الياس الزغبي- لا تفجّع بل مسار واثق نحو الخلاص

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, January 25, 2022

بعد "الصدمة" المحسوبة التي أحدثها "تعليق" الرئيس سعد الحريري مشاركته مع تيّاره في الحياة السياسية، وبعد تموّجات الوسط السياسي وردوده المتراوحة بين التحسّب والترقّب والتفجّع، لا بدّ من قراءة هادئة للوضع اللبناني العام في واقعه ومرتجاه، على وقع حدثَين مترابطَين هما مذكّرة "بناء الثقة" الكويتية العربية الدولية، واستحقاق الانتخابات النيابية المقتربة.
ففي غمرة التقلّبات السياسية والميدانية في الإقليم والعالم، يجوز الموقفان، الترقّب والتحسّب، ولا يجوز التفجّع، لأن ما يمكن احتسابه خسارة أو نكسة الآن قد يكون إرهاصاً لتحوّل إيجابي يقطف لبنان ثماره في المدى المتوسّط.
وهنا، يجب التوقّف عند استنتاجَين سلبيَّين متسرّعَين لاعتكاف الحريري:
- الأوّل هو التباكي الحاصل على حال الطائفة السنّية وكأنّها أُصيبت بهزيمة لا قيام بعدها، أو على الأقلّ بإحباط يماثل إحباط المسيحيّين في انتخابات ١٩٩٢.
والأسوأ هو ربط هذا "الانكسار السنّي" بالانكسارات التي حصلت في سوريا والعراق واليمن ومناطق أُخرى أمام التمدّد الإيراني، مع ما رافقه من خطط تغيير ديمغرافي مذهبي، وتغليب طائفة على سائر الطوائف.
للوهلة الأُولى يظهر هذا التباكي في محلّه، معزَّزاً بالأمثلة والشواهد، أمّا في حقيقة الواقع فإنّ حال السنّة ليست بهذه الصورة الكارثية، بل على العكس، إنّها في مرحلة صمود وصعود في اتجاه الحداثة والعصرنة والازدهار برغم معوّقات الحروب والاحتلالات، تشهد على ذلك حركة النهوض الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وكذلك في مصر، مقابل حالة تحجّر ودوران في الانغلاق تُصيب إيران ومناطق نفوذها في العالم العربي.
وقد بات واضحاً أنّ الصلف العسكري الذي تتباهى به إيران يمنع تطوّرها في الحضارة والاقتصاد والحريات ومواكبة العصر، بينما تتقدّم الدول العربية بشكل مطّرد. وكان الاتحاد السوڤياتي خير نموذج لانهيار العسكريتاريّات، و"ولاية الفقيه" تستعيد تجربته وتنسج على منواله.
وتصحّ هنا نظرية "البقاء للأصلح" في تحدّيات التطوّر، فالضمان الأوّل لبقاء الأمم والشعوب هو خروجها من قيود التخلّف والعقائد الجامدة إلى رحاب الانخراط في مسارات العصر، وهذا ما يفعله متنوّرو العرب في خططهم للمستقبل.
ولا يشذّ سنّة لبنان عن حالة النهوض العربي، ومخطئ من يظنّ أن الغلو والتطرف سيكونان البديلَين اللذَين يملآن الفراغ، لأنّ هذه الطائفة تكتنز حيويات وطنية وسياسية واجتماعية تكفل استنهاضها بالشراكة مع سائر القوى الوطنية الحيّة، لاسيما السيادية منها، ربطاً مع الحالة العربية المتقدّمة.
- أمّا الاستنتاج الثاني، المتسرّع أيضاً، فهو التخوّف من استغلال إيران، عبر ذراعها المدجّج "حزب اللّه" حالة الفراغ مع غياب الحريري لفرض المزيد من الهيمنة على لبنان.
لا شكّ أن "الجمهورية الإسلامية" تترصّد أي فرصة سانحة لتوسيع نفوذها واستكمال تصدير "ثورتها"، لكنّ هذه المهمّة في لبنان ليست بالسهولة التي يتصوّرها صيّادو الفرص، فلا "حزب اللّه" في جهوزيّة التغلغل وقابليّته لدى البيئة السنّية، ولا مخالبه وأدواته قادرة على تحقيق مكاسب لدى البيئتين المسيحية والدرزية حيث انكشفت كل أوراقه.
لذلك، هناك فرصة تتكرّر الآن للمرة الثانية بعد العام ٢٠٠٥، وهي انعقاد الإرادتَين اللبنانية والخارجية لتحرير لبنان من الاحتلال الإيراني.
وقد مدّ الجانب الكويتي الخليجي العربي الدولي رأس جسر الخلاص، عبر الرسالة الحاسمة التي نقلتها الدبلوماسية الكويتية، وما على اللبنانيين الذين يوحّدهم مطلب السيادة العابر للطوائف والمناطق، سوى مدّ الرأس الآخر من الجسر، كي يكتمل ويصبح جاهزاً للعبور إلى برّ الأمان، بدءاً من لحظة الخيار في ١٥ أيّار.