مؤشر مدركات الفساد للعام ۲۰۲۱: لبنان يتراجع بـ ٦ نقاط منذ العام

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, January 25, 2022



يبدو أن غضب الشعب اللبناني العارم على الفساد المستشري في القطاع العام والذي عُبّر عنه في السابع عشر من تشرين الأول ٢٠١٩ لم يكن كافياً ليتحرّك كل من المجلس النيابي والحكومة اللبنانية باتجاه خطوات عملية وجدية للحد من الفساد أو على الأقل الوقاية منه، إذ يُظهر مؤشر مدركات الفساد لعام ٢٠٢١ تراجعاً للبنان بـ ٦ نقاط منذ العام ٢٠١٢ بحصوله على درجة ٢٤/١٠٠ وحلوله بمرتبة ١٥٤/١٨٠، بعد أن

ويعتمد مؤشر مدركات الفساد لقياس مستوى الفساد في لبنان على مظاهر عدة للفساد أبرزها قدرة الحكومة على الحد من الفساد وفرض آليات فعالة لتكريس مبدأ النزاهة في القطاع العام، والملاحقات القضائية الجنائية الفعلية للمسؤولين الفاسدين، بالإضافة إلى قوانين فعّالة لمكافحة الفساد وقدرة المجتمع المدني على الوصول إلى والحصول على المعلومات فيما يتعلق بالشؤون العامة وغيرها.

وبالتالي فلا عجب من حصول لبنان على أدنى درجة يحقّقها على المؤشِّر تاريخيا؛
فأولاً، وعلى صعيد قوانين مكافحة الفساد في القطاع العام وعلى الرغم من الورشة التشريعية التي لا تزال قائمة، بحيث أقرَّ مجلس النواب في العام الماضي سلسلة من القوانين الخاصة بمكافحة الفساد كقانون استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد وقانون تعديل قانون الحق في الوصول إلى المعلومات وقانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنيَّة لمكافحة الفساد التي يرتبط بها تطبيق عدد من القوانين والمراسيم الأخرى. ناهيك عن قانون حماية كاشفي الفساد الذي ما زال غير مطبَّقاً بشكل فعَّال وهو ما يُبرز ضرورة أن يُقرّ مجلس الوزراء المراسيم التطبيقيَّة الخاصَّة بها لتسيير تنفيذها. وقانون التصريح عن الذمَّة الماليَّة والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع الذي، وبالرغم من تطويره بشكل لافت للقدرة على تحديد ومعاقبة الإثراء غير المشروع، ما زال يعتريه عدد من الشوائب كسريَّة التصاريح التي يتمّ تقديمها بموجب القانون. وهو ما يُبرز أنَّ تطبيق الإطار القانوني لمكافحة الفساد ما زال يُشكِّل تحديّاً كبيراً في ظل عدم وجود الإرادة السياسيّة لمكافحة الفساد في القطاع العام.

أمَّا فيما يتعلّق بقانون الشراء العام الذي أقرَّه مجلس النوَّاب مؤخراً فهو يُشكِّل نقلة نوعيَّة لجهة حوكمة المناقصات العموميّة وصرف المال العام، إلى أنَّهُ من الضروري استتباع هذا القانون بخطوات متعدِّدة لتعزيز الضمانات ضد أي فساد قد يحصل ضمن إجراءات الشراء؛ من ضمنها جمع وتحليل معلومات أصحاب الحقوق الاقتصاديَّة للشركات المتعاقدة مع الدولة، إشراك هيئات المجتمع المدني في الرقابة على إجراءات الشراء، واعتماد أقصى معايير الشفافيَّة ضمن إجراءات الشراء عبر تطبيق اختبار المصلحة العامَّة (Harm vs. Public Interest Test) على المعلومات المستثناة من النشر وعدم اعتماد الاستثناءات المطلقة وذلك تطبيقاً لأحكام الدستور اللبناني والتزامات الدولة اللبنانيَّة الدوليَّة في هذا المجال.

والأهم من ذلك كله لا بد من العمل على ضمان استقلالية القضاء عبر العمل على إقرار قانون عصري يضمن استقلاليَّة القضاء كسلطة مستقلِّة عن كل من السلطتين التشريعيَّة والتنفيذيَّة كما جاء في الدستور اللبناني، على أن لا يتضمَّن القانون أيَّة أحكام غامضة - عن قصد أو غير قصد – للالتفاف على هدف القانون في ضمان استقلاليَّة القضاء.

ثانيا،ً وفي ضوء غياب الشفافية في ملف ترسيم الحدود البحريَّة لا بد من اعتماد أقصى معايير الشفافية في هذا الملف بما يضمن مصالح لبنان في مياهه الإقليميَّة. بالإضافة إلى أنه على الحكومة اللبنانية أن تعتمد أقصى معايير الشفافية بما يتعلّق بعملية الاستكشاف في البلوك رقم ٤ عبر نشر المحتوى غير الخاضع للاستثناء بحسب قانون الحق في الوصول إلى المعلومات في التقرير الذي قدّمته شركة توتال حول نتائج الحفر.

ثالثاً، على صعيد قطاع الطاقة، يجب العمل على نشر جميع المستندات الواجب نشرها حكماً ذات الصلة بقطاع الطاقة بالاستناد إلى الفصل الثاني من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات؛ ففي مؤشر أعدَّته الجمعيّة حول مدى التزام بعض الوزارات بنشر المعلومات التي يوجب القانون نشرها دون طلبها كجميع العمليات المالية التي تفوق قيمتها الـخمسين مليون ليرة لبنانية وسندها القانوني كالعقد، نالت وزارة الطاقة والمياه ١/١٢ (٨.٣٣%) فقط.

رابعاً، على صعيد الشؤون الاجتماعية والصحة، يجب العمل على نشر جميع المستندات الواجب نشرها حكماً ذات الصلة بقطاعي الشؤون الاجتماعيَّة والصحَّة وذلك بالاستناد إلى الفصل الثاني من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، فبحسب المؤشر المذكور أعلاه أظهر التزام بسيط جدا لكل من الوزارتين بـ ٣/١٢ (٢٥%) فقط.

خامساً، فيما يتعلّق بالتحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت، لضرورة العمل على تسيير التحقيق في هذه القضية بشكل فوري وصولاً إلى المحاكمة تحقيقاً للعدالة دون أي عراقيل أو تأخير.

سادساً، وأخيراً، فإنَّهُ في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي، تُشدِّد الجمعيَّة على ضرورة إقرار خطَّة تعافي وتنفيذها بما يضمن حقوق المودعين والتوزيع العادل للخسائر بحيث لا يتحَّمل هؤلاء خسائر القطاع المصرفي، وذلك عبر إشراك لجنة حقوق المودعين التي أنشأتها نقابة المحامين في بيروت والعمل معها، واعتماد أقصى معايير الشفافية في مخاطبة الجمهور بما يتعلّق بالمحادثات مع صندوق النقد الدولي.



المضيّ قدماً
ختاماً، وعلى الرغم من ضبابية المشهد وسوء الوضع الحالي، لا سيما أن هناك العديد من الفرص والمقوّمات المتوفّرة التي يمكن للبنان الاستفادة منها اليوم للخروج من الأزمات المتلاحقة؛ كالانتخابات النيابية التي تُطرح اليوم علامات استفهام حول عدالتها وشفافيتها، واستعداد المجتمع الدولي لتقديم الدعم المادي والتقني لمساعدة لبنان واللبنانيين على النهوض مجدداً بالاقتصاد وتحقيق الإصلاح على مختلف المستويات بالاعتماد على قدرات اللبنانيين واللبنانيات. هذا فضلاً عن إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار الذي أنشأته كل من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي لمساعدة اللبنانيين واللبنانيات على تخطّي آثار انفجار مرفأ بيروت في العام ۲۰۲۰، والذي من شأنه أن يشكّل عامل ضغط لحث الحكومة على الالتزام بكافة الإجراءات الدستورية للاستجابة الفورية للأزمات المتعددة.

في ظل كل ذلك، فإنَّهُ لابدَّ من تظافر جهود كل من القطاعين العام والخاص وإشراك هيئات المجتمع المدني بشكل فعَّال في عمليَّة مكافحة الفساد وحوكمة القطاع العام تحقيقاً لسياسة تشاركيَّة أكثر فعاليَّة، وذلك ضماناً واحتراماً لحقوق الإنسان التي تُشكِّل الأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الراهنة انتهاكاً صارخاً لها، والتي لا سبيل لتحسينها من دون الركون إلى تعزيز الحوكمة الرشيدة ضمن القطاع العام والدفع باتجاه شفافيَّة أكثر، وذلك عبر اتخاذ القرار الواضح والصريح من قبل الدولة اللبنانيَّة بكل سلطاتها بمكافحة الفساد في القطاع العام والعمل على تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ضمن إطارها الزمني وإطلاع اللبنانيين واللبنانيا على نتائج هذا التنفيذ والصعوبات التي تعتريه وكيفيَّة تخطِّيها.