خاص- مرفأ طرابلس مقبرة الشمال: تجاوزات بـ"الجملة" وتخوّف من انفجار آخر!- إيسامار لطيف

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, June 18, 2024

خاص- الكلمة أونلاين


يكاد البعض ينسى عاصمة الثقافة العربية، بعدما وضع الساسة ثقلهم لنسيانها، أو بمعنى أدقّ ليغضّ الرأي العام النظر عنها، ليستبيحوا خيراتها، ويتقاسموا مواردها تحت شعارات مختلفة، أبرزها "مصلحة أبناء طرابلس أولويتنا". إلّا أنّ الأحداث الأخيرة "المشبوهة" التي طرأت على المدينة، أعادتها إلى مقدمة نشرات الأخبار محتلة العناوين الرئيسية، بعد تُهم الفساد التي طالت إدارة مرفأ طرابلس، مروراً بحادثة الشاحنتين المحملتين بالأسلحة التي ضُبطت في البترون بعدما دخلت من سوريا إلى لبنان عبر مرفأ طرابلس أيضاً، وصولاً إلى الأخبار المتداولة حول وجود مواد قابلة للاشتعال والانفجار في المنشآت الموازية للمرفأ، ما يطرح علامات استفهام حول دور الدولة وأجهزتها الوزارية والرقابية في حفظ النظام والأمن لأبناء العاصمة الشمالية ومؤسّساتها.

مخالفات بـ"الجملة" والعين على المنشآت

ضجّت وسائل الإعلام قبل أسابيع بخبر ضبط شاحنتَين محملَتَيْن بالأسلحة غير الشرعية التي أُدخلت إلى لبنان عبر مرفأ طرابلس لهدف "تجاري لا إرهابي"، وفقاً للرواية الأمنية. ولكن يبدو أن الماس الكهربائي الذي طرأ بشكل فجائي على الحمولة، كشف المستور وأسدل الستار عن المخالفات وعمليات التهريب التي يشهدها المرفأ.

تواصلنا مع رئيس عام مرفأ طرابلس، أحمد تامر، الذي أكّد لنا أن "نقص عدد الكشّافين الجمركيين (٢ على أكثر من ١٥٠ سفينة يومياً)، ناهيك عن الظروف الصعبة ونقص الموارد اللوجستية والبشرية التي يُعاني منها المرفأ الشمالي، كلّها عوامل تحول دون السيطرة على كافة السفن التي تدخل عبره على مدار الأسبوع، لذلك من الطبيعي أن تحدث تجاوزات بسيطة، مثل شاحنة تهريب الأسلحة التركية، ولكن هذا لا يعني أن مرفأ طرابلس مفتوح على مصراعيه كما يسوّق إعلامياً للتهريب والفساد"، لافتاً إلى أنّه "تمّت الموافقة على طلب في تشكيل كشّافة جمركيين إضافيين في طرابلس، ومن المتوقع أن يلتحقوا في المرفأ قريباً، لا سيّما وأنّنا أمام مشاريع توسيع ومبادرات إنمائية سيتمّ تمويلها من إيرادات المرفأ الخاصّة بغية إعادة الحياة إليه ونهضة المدينة".

عملياً، أكّد تامر في تصريحه وقوع تجاوزات مثل التهريب وخلافه، معتبراً إيّاها بسيطة ولا يُحكى بها أمام ما يحصل في كلّ مرافئ العالم. إلّا أنّه نسي أن ما يمسّ بمرفأ طرابلس على وجه التحديد يؤثر على أكثر من مليونَي نسمة شمالاً، وأن مثل هذه التجاوزات "البسيطة" فعلاً لا تستحقّ التهويل الإعلامي في أيّ بلد غير لبنان، أو بمعنى أصحّ في أيّ بلد لا يعاني من انهيار اقتصادي وسياسي ومؤسّساتي مثل لبنان. هذا طبعاً دون ذكر ظاهرة التسلّح العشوائي التي نشهدها مؤخراً بفضل حركة تهريب الأسلحة النشطة عبر مرفأ طرابلس، ولو كانت للاستخدام الشخصي فقط، ما يؤدّي إلى ارتفاع نسب الجرائم والسرقة في البلد، وهذا انعكاسه ليس "بسيطاً" على أحد.

بالعودة إلى المخاطر التي تحوم حول مرفأ طرابلس، انتشرت قبل فترة معلومات تُفيد بوجود كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم في المنشآت النفطية بالقرب من مرفأ طرابلس، ما استدعى تحرّك النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، الذي أوعز إلى أمن الدولة محضراً للتحقّق من دقّة هذه المعلومات ليُبنى على الشيء مقتضاه.

ولكن، بما أنّنا نعيش في لبنان، بلد اللادولة، لم يُعرف بعد حتّى اليوم مصير التحقيق ولم تُتخذ أيّة إجراءات لا من قبل القضاء اللبناني، ولا أمن الدولة للحدّ من خطر المواد المتواجدة.

يوضح تامر، أن المنشآت النفطية تبعد حوالي ٥ كيلومترات عن مرفأ طرابلس، وبالتالي "لا فكرة لديه" حول طبيعة المواد المتواجدة فيها، بحيث أنّها لا تخضع لسيطرته ولا علاقة لإدارة المرفأ بها كما يُتداول.

قنبلة موقوتة شمالاً

بهدف التقرير، تواصلنا مع بعض الشركات التي تقدّمت على المناقصة التي طرحتها هيئة الشراء العام قبل مدّة لنقل هذه البضاعة بطرق قانونية وصحيّة وفقاً للمعايير الدولية إلى الخارج، وكان الردّ صادماً.

أخبرتنا الخبيرة ليال عراجي، أنّها دخلت إلى منشآت طرابلس وعاينت المواد في المكان وهي بالإجمال "مخزّنة بطرق غي صحيّة داخل غرف ليست مجهزّة للتخزين، وسط وجود مواد قابلة للاشتعال كالخشب والبنزين والزيت إلى جانبها، ناهيك عن رميها بصور عشوائية تزيد من معدّلات خطورتها، لا سيّما في فصل الصيف".

نقلت الشابة تعليقاتها ومخاوفها إلى المعنيين، فأجابوها: "النيترات مادة ما بتشكّل خطر كبير متل ما الكلّ مفكّر، بالنهاية المزارعين وغيرن بحاجة إلها، وما عنا أرقام واضحة لعدد البراميل الموجودة، بس أكيد رح نتحرّك إذا أُثبت أيّ تقصير".

كان يُفترض بانفجار مثل ذاك الذي لحق بمرفأ بيروت، أن يُرغم الدولة، إن وُجدت، على اتخاذ تدابير جذرية بحق السفن غير المستوفية للمعايير الدولية التي تدخل معابرها، وإصلاح قطاعها البحري، وضمان محاسبة المسؤولين عن سوء إدارة المرافئ والفساد، وقبل كلّ شيء التخلّص من المواد الخطرة المتكدّسة على أراضيها، ولكن هذا لم يحصل في لبنان، وعلى ما يبدو لن يحصل قريباً، إذْ علمنا أن المناقصة التي تديرها هيئة الشراء العام حالياً حول إزالة المواد الخطرة، تعترضها شُبهات عدّة، تراها الخبيرة بمثابة "ألاعيب" لتلزيم شركة معيّنة واستبعاد شركات أخرى، ولعلّ دفتر الشروط الذي تمّ وضعه "على قياس" إحدى الشركات المشاركة أكبر دليل على ذلك.

حاولنا التواصل مع رئيس الهيئة، جان العليّة، لمعرفة تفاصيل المناقصة وطبيعة هذه الاتّهامات، إلّا أنّه يرفض التصريح أو الظهور إعلامياً في الفترة الراهنة لأسباب لم يذكرها.

الفساد يَنشط شمالاً والإدارة تردّ

من تهريب الأسلحة، إلى المواد الغذائية والأدوية، والبنزين، ومؤخراً قطع السيارات، يشهد مرفأ طرابلس الحيوي فساد ما بعد فساد بتواطؤ سياسيّ فاضح، وهذه ليست اتّهامات وحسب، إذْ الجميع يعرف امتلاك بعض السياسيين حصصاً أو شركات في المرفأ، وبالتالي هم على علمٍ بما يحصل فيه سواء شاركوا في تلك العمليات أم لا. ولعلّ آخر ظواهر هذا الفساد تتجلّى في محاولات التهرّب الضريبيّ واحتكار الأسواق، من خلال إدخال مواد مهرّبة من سوريا إلى لبنان وبيعها في الأسواق دون تسديد الضرائب الجمركية المتوجبة على التجّار، التي سبق وتحدّثت عنها بعض الوسائل الإعلامية الأسبوع الماضي.

للوهلة الأولى، عندما نقول سلاح أُدخل إلى لبنان، تتجه أنظار البعض نحو "حزب الله"، إلّا أن (م.ع.) يؤكّد لنا أن "عمليات تهريب الأسلحة إن كانت بّراً أو بحراً لم تعد مقتصرة على حزب معيّن ولا جماعة محدّدة في لبنان، فيما نشطت خلال السنوات الـ٥ الماضية تجارة السلاح التركي عبر مرفأ طرابلس على صعيد المثال لا الحصر، الذي يُستعمل لأغراض أمنية أو لعمليات السلب مثلاً، وإجمالاً لا يُستخدم من قبل المحترفين ولا الخلايا الإرهابية"، وبطبيعة الحال هذا ما أكّدته الرواية الأمنية أيضاً، بفروقات صغيرة، وهي أنّه "يدخل إلى طرابلس عبر تجّار سوريين غير شرعيين في لبنان، بعد دفع مبالغ طائلة لغضّ النظر عن التجاوزات المذكورة، فيما عملية الربح مضمونة بنسبة مئة في المئة، ببساطة لانخفاض أسعار هذا النوع من الأسلحة مقارنة بالأميركية والأوروبية، ما يُفسّر ارتفاع الطلب عليه في مدينة ارتفعت فيها أرقام الجرائم والسرقات بقوّة السلاح".

سألنا رئيس مرفأ طرابلس حول هذه الظاهرة التي تحدّث عنها مصدرنا في طرطوس، فأجاب أن "عمليات التفتيش و"الكونترول" تقع على عاتق الجمارك لا الإدارة العامة، وبالتالي للمرفأ إيراداته الخاصّة والمنفصلة عن الجمارك".

عند البحث في موقع مرفأ طرابلس الإلكتروني، لاحظنا عدم تحديث أرقام إيرادات عامَي ٢٠٢٣ و٢٠٢٤، فوعَدَنا تامر بالقيام بذلك في أقرب وقت، لافتاً إلى أن هذه "سهوة" بسبب تراكم العمل وانشغال الموظف.

مرفأ طرابلس المتضرّر الأكبر من تفجير ٤ آب

بعد تفجير الرابع من آب، تحوّلت عمليات الاستيراد والتصدير "موقتاً" إلى مرفأ طرابلس، الذي يُعتبر ثاني أهم مرافئ لبنان، بطلب من رئاسة مجلس الوزراء في عهد الرئيس حسان دياب، وذلك بعد إعلان حالة الطوارئ في مرفأ بيروت استناداً إلى المادة 3 من قانون الدفاع رقم 102 والمواد 1 و2و3 و4 من المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1967. وقتها، أكّد مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر، على استطاعته معالجة الأمور الجمركية وعمليات الاستيراد والتصدير، مشيراً إلى أنّ المرفأ "يستقبل سنوياً مليوني طن، بينما قدرته الاستيعابية تصل إلى خمسة ملايين طن، ويستقبل نحو 80 ألف حاوية سنوية وهو قادر على استقبال 300 ألف حاوية"، منوّهاً إلى أن "عمق رصيف الحبوب في مرفأ طرابلس يصل إلى نحو 15 متراً، ما يعني أنه يملك القدرة الكاملة للتكامل مع مرفأ بيروت بما يحتاجه".

وبالفعل، تمكّن مرفأ طرابلس من ذلك دون عراقيل تُذكر، ما يؤكّد إمكانيته في العمل بنفس القدرة التشغيلية لمرفأ بيروت إذا تمّ تحديثه وتطويره وإدارته بطريقة صحيحة، لا سيّما وأن مدخوله نسبةً لعدد العاملين فيه يصل إلى نحو "٣٠ مليون دولار سنوياً"، بحسب أحمد تامر، وهذا رقماً لا يجب الاستهانة به أبداً.

ما الذي تغيّر بعد الرابع من آب في مرفأ طرابلس؟

يُفيد مصدر في إدارة مرفأ طرطوس (م. ع.)، أنه "عقب تفجير مرفأ بيروت، شهد مرفأ طرابلس نشاطاً لافتاً على مختلف الأصعدة، ما شجّع التجّار السوريين إلى الدخول بقوّة على خطّ التجارة اللبنانية، بطرق شرعية، وأخرى غير شرعية"، إلّا أن اللافت بتصريحات المصدر، تنويهه إلى أن "الدولة اللبنانية المتمثلة بوزاراتها على علم بكل هذا ولكنها "قبضت" ثمن سكوتها "مع حبّة مسك"، لتسمح لهؤلاء بإدخال موادهم بالتنسيق مع إدارة مرفأ طرابلس، أحياناً بالتلاعب في العقود، وفي غالبية الأحيان دون سجلات حتّى، ما يعفيهم من دفع الرسوم الجمركية، وبالتالي يتمكنون من تخفيض أسعار البضاعة في الأسواق وإغراء التجار اللبنانيين للشراء منهم في ظلّ الأزمة الاقتصادية الراهنة في لبنان".

"كلّ باخرة بتطلع من مرفأ طرطوس أو اللاذقية وبتدخل المياه الإقليمية اللبنانية بتكون الدولة عارفة فيها وموافقة على حمولتها، وأحياناً في عمليات بتتأخر نتيجة تقلّب الأوضاع الاقتصادية بلبنان أو حدوث خضّة أمنية أو سياسيّة مثلاً، وقتها بيتصلوا فينا وبيطلبوا التأجيل"، يُخبرنا (م.ع.)

خطّة الـ"رورو" تدخل حيّز التنفيذ لصالح سياسيّ بارز!

إلى جانب التهريب اليومي الذي نعرفه جميعاً، ثمة تهريب من نوع آخر يتحدّث عنه المصدر، ويُعرف بـ"خطة الرورو"، وهو اختصار لـ Roll-on/Roll-off والتي تعني سفن الدحرجة، التي يديرها رجل سياسيّ بارز. وللتوضيح، فإن البضائع التي تُنقل عبر هذه الشركة لا تعود لها، بل لتجّار يشحنون بضاعتهم عبرها، وهنا بيت القصيد!

وفي التفاصيل، يقصد التجّار الراغبون بتمرير شحنة "دسمة" معيّنة شركة الـ"رورو" التي تعدّ لهم "مانيفست" ملغوم بنوع بضاعة آخر أقلّ تكلفة أو معفى من الجمرك، غير البضاعة الحقيقية، التي يُحمّل جزء بسيط منها فقط بالبواخر كنوع من "الكاموفلاج" على أعين المعنيين.

أمّا إذا كانت الشحنة "حرزانة"، تُعطّل أجهزة "السكانر" قبل أسبوع من موعد النقل، وهذا دور إدارة مرفأ طرابلس، التي تضمن سلامة خروج البضاعة دون أيّة مشاكل، حسب الاتفاق.

حاولنا الدخول إلى موقع السجل التجاري للتأكّد من شائعات امتلاك الشخصية السياسية التي حدّثنا عنها المصدر لشركة الـ"رورو"، غير أن العطل التقني الذي طرأ على الموقع منعنا من ذلك، وبطبيعة الحال بسبب إقفال دوائر الدولة والإضرابات المستمرّة كان من الصعب الحصول على وثيقة ملموسة تؤكّد أو تنفي صحة هذه الاتّهامات.

بالنسبة للجمارك، تواصلنا مع أكثر من شخص لأخذ رأيهم أو تصريح رسمي من جهتهم، حول المعلومات التي تطالهم بالدرجة الأولى (وفقاً لتصريح تامر)، إلّا أنّنا لم نتلقَ الردّ حتّى تاريخ النشر.

شركة فرنسية تنفرد بخط النقل: صفقات مشبوهة وأكثر!

في اتّصال هاتفي، يؤكّد الرئيس السابق للغرفة الدولية للملاحة البحرية في بيروت، والنائب الأول لرئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية، إيلي زخّور، على أن "الشركة الفرنسية المملوكة من الأخَوين سعادة، CMA-CGM، لها حصة الأسد على صعيد النقل البحري من مرفأ بيروت إلى مرفأ طرابلس بعدما استحوذت على رصيف الحاويات بالكامل قبل سنوات قليلة، لتكون بذلك المشغلّة الرئيسية والحصرية في المرفأيْن، نتيجة عقد قانوني لُزِم لها من قبل شركة Gulf Tainer المملوكة من الرئيس نجيب ميقاتي وشريكه أنطوان عماطوري".

ويضيف: "أهمية مرفأ طرابلس تكمن في إمكانيته العمل كنقطة ترانزيت بين لبنان وسوريا والدول العربية بشكل عام، على شرط أن تكون علاقة الدولة اللبنانية جيّدة بالدرجة الأولى مع تلك الدول لتتمكّن من الدخول إلى مياهها الإقليمية بأريحية، وأن يتمّ وضع حدّ لتهريب الكبتاغون الذي أفقد تلك الدول الثقة بالشحنات القادمة من لبنان بسبب عمليات التهريب المتتالية التي أُحبطت مؤخراً".

بالنظر إلى تاريخ الشركة الفرنسية الحافل بالصفقات المشبوهة والمثيرة للريبة، لا بد من طرح السؤال التالي: لماذا تصرّ شركة بحجم CMA – CGM على استحواذ السوق اللبنانية خلال فترة قياسية؟

ما بين الخوف من انفجارٍ ثانٍ مماثل للرابع من آب، وفقر مدينة طرابلس وجوع سكّانها، خيطٌ رفيعٌ يدفعنا إلى التساؤل: هل ينصف القضاء هذه المرة عروس الشمال أم يُقفَل التحقيق ويُنسى مع مرور الزمن؟