لو فيغارو- ماذا وراء تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, July 25, 2024

بحث كُتّاب ومحللون سياسيون فرنسيون في أسباب تراجع دور ونفوذ باريس في أفريقيا بشكل عام، وفي المستعمرات الفرنسية السابقة بشكل خاص، مشيرين إلى أن رئيس الدولة إيمانويل ماكرون، وعلى الرغم من تحديده لنقاط الضعف والمفارقات التاريخية في أفريقيا، إلا أنه لم ينجح في فرض تنفيذ الإصلاحات لتعزيز مكانة فرنسا في القارة السمراء.

ويأتي ذلك بينما يتعيّن على جان ماري بوكيل، المبعوث الشخصي لماكرون إلى أفريقيا، ومع بداية فصل الخريف، أن يعلن أخيراً عن تقريره حول مستقبل القوات الفرنسية المنتشرة في أفريقيا، فيما تنتظر فرنسا استحقاقات سياسية مهمّة فور الانتهاء من الألعاب الأولمبية والبارالمبية في باريس، وأهمها تشكيل الحكومة الجديدة، حيث صلاحيات الحكومة الحالية المؤقتة محدودة جداً بعد قبول استقالة رئيس الوزراء.

وبحسب تانجوي بيرثيميت، الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي في "لو فيغارو"، فإنه من المتوقع ودون مفاجآت أن يتم الكشف في التقرير المنتظر عن انخفاض واضح في أعداد الجنود الفرنسيين في البلدان التي يعملون فيها، باستثناء جيبوتي، وعن اقتراح تعزيز تواجد أكثر سرية في عدة دول، كخيار مطروح منذ انعقاد مجلس الدفاع الفرنسي في ديسمبر (كانون الأول) 2023.


القواعد العسكرية
ويرى بيرثيميت، أن هذا التراجع العسكري لباريس يجب أن يضع اللمسات الأخيرة على إعادة هيكلة العلاقة بين فرنسا ومستعمراتها الأفريقية السابقة، حسب ما يريده ماكرون، والذي سبق أن حدّد بشكل مثالي في عام 2018 نقاط ضعف فرنسا في أفريقيا وأطلق سبل الإصلاحات المستقبلية لإعادة تعريف العلاقات الفرنسية الأفريقية القديمة.

ولكن وبعد 7 سنوات، جاءت النتائج مختلطة في العام 2024، وبعيدة عن طموحات وخطط ماكرون، تاركة انطباعاً بآمال محبطة وبطء غير مفهوم. ومصير القواعد العسكرية خير دليل على ذلك، حيث يستمر تواجد القوات الفرنسية بشكل تقليدي في بعض الدول الأفريقية مذكّرة بالعهد الاستعماري رغم المشاعر المعادية لفرنسا هناك، وبحيث تواصل باريس الاحتفاظ بقواعدها وقواتها هناك إلا في حال رفضت بعض الدول وقررت انسحاب فرنسا، على غرار ما حدث في النيجر العام الماضي.


سقوط حر
منصة "موند أفريك" الإعلامية، وتحت عنوان "الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا في سقوط حر" كتبت تقول إنه، ومنذ وصول الانقلابات العسكرية المعادية لفرنسا إلى بعض الدول في السنوات الأخيرة، كان قد اختفى من المشهد تقريباً ما يقرب من 20.000 إلى 25.000 جندي فرنسي كانوا منخرطين في منطقة الساحل، وذلك باستثناء تشاد، التي تُوصف بالصديق الوفي لباريس.

ومن أجل استبدال الوجود العسكري المتنازع عليه الآن في منطقة الساحل، تدرس فرنسا والاتحاد الأوروبي تركيز جهودهما على البلدان الساحلية في غرب أفريقيا: ساحل العاج، وبنين، وتوغو، وغانا. وقد ترك إنهاء عملية برخان في منطقة الساحل، باريس وبروكسل في مواجهة فراغ استراتيجي مثير للقلق في مواجهة خطر التقدم الإرهابي.

وأعداد الجيش الفرنسي في انخفاض مستمر في غرب أفريقيا. ولن يتبقى في كوت ديفوار سوى نحو مئة جندي فرنسي (مقابل 900 جندي حالياً)، وهي حليف مدى الحياة وشريك اقتصادي رئيسي. وفي السنغال، ينبغي أن ينخفض عدد الجنود الفرنسيين من ثلاثمئة إلى مئة أخرى.

والدولة الأفريقية الوحيدة التي تحتفظ فيها فرنسا بوجود حقيقي هي جيبوتي، حيث يوجد للجيش الفرنسي قاعدة عسكرية. وتتمتع هذه الدولة الصغيرة بموقع استراتيجي بالقرب من مضيق باب المندب، الذي يفصل خليج عدن عن البحر الأحمر ويتحكم في الطرق المؤدية إلى قناة السويس.

وهذا الالتزام الفرنسي لا علاقة له أصلاً بأفريقيا، إذ يُفسّر أولاً بالقضايا السياسية المرتبطة بالوضع في الشرق الأوسط، وبالحاجة إلى جيبوتي لضمان أمن بحري دولي والدفاع عن الطرق المائية التي تسهّل الإمدادات الجيدة لفرنسا في المقام الأول.


الفرنك الأفريقي
وليس ملف القواعد العسكرية وحده الذي يُربك العلاقات الفرنسية- الأفريقية، إذ إن مسألة الفرنك الأفريقي تبقى مصدر استياء كبير لدى شعوب الدول التي لا زالت تستعمل هذه العملة، إذ يرون فيها تكريساً للتبعية وتجسيداً لفكرة استمرار الاستعمار.

وحسب المحلل السياسي الفرنسي تانجوي بيرثيميت، فإن تغيير اسم هذه العملة مرهون بتوافق الدول الأفريقية التي تتداولها اليوم، وهو أمر لم يتم التوصل إلى توافق حوله بعد.

وفي حال حدث انفصال عن الفرنك الأفريقي فيعتبر ذلك بمثابة دلالة على الاستقلالية الاقتصادية، إذ في مرحلة تحرر 14 دولة أفريقية من فرنسا، في 1960، أرغمت باريس هذه الدول على استخدام عملة موحدة وهي "الفرنك" الذي يستخدم كنموذجين في كل من الكاميرون والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد، وكذلك في بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو. ويرتبط الفرنك بعملة اليورو عبر اتفاق يحدّد سعر صرف ثابت له.


الآثار
وأيضاً هناك ملف القطع الأثرية والفنية المنهوبة من البلدان الأفريقية، وهو أحد أبرز العوامل التي لا زالت تشكّل إخفاقاً على صعيد تأسيس العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، وذلك على الرغم من أن الرئيس ماكرون قد وعد في مناسبات كثيرة بإعادتها لدولها.

وتحت عنوان "إجحاف: الأفارقة ليس لديهم تاريخ" أشارت شبكة "راديو فرانس" إلى أنه على الرغم من التنوع الثقافي لأفريقيا وتراثها الغني من الآثار، إلا أن التحيّز لفكرة "قارة بلا تاريخ" لا يزال يلوّث العقليات الغربية. لكن من المؤكد أن الأفارقة لديهم تاريخ عريق، إنه تاريخ حاول الغرب تجاهله لعدة قرون ولا يتم تدريسه في المدارس.

وترى الشبكة الفرنسية أن ما سبق كانت حججاً مغلوطة لإضفاء الشرعية على نهب الأعمال الأفريقية من قبل المستعمرين في القرنين التاسع عشر والعشرين.

ومن الطبيعي أن يكون افتراض الجهل هذا مصحوباً بافتراض عدم القدرة على الحفاظ على التراث الخاص بالفرد والدول، الأمر الذي يبرّر بالتالي الحفاظ في أوروبا على الأعمال الأفريقية التي نُهبت أثناء الحقبة الاستعمارية.


24.AE