بايدن يحاول "معاقبة" نتنياهو.. وهذه هي أسلحته- بقلم جورج شاهين
شارك هذا الخبر
Saturday, September 7, 2024
على الرغم من مجموعة التحليلات التي تتحدث عن تواطؤ الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في كل ما يجري على هامش العدوان الاسرائيلي على غزة وجنوب لبنان، فإن هناك ما يدعم وجود سيناريو آخر يتحدث عن محاولات أوكلها بايدن الى مساعديه المقربين من اجل استدراج نتنياهو الى التخفيف من شروطه التعجيزية، وخصوصاً في ما يتعلق بمعبر فيلادلفيا، توطئة لعملية التبادل بين الاسرى والمعتقلين قبل نهاية ولايته. وعليه ما الذي يقود الى هذه النظرية؟ يصعب الحديث في كثير من الصالونات السياسية عن أشكال الخلافات التي يمكن ان تقع بين الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل في اي وقت، وما يمكن ان تقود إليه على مختلف المستويات. وهو موضوع يطرح تلقائياً في الملمات التي تجد فيها كل من واشنطن وتل ابيب ان عليهما مواجهتها بالتكافل والتضامن في ما بينهما، بما يمتلكان من قوة اقتصادية او عسكرية او مالية وربما ثقافية وسياسية. فالجميع يدرك ان في واشنطن حيث الادارة المركزية للدولة عليها العناية والاهتمام بكل ما تريده الولاية الواحدة والخمسون، على رغم من بعدها الجغرافي عن اراضي الدولة، بعدما ولدت إنفاذاً لوعد "بلفور البريطاني" على أراض فلسطينية محتلة.
وعلى هامش مثل هذا النقاش، يمكن ان يتناول الحديث مجموعة من الاستحقاقات التي تتحكم بالعلاقة بين الدولتين، ولا سيما في المحطات التي تحاول فيها اسرائيل استدراج اميركا الى مسارح عملياتها العسكرية، كتلك التي تخوضها في قطاع غزة والضفة الغربية منذ أحد عشر شهراً بشكل متواصل، كما على حدودها مع دول الجوار، ولا سيما الشمالية منها مع لبنان، قبل ان تنشأ الازمة التي قامت قبل شهرين تقريباً على حدودها مع مصر، والتي كان يمكن ان تهدد مقتضيات الاتفاقيات السلام المعقودة بينهما، ولا سيما "اتفاقية كامب ديفيد" التي رسمت حدوداً قصوى للقدرات العسكرية التي يمكن نشرها من قبل الدولتين على جانبي الحدود المشتركة بينهما، المعروفة اليوم بمحور "فيلادلفيا" بعرضه الذي يمتد بطول 14 كيلومتراً ما بين النقطة البحرية ومعبر رفح.
على هذه الخلفيات يمكن مقاربة حجم الخفيات التي تشير الى خلافات أميركية – إسرائيلية لم تعد خافية على أحد، بعدما عبر بايدن في أكثر من محطة غضب أعقبت مجموعة من الاتصالات الهاتفية العاصفة بينهما، عن رأيه الشخصي برئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو، والعكس صحيح وممكن. وهي محطات تلاحقت في الآونة الاخيرة بعدما فشلت ادارة بايدن في تسويق بعض المخارج والحلول التي اقترحتها لوقف الحرب في غزة وخفض التصعيد في لبنان والمنطقة، بعدما تفاعلت نتائج المجازر الاسرائيلية المرتكبة في غزة، ووضعت الادارة الاميركية في عين العاصفة الداخلية كما الخارجية الى درجة قلبت الرأي العام الدولي تجاههما معاً، وهو ما ترجمته محكمتا العدل والجنائية الدولية وسلسلة المناقشات التي شهدتها اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات الأممية التي تناقش الخروقات لحقوق الانسان والأمن الدولي ومعها حكومات عديدة من حلفاء الدولتين.
ولذلك، تعددت التقارير الديبلوماسية والسياسية التي تناولت العلاقات الاميركية – الاسرائيلية وما شابها من ترددات سلبية في الفترة الاخيرة والتي شهدها العالم في أكثر من مناسبة، بحجب أنواع متعددة من الاسلحة الاميركية التدميرية عن الجيش الاسرائيلي، ومجموعة الضغوط الديبلوماسية التي مورست على حكومة نتنياهو. فتلاحقت المحاولات الفاشلة لتفكيكها بدعوتها الكنيست إلى حجب الثقة عنها واسقاطها، ومن بعدها بالعمل الذي ادى الى إستقالة الوزيرين بيني غانتس وغدي ايزنكوت، والتي انتهت بما لا تريده الادارة الاميركية من تحولات سياسية وعسكرية. فتكررت المحاولة عبر مداعبة ومغازلة وزير دفاعه يوآف غالانت للغاية عينها، فوقعت الخلافات بينه ونتنياهو ولم تؤد إلى خروجه من الحكومة ولا الى اسقاطها. وكل ذلك من أجل الضغط لترتيب وقف شامل للنار في غزة واللجوء الى الحل السياسي الذي سيؤدي حتماً الى تخفيض التوتر على الساحات الملحقة بهذه الحرب من أبعدها في اليمن ومضيقي هرمز وباب المندب المؤدي إلى البحر الأحمر الى أقربها في لبنان وسوريا والعراق وصولاً الى طهران.
وفي التفاصيل المرتبطة بهذه العناوين، لم تخفِ واشنطن غضبها من نتنياهو وتوجهاته، وخصوا في المرحلة الاخيرة التي اعقبت مبادرة بايدن الجديدة التي تبناها مجلس الامن الدولي في 10 حزيران الماضي بفعل النفي الاسرائيلي لما سماه بايدن اقتراحات اسرائيلية استند إليها في مبادرته والخلاف الناشب حول مقومات الحل السياسي المؤدي الى قيام الدولتين الفلسطينية واليهودية التي تحدث عنها وزير خارجيته في 19 تشرين الأول الماضي بعد 21 يوماً على انطلاق عملية "طوفان الاقصى" امام مؤتمر مجموعة السبع في اليابان عندما أطلق لاءاته الشهيرة برفض الاحتلال الاسرائيلي لغزة والحفاظ عليها أرضا فلسطينية وعدم القبول بعودة حماس الى حكمها.
وعلى وقع مجموعة المعالجات التي تجاهلت هذه المخارج السياسية بشأن اليوم التالي، التي ارتبط العديد منها باستئناف خطوات التطبيع بين الدول العربية واسرائيل، بقيت الأمور مطروحة على المستوى الديبلوماسي إلى ان جدد الحديث عنها قبل ايام السفير الأميركي في تل ابيب جاكوب ليو، الذي اعتبر في أول رد على قرار الكنيست في الخامس من أيلول الجاري برفض قيام الدولة الفلسطينية فاعتبر "أن دولة فلسطينية في إطار مفاوضات وتطبيع لا تعتبر جائزة للإرهاب". وبعدما دعا "أطراف المفاوضات بالتحلي بالمرونة من أجل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة."، اعتبر "أن الفرصة لا تزال متاحة من أجل تنفيذ مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الإسرائيليين". وفي موقف عد الاقسى في مواجهة نتنياهو وإصراره على الاحتفاظ باحتلال "محور فيلادلفيا" اعتبر ليو "أن محور فيلادلفيا لم يتم ذكره في مقترح الرئيس بايدن"، مشيرًا إلى أنه تم الحديث عن انسحاب إسرائيلي من الأماكن المكتظة بالسكان" كما أنه لفت للمرة الاولى الى ضرورة "الانفتاح إلى مفاوضات تقود إلى إقامة دولة فلسطينية، وتعمل على تطبيع العلاقات بين دول المنطقة، قائلًا إن الأمر سيعد هزيمة لحركة حماس وإيران".
ولم تكتف المراجع الديبلوماسية بالاشارة الى هذه المواقف الحادة لا بل فإنها أعادت التذكير بموقف بايدن قبل أيام قليلة عندما قال رداً على سؤال عن علاقته بنتنياهو وموقفه من التشدد الاسرائيلي، فلفت الى "أنه يفاوض مع شريكيه في المبادرة الاخيرة في قطر ومصر". ولما عد هذا الموقف مستغربا وكان بايدن قد اصابه "الزهايمر" كانت التقارير الديبلوماسية تتحدث عن مفاوضات سرية جانبية يقودها مع "حماس" عبر شريكيه في القاهرة والدوحة، من أجل ترتيب عملية اطلاق سراح الأسرى من أصحاب الجنسية المزدوجة الإسرائيلية والأميركية بعد ان قُتل احد زملائهم من ضمن الاسرى الستة الذين عثر عليهم مؤخراً في احد أنفاق رفح، وقد كانت والدته قد شاركت بخطاب قاس سبق نبأ مقتله بأيام في المؤتمر الأخير للحزب الديموقراطي الذي انتهى بتسمية كامالا هاريس لخوض الانتخابات في مواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.وإلى ان يظهر الخيط الابيض من الاسود في وقت قريب يُقاس بدنو الاستحقاق الرئاسي الاميركي، يمكن الحكم على قدرة بايدن على استخدام هذه الاسلحة على انواعها لمعاقبة نتنياهو من عدمه. فالرهان صعب و المخارج والحلول المنطقية القابلة للتنفيذ ليست بيد اللبنانيين بالتأكيد، ولا بيد واشنطن حتى اليوم ولا في مجلس الأمن الدولي، ليبقى قرار الحرب والسلم بيد نتنياهو. وهذه هي التجربة التي تمتحن بايدن في الأشهر المتبقية من ولايته.