إعتراض شديد اللهجة من بكركي… هل تتراجع فرنسا عن "المقايضة"؟
شارك هذا الخبر
Saturday, April 29, 2023
ليست المرة الأولى التي تتجاهل فيها «الأم الحنون» عن قصد موقع ودور كرسي أنطاكية وسائر المشرق للموارنة في ملفّ يتّصل بالرئاسة الأولى. ففي أواخر ثمانينات القرن الماضي يوم بدأ النقاش حول إعادة توزيع الصلاحيات، وقفت حينها فرنسا فرنسوا ميتران إلى جانب إعادة النظر بالنظام اللبناني، وذهبت صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً من دون أن يعني ذلك تطبيق الشراكة الفعلية في القرار وإدارة الشأن العام، وقيل في حينه إنّ فرنسا باعت صلاحيات الرئيس الماروني المسيحي بأثمان اقتصادية وببراميل نفط.
وما أشبه اليوم بالأمس والعكس صحيح، مع اختلاف الظروف العسكرية. وها هي فرنسا إيمانويل ماكرون تبيع ما تبقّى من صلاحيات رئاسية بأثمان اقتصادية بدأت في بلوكي غاز وربما لا تنتهي بشركتي الاتصالات، نازعة عن المسيحيين وعلى رأسهم بكركي حقّ الكلمة الفصل في تحديد هوية الرئيس المقبل، ومانحة هذا الامتياز إلى قوة الأمر الواقع المتمثلة بـ»حزب الله».
لم يصمت الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن هذه الاستباحة، وتعمّد في لقاءاته المتكرّرة مع السفيرة الفرنسية آن غريو مقاربة الاستحقاق الرئاسي بأسلوب الرافض النهجَ الفرنسي المدمّر رئاسياً، ما يدفع المراقبين إلى السؤال: هل بدأ الحراك الفرنسي المتسارع يفقد مقوّمات استمراره، بعدما اصطدم بتجاهله مسارات إلزامية كان يجب أن يسلكها قبل الانطلاق في مشروع مقايضة الرئاسة بالحكومة؟
الجواب على هذا السؤال الجوهري يرد في ما دار في لقاءات البطريرك الراعي والسفيرة غريو، لا سيما اللقاء الأخير الذي أعقب القداس على نية فرنسا، والذي عبّر الراعي خلاله عن امتعاضه وعتبه على كيفية التعاطي الفرنسي مع الاستحقاق الرئاسي بما يناقض كل المسار الذي كان يُعتمد حتى الأمس القريب.
ما يكشفه مصدر مطلع في هذا السياق يفيد بأنّ «البطريرك الراعي قارب موضوع الرئاسة مع غريو من زاوية استيضاحه كيفية تبنّي الرئاسة الفرنسية ودبلوماسيتها ترشيح أي شخصية للرئاسة من دون سؤال بكركي. لأنّ سؤال بكركي عن استحقاق بهذه الأهمية هو من المسلّمات التي درجت عليها فرنسا منذ الاستقلال وحتى منذ إعلان دولة لبنان الكبير، وكان على الدوام يوضع موقف بكركي ورأيها كميزان يُقاس به مدى مقبولية هذه الشخصية أو تلك».
لم يكن جواب السفيرة الفرنسية بحسب المصدر «مقنعاً إنما كان مربكاً ولا يمتلك المسوّغات التي تجعل هذا التجاهل لبكركي يندرج تحت سياق الأسباب التخفيفية». كما أنّ تبرير غريو بالقول «إننا شعرنا بأنّ ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية جدّي، لذلك تحرّكنا في عملية مقايضة تقوم على فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل نواف سلام رئيساً للحكومة»، لم يعط الجواب على السؤال الأساسي المتصل بعدم الوقوف عند رأي بكركي.
غير أنّ تسجيل البطريرك الراعي الذي عجنته التجربة والخبرة، الاعتراض المبدئي والأساسي على المبادرة الفرنسية لتجاوزها الدور التاريخي لكرسي أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، زاد إرباك السفيرة الفرنسية وكذلك عندما أكثر الراعي مقاربته الاستفهامية للمبادرة الفرنسية، ودائماً بحسب المصدر المطلع الذي أشار إلى أنّ «البطريرك الراعي قال للسفيرة الفرنسية إنّ سليمان فرنجية بمثابة أخٍ وكما كثيرين من حقّه الترشح والسعي للوصول الى سدة الرئاسة، وأنا على مسافة واحدة من جميع المرشحين، ولكن نفهم منكم أنّكم مع أي شخصية يرشّحها «حزب الله»، حتى لو كان هذا الترشيح وفق أجندة السيد حسن نصرالله»، وأيضاً كان جواب غريو متخبّطاً عندما تحدثت عن وجود ضوابط وضمانات، إلّا أنّ الحظ لم يسعفها لأنّ الصواريخ كانت تنطلق من الجنوب ما أسقط الضوابط والضمانات المفترضة، كما يروي المصدر.
وحتى لا يزيد سيد بكركي الضغط على السفيرة الفرنسية، ختم حديثه وبحسب المصدر بالقول «أتمنى أن تكون لعبتكم الرئاسية هذه المرة كلعبة البيلياردو، تضربون بكرة فرنجية لتصلوا إلى مرشح آخر يؤمّن الوفاق اللبناني وقادر على الحوار مع الجميع، رئيس موحِّد يتحدث معه الجميع ويحمل مشروعاً إصلاحياً».