ذا ديبلومات- أي معضلة تواجهها الصين بعد تقارب بوتين وكيم؟

  • شارك هذا الخبر
Monday, June 24, 2024

رأت طالبة الدكتوراه في كلية الدراسات العليا لشؤون شرق آسيا في جامعة برلين الحرة آني بوك، أن العلاقات المتعمقة بين روسيا وكوريا الشمالية، أثارت مخاوف كبيرة في الولايات المتحدة من تأثيرها المحتمل على الحرب في أوكرانيا والأمن في شبه الجزيرة الكورية.

لكن تقارب موسكو وبيونغ يانغ الذي تجلى أخيراً في استقبال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتوقيعهما اتفاقية تنص على تقديم مساعدة متبادلة عند التعرض للهجوم، أثار أيضاً مشاعر متضاربة في بكين. فهو يولّد حالة جديدة من الشك لدى الصين.
انتقاد نادر
كتبت بوك في مجلة "ذا ديبلومات" أنه رغم أن الصين جارة لكوريا الشمالية وشريانها الاقتصادي وحليفتها الرسمية، تبقى علاقاتها مع كوريا الشمالية بعيدة كل البعد عن أن تكون وثيقة، كما تشير التطورات الأخيرة.
واعتُبرت إدانة كوريا الشمالية للبيان المشترك الأخير لكوريا الجنوبية واليابان والصين خلال قمتها الثلاثية الأولى منذ 2019 انتقاداً نادراً للصين. وأشار البيان إلى نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية.

أشارت تصرفات بيونغ يانغ المستفزة في نفس الوقت تقريباً إلى استيائها من القمة. من اللافت للنظر أن نظام كيم اختار إطلاق قمر اصطناعي للتجسس العسكري إلى مداره خلال مبادرة دبلوماسية كبرى شاركت فيها الصين.

هل من سابقة؟
المرة الأخيرة التي سعت كوريا الشمالية بوضوح إلى إحراج الصين كانت في 2017، قبل وقت قصير من انعقاد المؤتمر الافتتاحي لمنتدى الحزام والطريق في بكين في مايو (أيار). حينها، أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً من قاعدة بالقرب من الحدود الصينية. ومنذ ذلك الحين، تغيرت الديناميات الإقليمية بشكل كبير.
بعدما وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود في 2017، بدأت العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية تتحسن بشكل ملحوظ في أعقاب الاجتماع الأول بين الرئيس شي جين بينغ وكيم في مارس (آذار) 2018. ورغم أنهما التقيا خمس مرات بعدها، لم تعد العلاقة بينهما إلى ما كانت عليه "قريبة مثل الشفاه والأسنان"، كما وصفها ماو تسي تونغ ذات مرة.
بسبب جائحة كورونا، أغلقت كوريا الشمالية جميع حدودها وأوقفت جميع تجارتها عملياً بما فيها مع الصين التي تمثل أكبر شريك تجاري لها. وانتظرت الصين حتى أبريل (نيسان) 2024، لتنظم بزيارة رفيعة المستوى إلى كوريا الشمالية بقيادة تشاو ليجي، ثالث أعلى مسؤول في الصين، على رأس وفد.
تعليق الإعلام الصيني
جاءت زيارة بوتين بعد القلق الدولي المتزايد من كوريا الشمالية التي كثفت خطابها العدواني وأنشطتها الصاروخية العسكرية. في أوائل 2024، أعلن كيم تحولاً كبيراً في السياسة مع كوريا الجنوبية مستبعداً أي احتمال لإعادة توحيد الكوريتين سلمياً، في إشارة إلى تفضيل العداء على المصالحة.

في 2022، شهدت كوريا الشمالية عاماً غير مسبوق من التجارب الصاروخية، وفي 2023، نجحت في إطلاق قمر اصطناعي للتجسس العسكري إلى الفضاء بمساعدة روسية.
ويُعتقد أنه مقابل نقل كميات كبيرة من الذخائر الكورية الشمالية والصواريخ الباليستية لحرب روسيا في أوكرانيا، تزود موسكو كوريا الشمالية بالتكنولوجيا العسكرية، ما يزيد قدرات بيونغ يانغ العسكرية.


وامتنعت بكين، الشريكة الرئيسية لبيونغ يانغ وموسكو، عن التعليق على هذه التطورات الأخيرة. ومع ذلك، سارعت وسائل الإعلام الصينية إلى لوم الولايات المتحدة زاعمة أن سياستها "العدائية" أدت إلى التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية، وتقويض الوضع الأمني في أوروبا وشمال شرق آسيا. يعكس تصوير الصين للولايات المتحدة محرضاً رئيسياً للتوترات اعتقاد بكين بأن واشنطن هي أكبر تهديد وعدو لها، لا بيونغ يانغ.

رؤية السياسة الخارجية الصينية
رداً على القدرات النووية والصاروخية المتنامية لكوريا الشمالية، عززت الولايات المتحدة تعاونها العسكري مع كوريا الجنوبية، واليابان، الأمر الذي أثار استياء الصين كثيراً. لطالما اتهمت بكين واشنطن باستخدام القضية النووية لكوريا الشمالية ذريعة لتوسيع وجودها العسكري في المنطقة، وبالتالي زيادة تفاقم التوتر في شبه الجزيرة الكورية. يعتقد معظم مفكري السياسة الخارجية الصينية أن هذا هو الهدف العام لواشنطن، ليس ردع كوريا الشمالية بل احتواء الصين.
وبالنظر إلى أن الصين تنظر إلى سياستها الخارجية من خلال عدسة تنافسها الأوسع مع الولايات المتحدة، في آسيا أو في العالم، من غير المرجح أن تضغط بكين على كوريا الشمالية أو روسيا لحل الصراعات في شمال شرق آسيا أو أوروبا. بالنسبة إلى الصين، يظل نظام كيم منطقة عازلة مهمة ضد الحصار المتزايد من الولايات المتحدة وحلفائها، في حين تعمل روسيا حليفاً مهماً في مواجهة النظام العالمي بقيادة واشنطن.
مع ذلك، فإن اختيار بكين تجنب "التدخل" قد يؤدي على المدى الطويل إلى تقويض مصالحها الاستراتيجية، فبالبقاء على الهامش مع تعمق العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، تخاطر الصين بتفاقم التوتر في شبه الجزيرة الكورية.
تذكير صارخ
وبمساعدة روسيا، يرجح أن يعمل نظام كيم على التعجيل بتطوير قدراته النووية، ما قد يؤدي إلى د فعل أقوى من الولايات المتحدة، وفي أسوأ السيناريوهات بكين، وقد يؤدي إلى تشكيل ما يسميه الصينيون "ناتو آسيوياً" بقيادة الولايات المتحدة لاستهداف الصين.
وأضافت الكاتبة أن اكتساب كوريا الشمالية المزيد من الجرأة يزيد احتمالات إقدامها على سلوك أكثر عدوانية واستفزازاً وربما تكثيف تجاربها للأسلحة، أو إجراء تجربة نووية سابعة، الأمر الأكثر إثارة للقلق، ما سيعرّض الصين حتماً لتصاعد الصراعات التي تفضل تجنبها. ونتيجة لذلك، ستواجه بكين ضغوطاً دولية مكثفة، خاصة من الولايات المتحدة، لاتخاذ موقف أقوى ضد نظام كيم.
إن إدارة ترامب، تذكير صارخ بأن التوتر في شبه الجزيرة الكورية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الاحتكاكات الثنائية القائمة والامتداد إلى مجالات أخرى من العلاقات الصينية الأمريكية. في 2017، أصبح تقاعس الصين المتصور في كوريا الشمالية، متشابكاً مع مخاوف الولايات المتحدة من ممارساتها التجارية، ما أدى في النهاية إلى حرب تجارية وعقوبات لا تزال مستمرة حتى اليوم.
ثلاثة أهداف متضاربة
إن الأولوية الاستراتيجية الصينية طويلة الأمد والمتمثلة في الحفاظ على الاستقرار على حساب السعي إلى نزع السلاح النووي، سمحت لكوريا الشمالية بتعزيز قدراتها النووية إلى درجة أصبح من الصعب معها وقف تقدمها. رسمياً، كانت الصين تلتزم دائماً بالمبادئ الثلاثة: "لا للحرب، ولا لعدم الاستقرار، ولا للأسلحة النووية"، ما يعكس ترتيب أولوياتها في شبه الجزيرة الكورية.
لكن أصبح من الواضح مع مرور الوقت أن السعي إلى تحقيق هذه الأهداف الثلاثة في وقت واحد أمر مستحيل، لأن الهدفين الأولين يقوضان الثالث في نهاية المطاف، والعكس صحيح. وتدرك بكين جيداً أنه دون نزع السلاح النووي، لا يمكن تحقيق السلام والحفاظ على الاستقرار المستدام في شبه الجزيرة الكورية، وشمال شرق آسيا. في هذا الصدد، أدت العلاقة المتوسعة بين بيونغ يانغ وموسكو إلى تفاقم معضلة الصين.
لبكين مصلحة كبيرة في تحسين العلاقات مع سيول، وطوكيو، لتقليل الاحتكاكات وموازنة النفوذ الأمريكي. يُنظر إلى التعاون الاقتصادي والتجاري على أنهما أمران حاسمان لتعزيز التعافي الاقتصادي في الصين، بعد الجائحة والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين. ومع ذلك تظل قضية كوريا الشمالية شائكة، كما أن استفزازاتها تعرقل جهود الصين الرامية إلى خلق بيئة أكثر تعاوناً في شمال شرق آسيا.
علاقات
رغم الدعم الاقتصادي والدبلوماسي الذي تقدمه بكين لبيونغ يانغ، فإن الدولتين ليستا صديقين مقربين. وكانت أن أول رحلة خارجية لكيم بعد الوباء إلى روسيا لا إلى الصين، ما يثير تساؤلات حول الوضع الحالي للعلاقة بينهما. وبينما عقد كيم قمتين مع بوتين في أقل من عام، لم يلتقِ شي بالزعيم الكوري الشمالي منذ 2019.
علاوة على ذلك، تعمل جهود كوريا الشمالية لتعزيز علاقاتها مع إيران على تخفيف عزلتها، ما يشير إلى محاولة استراتيجية نحو تنويع تحالفاتها، وتعزيز تعاونها في الأسلحة النووية والباليستية. وتؤدي هذه الديناميات الجديدة إلى تعقيد التوازن الذي تسعى إليه الصين في المنطقة بشكل كبير حسب بوك.


24.AE