وزير العدل : هناك أصول أتمنى اتباعها وحتى الساعة المسار القانوني سليم- جويل بو يونس

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, September 11, 2024

فجأة وفي عز الحرب على غزة وجبهة الجنوب الاسنادية المشتعلة ، ومن دون سابق اِعلام او تصوير او انذار او تسريب ، ضجت الساحة اللبنانية الداخلية بخبر استدعاء مدعي عام التمييز جمال الحجار، حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة على "فنجان قهوة" بداية، تلاه توقيف لسلامة. الخبر الذي اتى مفاجئا للجميع بتوقيته ومضمونه، اعقبه قرار آخر صادر عن قاضي التحقيق الاول في بيروت بلال الحلاوي، الذي استجوب سلامة بحضور محاميه، وأصدر بعدها مذكرة توقيف وجاهية بحقه.






الهرج والمرج الذي ساد خارج اروقة قصر العدل اثناء جلسة استجواب سلامة، انسحب ايضا على الداخل، بعدما اصرت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر على حضور الجلسة ، واقتحمت مكتب حلاوي الذي رفض بقاءها، باعتبار ان حضورها يحتاج لموافقة الوزير المختص ، ما اضطرها للمغادرة قبل ان تعود وترفع له كتابا تطلب بموجبه حضور الجلسة، باعتبار ان هيئة القضايا هي هيئة تملك صلاحيّة الدّفاع عن حقوق الدّولة اللّبنانيّة.


امام هذا المشهد الغريب العجيب، اكثر من سؤال راح يدور في بال كثر، بعدما قيل ان القاضية اسكندر لا تمتلك صفة للانضمام إلى ادّعاء النّيابة العامّة الماليّة في جلسة سلامة، لانها لا تحوز على ترخيص بالادّعاء من الوزير المختص ، ما فهمه البعض بان الوزير المختص هو وزير العدل. فمن هو هذا الوزير المختص؟ ماذا يقول اصلا الوزير المعني بالعدلية ؟ لماذا هذا الضجيج والفوضى التي تسود العدلية؟ فرياض سلامة توقف، وهذا ما كان يطالب به كثيرون، فلماذا التدخل من هنا او هناك لوقف مسار التحقيق ؟ وماذا عن مسار القضية ككل؟

مصادر قضائية افادت بان القاضية اسكندر تقدمت بطلب استئناف قرار قاضي التحقيق الاول بعدم مثولها امامه ووقف السير بالملف، فهل باتت جلسة الخميس المتوقعة لاستجواب سلامة مهددة بالتطيير؟ كل هذه الاسئلة حملناها لوزير العدل هنري خوري، الذي وان قصدته هذه الايام، تراه منهمكا داخل وزارته حتى ساعات المساء متابعا ملفاته ومجريا سلسلة اتصالات يتابع من خلالها كل المجريات.

هنري خوري المعروف عنه هدوءه ورصانته وديبلوماسيته في التعاطي مع الجميع وعمله البعيد عن العراضات الاعلامية ، لا يزال يتصرف بهدوء تام امام الجنون الحاصل في العدلية، جاهدا وعاملا باتجاه الا يسجل بان عهده شهد على انقسام العدلية، ولو بأصعب الملفات التي شهدها لبنان بتاريخه، فتجده حريصا على ان يحسب كل كلمة يقولها "بميزان من ذهب".


بصراحته المعهودة، أجاب على كل سؤال يخطر ببال اي متابع لمسار قضية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. فلم يخف وزير العدل بان مسار القضية سلك طريقه القانوني الصحيح مع مدعي عام التمييز "المشهود له بآدميته ونزاهته"، شارحا ان الوظيفة القضائية لديها مساران: اولا ادارة الملف، والثاني اصدار الحكم بهذا الملف، مشيرا بالتالي الى ان ادارة الملف تختلف من قاض لاخر.

وعما اذا كانت القاضية غادة عون اخطأت بادارتها للملف ؟ يجيب خوري: "هي لديها طريقتها ولجمال الحجار طريقته".

ومن أوقف رياض سلامة ؟ يرد وزير العدل جازما :" القانون اوقف سلامة"، فنقاطعه لنسأل : هل طبقت غادة عون القانون؟ ليرد بعدها بالقول : "لم اطلع على ملفاتها، وانا احكم على المسارات الخارجية او الشكليات الخارجية، وفي هذا المجال تحديدا كنت اتمنى لو سارت الامور بشكل مغاير فقط لا غير.

ولكن ما رأي الوزير المعني بطلب القاضية اسكندر حضور جلسة التحقيق؟ الا تملك حق الحضور بصفتها تمثل الدولة اللبنانية؟ يجيب خوري بلغة العدل والقضاء دائما، فيشير الى "ان هناك آراء من هيئة التشريع والاستشارات تؤكد انه يجب التقدم بطلب من الوزارة المختصة، التي هي وزارة المال لا العدل ، لان هذه القضية تشمل الدفاع عن الاموال العامة، ما يعني عمليا وزارة المالية.


القاضية اسكندر ستطلب استئناف القرار، فهل لديك من تعليق؟ يكتفي وزير العدل بالقول : "هناك اصول اتمنى ان يتم اتباعها ، والا يحصل هذا التخبط".

امام ما نشهده من "منازلة " على سحب الملف، بغية تسجيل انتصارات امام الرأي العام، اليس هناك من خوف من تمييع الملف ؟ يجيب : "لا مصلحة بتمييع الملف واذا وصلنا لذلك ، فتكون المسؤولية على من يعرقل" .

لا يمكن للحديث عما يدور في العدلية، وعن قضية بحجم قضية رياض سلامة وتوقيت توقيفه المفاجئ، دون السؤال عمن انقلب على سلامة وأعطاه تطمينات كاذبة حدودها " بفنجان قهوة"؟ هنا يرفض وزير العدل الحديث عن تطمينات كاذبة، ويوضح ان "الملف الذي يحاكم به سلامة الآن (وهو ملف حساب الاستشارات) هو جديد ، اذ لم يكن احد ليتوقع فتحه راهنا ، حتى سلامة نفسه، فمدعي عام التمييز سار حسب قناعاته وحسب القانون، وهو صاحب خبرة طويلة بهذا المجال ، وعندما تصدر من قبل مرجعيتين قضائيتين (اي الحجار وحلاوي) الاشارة نفسها بالتوقيف، فهذا يعني ان الأمر جدّي".

ولكن لماذا الآن؟ وما دقة ما قيل عن علاقة لحاكم "المركزي" وسيم منصوري بتزامن التوقيف، مع الحديث عن وجوب ابعاد لبنان عن اللائحة الرمادية؟ يشدد وزير العدل على "ان منصوري قال منذ اولى تصريحاته، انه مستعد لتقديم اية مستندات اذا طلب القضاء ذلك، وعندما طلبت النيابة العامة التمييزية ذلك، التزم منصوري بما قاله منذ اللحظة الاولى".


هل من ارتباط بين توقيف سلامة ومحاولة تمييع قضية التحقيق بانفجار مرفأ بيروت ، التي تشكل جريمة العصر؟ يجزم خوري "ان لا صفقات بهذا الاطار، فمن المعيب الحديث بهذه الطريقة، اذ لا علاقة لكل قضية بالاخرى".

وماذا عما قيل عن زيارة قام بها قاضيان فرنسيان قبيل ايام من توقيف سلامة لمدعي عام التمييز، يحذرانه من وجوب التصرف سريعا، لا سيما بقضية سلامة لان رؤوساً كبيرة متورطة؟ هذه الاقاويل والتحليلات ينفيها نفيا قاطعا وزير العدل قائلا : "فليعطونا اسماء القاضيين اذا كان الامر صحيحا".

وعما اذا كان مرتاحا للمسار الذي تسلكه قضية رياض سلامة ، لا ينفي وزير العدل بان "القضاء يمر بعاصفة فرضها هذان الملفان: قضية سلامة ومعها اموال المودعين وانفجار المرفأ، لكن لا يمكن الحكم على القضاء من خلال ملفين فقط ". ويعود خوري الى العام 2019 ليشير الى "ان القضاء كان منتجا لآخر حدود، فيما اليوم امامه ملفان شغلا العالم بأجمعه وهذا امتحان كبير".

وختم "حتى الساعة تمرّ العاصفة القضائية بالطرق القانونية السليمة ، صحيح ان للقاضية اسكندر موقفا معارضا، لكن فلننتظر ما سيقرره القضاء".

على اي حال، وبانتظار كيف سيؤول المسار القضائي بقضية رياض سلامة، فهل سيؤدي استئناف القاضية اسكندر الى مسار مشبوه بدأ ينحاه ملف سلامة ، فيسلك الطريق نفسه الذي سلكه سابقا، عندما إستأنفت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، قرار قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة سابقا شربل أبو سمرا بقضية التحقيق مع رياض سلامة، ودعوى مخاصمة القضاة ؟ علما وللاشارة الى ان ملف "اوبتيموم" وحساب الاستشارات الذي يساءل بهما سلامة راهنا، لا علاقة لهما بقضية استرداد اموال المودعين.

وبالانتظار، لا بد ان نسجل للقاضي جمال الحجار جرأة قلّ مثيلها، كما لحاكم مصرف لبنان السابق الذي تُرك وحيدا بالمعركة ، الجرأة نفسها بالتوجه الى قصر العدل، واضعا نفسه تحت سقف القانون.



الاكيد اننا لسنا هنا لنبرّئ او نتهم ، فكل متهم بريء حتى اثبات العكس ، لكن كلمة حق تقال ، فقد يكون رياض سلامة لبى رغبات السياسيين او القسم الاكبر من المنظومة، والاكيد انه يتحمل جزءا من المسؤولية، لكن هل يفعلها ويفتح "الخزنة السوداء" فيبوح بما كتمه على مر30 عاما، فيطيح معه رؤوسا كبيرة؟ او سيكون كبش محرقة فدية عن المنظومة السياسية او الجزء الاكبر منها كي لا نعمم ؟