحرب فما تزال قائمة. إنّما الذي يبدو أنّ المطمئنّين كانوا ميقاتي و”الحزب” وحسب. وعندما يريد الرئيس نبيه برّي أمراً يحصل في العادة. فالرئيس بري كان مع الموضوع دونما حماسة كبيرة. وعتب بعد ذلك على وليد جنبلاط الذي اعتذر بإصرار ابنه رئيس الحزب على التصويت لنوّاف سلام.
فلنذهب باتّجاه المعارضة، ومنهم تحالفات كما منهم تغييريون. وأخيراً هناك أنصار الثنائي الشيعي أيّام العزّ. الإصرار الكبير على التغيير بدأ عند التغييريين الذين شدّوا الهمّة واتّصلوا بالمرشّح غير المعلن، وبسائر التحالفات المعارضة وغير المعارضة ما عدا جبران باسيل وسليمان فرنجية.
المعارضون الرّسميّون وجعجع
في الوقت نفسه كان المعارضون الرسميون يجتمعون عند جعجع ويرشّحون بعد خلاف النائب فؤاد المخزومي بدلاً من أشرف ريفي. وما كان التغييريون ولا الجنبلاطيون مستعدّين لدعم مخزومي، فأصغوا لعرض نوّاف سلام. وعندما انهار الدعم السنّي لميقاتي في الشمال، وهو يشمل التحالفات وأنصار “الحزب” السابقين، صارت هناك كتلة وازنة اشتدّ عضدها بتنازل مخزومي وحماسة القوّات.
لماذا دخل جبران باسيل عدوّ رئيس الجمهورية الجديد الأوّل على أنصار نوّاف سلام؟
لأنّه صار معزولاً وعرف عند الظهر أنّ الثنائي سيخسر ولو تحالف معه. فلكي لا يبقى بدون تمثيل في الحكومة الجديدة لاتّقاء ماضيه، الأبيض بالطبع، ارتأى الدخول. ويستطيع المشاغبة إن عرضوا عليه ما لا يستحقّ، أو تطرّقوا إلى قضايا المحاسبة.
كلّ هذه التفاصيل مفيدة، لكنّها تقنيّات. وقد استطاع النواب على غير المنتظر الدخول فيها وعليها. التغييريون والمعارضون معروفون. لكنّ المدهش في البراغماتية تحوُّل أنصار “الحزب” السابقين من المسيحيين وبعض السنّة. لقد ثبت أنّ كلّ الانقسامات تسقط لانعدام المبدئية إذا عرضت موجة جديدة تستأهل الركوب في زورقها. والويل لمن لا يملك زورقاً!
رئيس الجمهوريّة والموجة التّغييريّة
فلنأتِ إلى التغيير الحقيقي الذي تمثّل في رئيس الجمهورية. فنحن نعرف موقفه من تحرّك عام 2019. ونعرف قدرته على مواجهة تحدّيات تماسك الجيش. ونعرف أخيراً برنامجه التفصيليّ للإصلاح والتغيير في خطاب القَسَم. أمّا رئيس الحكومة الجديد فقد أتت به الموجة التغييرية.
قال الرئيس ميقاتي إنّه كان دائماً وسطيّاً وتوافقيّاً. وحكومته في الحقيقة ما كان وسطيّاً ولا توافقيّاً عام 2011، وكذلك حكومته الأخيرة. وإذا كان بعض المعارضين قد أيّدوه من قبل خضوعاً للضغوط، فإنّ الضغوط هذه المرّة لم تنفع لزوال الهيبة. وما أثّرت إلّا على اثنين أو ثلاثة ما كان مأمولاً منهم ذلك لسوء الحظّ.
نوّاف سلام شخصية معروفة منذ حراك تشرين في عام 2019. وهو معروف منذ عقدين وأكثر بإصلاحيّته وتغييريّته. وقد مثّل لبنان في الأمم المتحدة ثمّ عضواً في محكمة العدل الدولية فرئيساً لها. وله كتاب قديم عن الإصلاح منذ عام 1989 عنوانه: “الإصلاح المنشود”، وكتاب جديد في التغيير يعود لعام 2021 بعنوان: “لبنان بين الأمس والغد”.
التّغيير… بزوال أذرع إيران
كلّ الفئات تتحرّر وتنشط بزوال الأذرع الإيرانية أو ضعفها، وبانهيار النظام الأسديّ. نحن مقبلون على تغييرٍ كبيرٍ طال انتظاره، وقد عرقلته في كلّ البلدان الأذرع الإيرانية وحروبها. وقد وقعت أكبر الإعاقات والمصائب على عاتق السنّة ليس في سورية فقط، بل وفي لبنان والعراق واليمن.
من زمان حدّثنا الملك الأردني عن الهلال الشيعي الذي انكسر الآن. ويكون علينا ونحن نقوم بالتغيير مع سائر الفئات الوطنية والدول العربية، أن نستعيد الفئات التي أدخلوها في محور الدمار والمواجهات.
أمام سورية وأمام لبنان تحدّيات كبرى علينا مواجهتها والنجاح. ويأتي قبل ذلك وبعده الائتلاف الوطني الذي نسعى إليه جميعاً دونما مطامح غلبة ولا استئثار. فما جرّبت طائفة لبنانية ذلك من قبل إلّا وفشلت.
نستطيع أن نذكر البرنامج الشامل. ونستطيع أن نذكر نقاط رئيس الجمهورية الحسّاسة. إنّما في كلّ الأحوال المسؤولية واقعة على عواتق الجميع، وبخاصّة على عاتق أهل السنّة.