خاص- شحادين يا بلدنا!- بولا أسطيح

  • شارك هذا الخبر
Friday, December 23, 2022


خاص- الكلمة اونلاين
بولا أسطيح

بات البلد الذي لطالما شكل منارة للمنطقة والذي عرف لعشرات السنوات ك"سويسرا الشرق" يعيش عمليا كمتسول اي "على الشحادة". يقول احد الوزراء الحاليين انه تحول لشحاذ، يحاول تأمين الاموال اللازمة لتسيير امور وزارته سواء من خلال هبات من هنا وهناك او من خلال اتصالات يومية يجريها مع موظفي وزارة المال للافراج عن دفعات ضرورية يحتاجها كي لا تتداعى الوزارة وتتوقف خدماتها. يضيف:"بت كمن يستعطي المال من موظف في المالية. الامور لم تعد تطاق واقتربت من مرحلة اعلان الاستسلام!"
لا شك ان ما يعانيه هذا الوزير يعانيه معظم الوزراء الآخرين بعدما جفت أموال "المصرف المركزي" وبات يعطي الدفعات بالقطارة لضمان استمرارية مد البلد بالاوكسيجين لاطول مدة ممكنة. لكن وبغياب اي خطة للنهوض والانسداد المتواصل لكل القنوات التي ترفد الخزينة بالدولارات، تبقى "الشحادة" الشغل الشاغل للمسؤولين اللبنانيين سواء السياسيين والامنيين منذ الانهيار المالي الكبير المتواصل والذي بدأ عام ٢٠١٩.
يُخبر جندي في الجيش كيف شعر بالصدمة والاهانة في آن عند اعطائه عبوة ماء Evian قيل له انها اتت وآلاف العبوات الاخرى هبة للمؤسسة العسكرية. هذه الحادثة تختصر حالة الذل التي بات اللبناني متعايشا معها رغما عنه. واذا كان الجندي وهو رمز قوة وسيادة واستقلال ومناعة بلد ما "يشحذ" الطعام والتوصيلة وعبوة الماء، أي نوع من الذل سيكون علينا اختباره بعد!
فالذل الذي اعتقد لوهلة انه اعتاده على ابواب المصارف وفي الطوابير امام ماكينات الصراف الآلي يكتشف فجأة انه لم يعد قادرا على السكوت عنه. يفكر بالصراخ بتكسير ما حوله، بالانتفاض بأي شكل من الاشكال، فيعود ليصمت ويرضخ بعدما يفكر مليا ان احدا لن يتضامن معه وان الوجوه الشاحبة اليائسة المحيطة به ستكتفي بالمشاهدة ولن تدافع الا عن موقعها في الطابور الطويل امام المصرف!
آخر فصول الشحادة، شحادة الباصات. فبعد ٥٠ باصا تحننت الام الحنون فرنسا بها على ابنها المدلل لبنان ليتبين انها مستعملة وارهقها الزمن هي الاخرى، ولم تتمكن وزارة الاشغال الا من تسيير ١٠ منها لغياب التمويل اللازم للفيول ورواتب السائقين، جاء خبر احتمال حصول لبنان على باصات استخدمتها قطر في المونديال، ليفاقم حالة الذل التي نعيشها. فبدل ان نكون حاليا منكبين على صرف قرض البنك الدولي الخاص بتطوير النقل المشترك والذي كانت تبلغ قيمته ٢٩٥ مليون دولار لتنفيذ مشروع النقل العام في بيروت الكبرى والذي يهدف الى إطلاق أول شبكة مواصلات عامة حديثة في البلاد منذ عقود، وتخفيف التكدس المروري الخانق على الطرق اللبنانية، أكد تحويل هذا المبلغ منذ أشهر لتغطية مصاريف مرتبطة بتأمين مواد اساسية وبتقديم مساعدات اجتماعية ان البلد بات فعليا في الحضيض وان البؤرة التي نتخبط فيها عميقة ومعتمة رغم بهاء القرى الميلادية وكل انواع الامل والفرح اللذين تسعى لزرعهما في نفوس اختنقت ولم يعد ينفع معها على التنفس الاصطناعي.