خاص- استئناف العلاقات الديبلوماسية السعودية الإيرانية : لحظة الحقيقة لطهران- جورج أبو صعب

  • شارك هذا الخبر
Sunday, March 12, 2023

خاص- الكلمة اونلاين
جورج أبو صعب


من يريد ان يفهم خلفيات ونتائج استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية عليه ان يتوقف عند الاتي :

أولا : الصين في مواجهة مفتوحة مع الاميركيين حول انتهاء مرحلة الأحادية الدولية وتفرد الولايات المتحدة الأميركية في قيادة العالم .
وبالتالي بكين اتخذت قرارها بالعودة الى الساحة الدولية والى منطقة الشرق الأوسط لكسر الاحتكار الأميركي لتلك المنطقة في توقيت اجتمعت فيه لصالح بكين العوامل التالية :
أ - ازمة ثقة بين الأميركي الديمقراطي ودول الخليج وبخاصة المملكة العربية السعودية خاصة بعد محدودية النتائج التي اسفرت عنها زيارة الرئيس جو بايدن للرياض العام الماضي واقتصارها في احسن الأحوال على الجانب العسكري والاستخباراتي والذي كانت أخر تجلياته زيارة الزفد الأميركي الديبلوماسي الأمني الاستخباراتي مؤخرا برئاسة روبيرت مالي الى الرياض .
ب – النهج الجديد في السياسة السعودية المبني على الانفتاح على كافة دول العالم والقوى العالمية ومنها الصين وروسيا لكسر الاحتكار الأميركي الغربي للعلاقات مع العالم العربي ودول الخليج خاصة ورفض المملكة ودول الخليج الاصطفاف في صراع المحاور الدولية بدأ من الحرب الروسية – الأوكرانية .
ج – الشراكة السعودية الخليجية مع الروس في اطار اوبيك بلاس وانفتاح الرياض والخليج على اتفاقيات واستثمارات تجارية ومالية ضخمة جدا مع الصين .

هذه العوامل الأساسية بالإضافة الى سواها افضت الى عودة الصين الى المنطقة والخليج ... تلك العودة التي نجد في مقابلها أولويات خليجية وسعودية أهمها الضغط على ايران لانهاء الصراع في اليمن وانهاء ظاهرة تدخل ايران في شؤون دول المنطقة وعدم احترام سيادة تلك الدول عبر اذرعها الثورية والميليشياوية .
بكين وموسكو ادركتا عندها ان طريق الانفتاح الخليجي العربي عليهما وبخاصة على الصينيين في مجالات الشراكة الاقتصادية والاستثمارية والتجارية , يمر لا محالة عبر ضبط وإيقاف ايران عن تماديها في تهديد امن وسلامة دول المنطقة وبخاصة امن دول الخليج ومصالحها .
دخل الصيني على خط الصراع الإيراني الخليجي في المنطقة ونجح في الحيازة على موافقة كل من المملكة وايران للوساطة بينهما لبدئ حل الخلافات المستعصية بينهما .

ثانيا : البيان المشترك الصيني السعودي والبيان الصيني الخليجي الذين صدرا اثر القمتين الصينية السعودية والصينية الخليجية في الرياض في شهر كانون الأول الماضي والذين تخللهما توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بين الصين والمملكة الى جانب مجموعة أخرى من الاتفاقيات الهامة جدا في شتى مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري وطريق الحرير والهيدروجين , والذين وجها في حينه عند احدى بنودهما اصبع الاتهام لإيران بزعزعة امن المنطقة وضرورة احترام سيادة الدول العربية والخليجية ما كان في حينه قد استدعى ردا عنيفا في الاعلام الإيراني برفض البيان وما تضمنه حول جزيرتي طومب الكبرى وطمب الصغرى وسواها من اتهامات رفضتها ايران وما لبثت بعد ارسال الزعيم الصيني مبعوث له الى طهران ان سكتت وتراجعت , كل هذا أشر الى دخول صيني قوي على خط المنطقة .
وبالتالي ومنذ ذلك الحين اخذت بكين على عاتقها ترويض الإيراني لا بل جره الى احترام دول الجوار بدأ من المملكة العربية السعودية ودول الخليج انطلاقا من الحجم المصالح الصينية التي بدات تترسخ في تلك المنطقة ومع دولها .

ثالثا : وهكذا نجحت الوساطة الصينية في إعادة استئناف العلاقات الديبلوماسية بين المملكة وايران علما ان اتفاق الرياض وطهران هو اتفاق بإعادة وصل ما انقطع بين البلدين منذ العام 2016 والعلاقات الديبلوماسية هي بمفهوم القانون الدولي وسيلة تنظيم الخلافات والتعاون بين الدول وبالتالي إقامة علاقات ديبلوماسية لا يعني رضوخ او خضوع أية دولة لدولة أخرى بل استئناف الية تواصل وفق القنوات الرسمية الديبلوماسية والسياسية بين بلدين ذات سيادة . فعودة العلاقات الديبلوماسية لا تعني معاهدة سلام واتفاق بل وضع الية قانونية وديبلوماسية لمعالجة الازمات والملفات الخلافية بين البلدين ليس الا .
ومن هنا فان من يقرأ نص البيان تستوقفه الإشارة الى جملة " ... ويتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ... "
فما كانت ستكون الحاجة الى ورود مثل هذه الجملة في اتفاق ثنائي بإعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين لولا إرادة الرياض في جر طهران الى القبول بوقف التدخل في شؤون الدول العربية وتهديد امنها وامن دول الخليج بضمانة التنين الصيني الملهوف وراء حزمة الاتفاقيات والاستثمارات السعودية والخليجية الضخمة بحيث ان مخالفة طهران لهذا البند سيضعها في مواجهة مع راعيها الوحيد الصيني بعدما جير الروسي للصيني ملف ايران مع دول الخليج لتجنب الاحراج الروسي تجاه الخليجيين والذين تحرص موسكو على افضل العلاقات معها وبخاصة مع المملكة العربية السعودية .

لذا امام ايران شهرين بحسب اتفاقية استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين , ارادتهما الرياض كفترة زمنية لاختبار مدى جدية والتزام طهران خاصة في وقف التدخل في شؤون دول المنطقة كما جاء في نص البيان المشترك الصيني السعودي الإيراني .. ما يعني ان طهران ستكون امام خيار بين امرين احلاهما مر :

اما الالتزام بمندرجات اتفاقية استئناف العلاقات الديبلوماسية بينها وبين السعوديين وبالتالي التوقف الفعلي والفوري عن التدخل في شؤون دول المنطقة من العراق الى لبنان فغزة , ما يعني انتهاء دور ووظيفة الميليشيات والاجنحة الثورية للحرس الثوري في المنطقة من العراق الى اليمن فسوريا فلبنان فتتخلى طهران عن ميليشياتها في المنطقة بدأ من حزب الله في لبنان في لحظة انقاذ نظامها لنفسه ولو على حساب الاذرع تجنبا لمواجهة غضب التنين الصيني .

واما ان ايران ستنكل مجددا بالتزاماتها مباشرة او بطريقة غير مباشرة , كما عادتها مفضلة الحرس الثوري واجنحته في المنطقة , وتكون بذلك امام انكشاف سعودي خليجي عربي إقليمي دولي كامل وامام غضب صيني محتوم قد يكتب بيده نهاية النظام الإيراني نفسه وميليشياته في المنطقة .

هكذا تقرأ اتفاقية عودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران .. وهكذا يمكن القول ان ايران باتت محشورة في زاوية المصالح الصينية والاستراتيجية السعودية الخليجية العربية لانهاء دورها المدمر لدول المنطقة .


جورج ابو صعب- المستشار القانوني للسفارة الفرنسية في قطر / المستشار القانوني لمفوضية الاتحاد الأوروبي في قطر