ناشونال إنترست- العنف السياسي في أميركا خطر داهم

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, July 16, 2024

إن العنف السياسي هو أحد أعراض الاعتقاد العام بعدم شرعية نظامنا السياسي، وهو الاعتقاد الذي شجعته جميع الأطراف بسبب انقساماتنا السياسية. بول سوندرز – ناشونال إنترست

أدت محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب في بتلر بولاية بنسلفانيا إلى تصعيد التوترات السياسية بشكل كبير في مجتمع لا يريد ولا يستطيع تحمل مثل هذا التصعيد. وقد أعرب الرؤساء السابقون ومختلف الشخصيات السياسية والإعلامية بشكل مناسب عن تعاطفهم مع السيد ترامب وأدانوا أعمال العنف. ومع ذلك، قد لا يكون هذا كافيا لتجنب المزيد من العنف السياسي الخطير.

وأشار الكثيرون إلى السياسة الأمريكية السامة باعتبارها أحد المساهمين في حادث إطلاق النار الذي وقع في 13 يوليو. حيث أن الدرجة التي يصف بها الحزبيون السياسيون منافسيهم بأنهم أعداء أشرار عازمون بشدة على تدمير البلاد بدلا من كونهم مواطنين لهم وجهات نظر مختلفة هي أمر مثير للقلق، لكن المشكلة أعمق من هذا بكثير.

تعيش الولايات المتحدة أزمة في شرعية نظامها السياسي. وكأزمات أخرى من هذا القبيل، فإن أزمة اليوم قد تدمر النظام الذي تهدده، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة بالنسبة لأمريكا والعالم. والخطوة الأولى لمنع ذلك هي فهم ما يحدث ولماذا لأن اختزال المشكلة في سبب واحد ــ دونالد ترامب ــ ليس تحليلا سيئا فحسب، بل يشكل أيضا أساسا هزيلا وخطيرا للجهود الرامية إلى التغلب على التحدي التاريخي.

والأمر الأساسي الذي يجب إدراكه هو أن أزمات الشرعية غالبا ما تبدو وكأنها تتقدم بطريقة خطية حتى أيامها الأخيرة. ومن هذا المنظور فإن انهيار الشرعية السياسية يشبه إلى حد كبير انهيار سوق الأوراق المالية؛ فكلتا العمليتين تتعكسان فقدان الثقة على نطاق واسع. ومع ذلك فإن أسواق الأوراق المالية تستعيد ثقة المستثمرين ولو بعد فترة من السنوات، ما دامت أسسها السياسية سليمة. في حين أن الأنظمة السياسية التي تفقد شرعيتها نادرا ما تتاح لها هذه الفرصة؛ وبدلا من ذلك، يظهر نظام جديد من خلال عملية نادرا ما تكون سلمية.

وعلى مدى العقود الخمسة الماضية، كانت النخب السياسية والإعلامية في أمريكا نشطة إلى حد صادم في مهاجمة شرعية النظام السياسي الذي ينتجها ويحافظ عليها. وقد فعلوا ذلك على أساس الحزبين وبقوة أكبر مع ظهور تلفزيون الكابل ووسائل الإعلام عبر الإنترنت التي تستهدف على شرائح محددة من المجتمع الأمريكي.

ولنتأمل هنا الرسائل السياسية الأمريكية. فعلى مدار عقود من الزمن، هاجم الديمقراطيون المنتخبون والناشطون السياسيون الديمقراطيون النظام السياسي الأمريكي بشكل منتظم وروتيني باعتباره غير تمثيلي وغير عادل. وخلال العقود نفسها، أدان الجمهوريون المنتخبون والناشطون السياسيون الجمهوريون بانتظام الحكومة الفيدرالية الأمريكية باعتبارها تهديدا للنظام السياسي.

وبغض النظر إلى من يصغي الأمريكيون، فهم يسمعون هجمات مستمرة على "النظام" أو على المشاكل "الجهازية" في السياسة والاقتصاد والمجتمع في أمريكا. إذ ليس من الممكن مهاجمة النظام والتحديات دون تقويض شرعية النظام القائم. وكلا النهجين يهاجمان بشكل مباشر ثقة الجمهور في المؤسسات الحكومية. ولأن كلا الحزبين (والجماعات الناشطة الداعمة) يسعيان إلى استغلال كل ثغرة قانونية محتملة لتأمين الانتصارات الانتخابية، فمن المحتم أن يمتد هذا الانتقاد إلى ما هو أبعد من المؤسسات الأمريكية ليصل إلى عمليات الحكم، بما في ذلك الانتخابات.

ولعبت وسائل الإعلام دورا سيئا في البحث عن عيوب جميع المؤسسات الأمريكية، بما فيها الحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية، والهيئات التشريعية، والمحاكم، والجيش، والشركات، والكنائس، والجمعيات الخيرية، والجيش. ورغم أن هذا يمثل جزءا من مهمة الإعلام، لكنه ضاعف من تأثير الهجمات السياسية على المؤسسات الأمريكية.

إن الخطر الكبير يكمن بعد محاولة اغتيال ترامب المأساوية. إذ لا يزال الدافع وراء المحاولة مجهولا، ورغم ذلك فإن دوافعها تعتبر سياسية. وحتى لو تبين أن مرتكب الجريمة مريض عقليا، فسيكون من الصعب تأطير محاولة إطلاق النار على مرشح رئاسي كحدث غير سياسي. وكيفية رد الأمريكيين على هذه المحاولة وعلى ضحايا الحادث سوف تكون حاسمة.

وهناك خطر أكبر يكمن في قناعة الناشطين الملتزمين أن المزيد من العنف قد يكون ضروريا. فقد يشكّل مؤيدو ترامب ميليشيات لتوفير مزيد من الأمن في التجمعات الانتخابية، أو في مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات. وقد يحمل بعضهم أسلحة نارية، فكيف سيتفاعلون مع سلطات إنفاذ القانون؟ وكيف سيتفاعلون مع المتظاهرين المناهضين لترامب؟ أو مع المارة الذين لا يحبونهم؟ وكيف سيتعاملون مع الحكومة أو المجتمع؟ ربما ستكون الفترة التي تسبق يوم الانتخابات ويوم التنصيب وخلالهما أوقاتا خطيرة فعلا.

إن تجنب المزيد من العنف السياسي سوف يتطلب أكثر من مجرد الإدانات الروتينية. وسوف يتطلب الأمر قيادة نشطة من كلا الجانبين، وعلى أعلى المستويات، لوقف الخطابات المبالغ فيها، والتوقف عن شيطنة المواطنين الأمريكيين. كما يجب التوقف عن تقويض الحكومة الأميركية ومؤسساتها، والبدء في التصرف مثل المسؤولين العموميين؛ المسؤولين الذين عهد إليهم الناخبون عائلاتهم وثرواتهم وحياتهم.


روسيا اليوم