العميد المتقاعد طوني مخايل- الديكتاتوريات اللبنانية

  • شارك هذا الخبر
Monday, March 1, 2021

كتب العميد المتقاعد طوني مخايل:

يطغى على النظام السياسي اللبناني منذ مئات السنين وما زال حتى اليوم ثلاثة مميزات تمكنت من السيطرة على الممارسات السياسية لزعمائه وطريقتهم في الحكم والإدارة وكانت نتائجها كارثية على لبنان واللبنانيين لناحية الاستقرار والازدهار وبرهنت التجارب عبر الزمن عن وجود مُسَّكنين وليس علاجين لهذا النظام-المرض أعطوا للبنان وشعوبه فترات قصيرة من السلام والاستقرار لتعود من بعدها حقبات الحروب والأيام السوداء الطويلة وهذين المُسَّكنين هما إتفاق أهل السلطة فيما بينهم على مصالحهم الخاصة والثاني قوة ضغط خارجية تُجبرهم على الاتفاق المحدود الزمن.

أفضل من عبَّر عن الميزة الأولى هو المؤرخ اللبناني كمال صليبي في كتابه "تاريخ لبنان الحديث" حيث أورد ما يلي:"اللعبة السياسية اللبنانية هي لعبة تشمل توالياً من التعاملات المراوغة بين لاعبين يزعم جميعهم التمسك بأفكار ومبادئ قومية او وطنية تهدف الى خدمة الصالح العام فيما يسعى كل منهم الى الاحتيال على الآخر والإطاحة به، مدفوعاً الى ذلك بولاءات وضغائن وأحقاد بدائية خبيثة تعود في أصولها الى غابر الأزمان"، اما الميزة الثانية فتقرأها في كتاب "تاريخ لبنان العام" للأديب يوسف مزهر نقلاً عن مقولة لاحد الزعماء اللبنانيين في العام ١٨٥٧ جاء فيها:"لقد أصبحت أمورنا في هذه الأيام تابعة لإنكلترا وفرنسا وإنه اذا ضرب أحدهم رفيقه تصير المسألة إنكليزية-فرنسية وربما قامت هاتان الدولتان من أجل فنجان قهوة يُهرق على الأرض في لبنان" واليوم تزايد عدد فناجين القهوة ومعها الدول المنخرطة في الشأن اللبناني الداخلي الى عدة اضعاف وتتجلى الميزة المشتركة الثالثة ظاهرياً وبالعلن في نظامه السياسي المُسمى ديموقراطي-برلماني ومؤسساته الدستورية وكل ما يستلزمه من الناحية التطبيقية لجهة إنتخابات وتداول السلطة وغيرها من لوازم الأنظمة الديموقراطية اما باطنياً وفي المستتر فتتصدر الديكتاتورية عند حكامه في سياساتهم وقراراتهم وإدارتهم لمؤسسات الدولة ولأحزابهم.

يتشارك لبنان مع بعض دول العالم الثالث هذه السِمات الثلاث في العمل السياسي الداخلي لكن ومن منطلق التميز والتفرد اللبناني فإن اللعبة السياسية اللبنانية تشتمل على ميزة خاصة عن بقية أمم الأرض وأعني بذلك تعدد الديكتاتوريات ضمن الوطن الواحد، فلكل طائفة لبنانية مهما كان حجمها ديكتاتور أو إثنين يمارسون سلطتهم المطلقة داخل هذه الطائفة دون مراقبة ومساءلة ومحاسبة والتي لا تؤمن فقط النفوذ والسيطرة بل ايضاً الملجأ الحصين كلما لاح خطر ما وهذا ما حصل منذ قرون وما زال مستمر وآخر تجلياته ما نتج عن حراك ١٧تشرين ٢٠١٩.
التاريخ شاهد على نضا
ل الشعوب السلمي أو العسكري للتخلص من هذه الأنظمة، منها ما إنتصر والبعض ما زال يحاول بإنتظار الظروف المناسبة لذلك، ومن هنا فإن الخلاص الوحيد من هذه الدكتاتوريات الطائفية هو قيام الثوار الجائعين والمقهورين من كل طائفة بالإنتفاضة والثورة على زعمائهم ويمكن ان تكون العملية متوازية أي في نفس التوقيت او متتالية أي طائفة وراء طائفة وهذا يستدعي التنسيق الكامل بين المجموعات الثورية وهذه العملية وتيرتها أسرع وأضمن من المؤتمرات الدولية في التوصل لحل نهائي لبناء دولة حقيقية، فالمؤتمرات الدولية ستكون نتيجتها "تسوية" تتضمن تاريخ تصنيع وتاريخ إنتهاء الصلاحية.

في ٢٨حزيران ١٧٨٧ حين وصل مؤتمر صياغة الدستور الأميركي الى طريق مسدود في المناقشات الساخنة حول مسألة التمثيل النيابي في الكونغرس ومع إرتفاع الحدَّة والانفعال في المناقشات إقترح "بنجامين فرانكلين" وهو من أبرز مؤسسي الولايات المتحدة ان يلجأ المجلس الى الصلاة بحثاً عن الحكمة السياسية التي فاتتهم حتى اللحظة ( فرانك لامبرت في كتابه الدين في السياسة الأميركية) وهذه الدعوة يُمكن ان توجه الى أصحاب القرار والسلطة في لبنان لعل وعسى ان يُلهمهم الرب الرحمة والحكمة.