بكركي: حرب استباقية قبل معركة تغيير النظام... بقلم جوزفين ديب

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, March 3, 2021


وكأن الزمن يعود إلى الثمانينيات. إلى الوقت الذي كان يتناوب فيه العونيون والقواتيون على زيارة الصرح البطريركي. يوم يزوره وفد قواتي ويوم آخر يزوره وفد عوني، إلى أن وقعت الواقعة في حرب التحرير ثم حرب الإلغاء، قبل أن يخرج الفريقان بصفتهما أكبر المنهزمين في الحرب اللبنانية. نُفي ميشال عون وسجن سمير جعجع، وكرّس الطائف صلاحيات هشة لرئيس الجمهورية الماروني، وحصر الصلاحيات في مجلس الوزراء مجتمعاً.

فهل يكرر التاريخ نفسه بعد أكثر من ثلاثين عاماً؟ وهل يدرك الثنائي المسيحي كيف ستكون نتائج مغامراته على المسيحيين، وهل ترى بكركي أن خسارة هذا الزمن قد تكون آخر هزائم المسيحيين؟ أم أن خطاب بكركي اليوم يستبق المعركة حفاظاً على الصيغة؟

عونيون وقواتيون
فور الدخول إلى الباحة الداخلية للصرح البطريركي في بكركي، أمام الدرج الذي يؤدي إلى المبنى المزيّن بالنوافذ الخشبية القديمة الزرقاء اللون، تعود الذاكرة بزواره إلى يوم الحادث الشهير. يوم كان البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير ينزل الدرج متوجها إلى كنيسة الصرح للصلاة، وكان بانتظاره مجموعة من الشبان لحمله وإهانته احتجاجاً على مواقفه. يومها تقاذفت الأحزاب المسيحية الاتهامات حول هوية المرتكبين، فاتهمت القوات أنصار قائد الجيش في حينه ميشال عون، بينما اعتبر الأخير أن القوات نصبت له فخاً في قلب الصرح، بما يحمله من رمزية للمسيحيين.

كرت سبحة الأحداث وعاد الفريقان اليوم إلى الصرح نفسه ولكن بعباءة بطريركية مختلفة. يتناوبان على زيارة بكركي وعلى تبني خطابها المسيحي، وكأنهما في سباق على من هو الأقرب إلى صرح الموارنة في لبنان. التيار الوطني الحر يتبنى الجزء الأنسب له في خطاب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، خصوصاً لجهة إعادة النازحين السوريين وعودة اللاجئين الفلسطينيين. والقوات اللبنانية تختار تبنّي المطالبة بمؤتمر دولي خاص بلبنان تحت رعاية الأمم المتحدة وحصر السلاح في الدولة اللبنانية.

باسيل والعصف الذهني
وفي المعلومات، أن الزيارات لم تنتهِ بعد. ففي الاتصال الأخير الذي جرى بين رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، والراعي، قبيل لقاء الأخير وفد التيار الأسبوع الماضي، اتفقا على زيارة قريبة لباسيل إلى الصرح. فقد طلب رئيس التيار من الراعي أن يكون لقاءهما طويلاً، بما يشبه جلسة عصف ذهني، لرسم خطة المرحلة المقبلة. فأبدى الراعي استعداده مرحّباً بباسيل "ساعة يشاء". في غضون ذلك، حرصت القوات اللبنانية على ترك بصمتها في ساحة بكركي يوم السبت الماضي. لكنه أمر أدى إلى حرج في كواليس بكركي، تحديداً من بعض الهتافات التي أطلقها المحتشدون، خصوصاً تلك التي وصفت حزب الله بـ"الإرهابي".

وفي المعلومات، أن بكركي حريصة على عدم قطع الجسور مع الحزب رغم شكواها من "كسل" اللجنة المشتركة بين الطرفين. كما تنشط بين بكركي وحارة حريك حركة وسطاء وموفدين، في ظلّ تواصل غير مباشر، تسعى بكركي إلى أن يكون مباشراً. من جهته، لم يرد حزب الله إيلاء أهمية إلى حدث بكركي، معتبراً، وفق مصادر مطّلعة، أن لبنان لا يحظى باهتمام الأمم المتحدة ولا حتى الدول الكبرى. وبالتالي قرّر الحزب أن يتعامل مع مجريات يوم السبت الماضي، على أنه "حدث موضعي داخلي لم يخلُ من الاستعلاء"، وفق أوساط مقرّبة متابعة.

بوصلة المعركة
في المقابل، تعتبر مصادر بكركي أن كل الضجيج المُثار حول الحدث لا يلغي جوهره. فالحفاظ على الصيغة والميثاق هو حرب استباقية لأي معركة ممكنة على شكل النظام في لبنان. هذا هو جوهر الخطاب والرسالة التي أراد الراعي التأكيد عليها. وهو في استعانته بالبطاركة أمثال الياس حويك وأنطوان عريضة، كان يسعى للتأكيد على أن لبنان للجميع ولا يمكن القفز فوق ميثاق العيش المشترك. فبكركي تدرك أن أي هزيمة جديدة للمسيحيين ستكون آخر الهزائم. وهذا ما عبّرت عنه في حديث الراعي عن "خطر حقيقي على الكيان".

بغض النظر عن مدى قدرتها على التأثير، تحدد بكركي بوصلة المعركة المقبلة للمسيحيين. غير أن الأحزاب المسيحية نفسها غير متفقة على بوصلة المعركة. فباسيل قرر فتح باب التعديلات الدستورية في مؤتمر سابق له، والقوات اللبنانية قررت فتح معركة السلاح لتذكير ميشال عون بخوضه معركة توحيد البندقية يوم كان قائداً للجيش، فلمَ لا يخوض أخرى مماثلة وهو في بعبدا؟ لا شكّ أن تأثيرات ذلك كبير على الساحة المسيحية، التي تشهد سباقاً حول ممثلها الحقيقي، بعد تراجع تمثيل التيار الوطني الحر.
لا ترغب بكركي بمشاهدة حفلة مزايدات مسيحية ـ مسيحية، فيما المعركة في مكان آخر. هي التي حاولت مراراً وفشلت في جمع المسيحيين على طاولة واحدة لدقة المرحلة التي يمر بها لبنان. وفيما ظلّ تقاتل المسيحيين على عناوين فرعية في عنوان المعركة الأكبر "الكيان اللبناني"، تجد بكركي نفسها تردد "مرتا مرتا إنك تهتمين بأمور كثيرة، والمطلوب واحد..".