فيوليت غزال البلعة- في أزمة بلبنان...

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, November 6, 2019

بعد نحو 21 يوما على إندلاع الثورة الشعبية في لبنان، يبدو أن أحدا لا يدرك بعد مخاطر هذه الثورة التي حركت شوارع لبنان من شماله الى جنوبه مرورا ببقاعه، ولا أهدافها وما هو المخطط أن يبلغه لبنان في هذه المرحلة.

فلا السلطة السياسية أمعنت في قراءة حركة الشارع، ولا درست المطالب، ولا توقفت عند ظاهرة تلاقي اللبنانيين تحت سقف مطلبي واحد: مستوى معيشي لائق، اقتصاد منتعش يوفر فرص عمل محترمة، وقف السرقات ومكافحة الفساد.

ولا القطاع الخاص أدرك مرحلة ما بعد شلل دورة الإنتاج، ولا أعدّ خطة "ب" بديلة قادرة على تمرير مرحلة الفوضى الاقتصادية بأدنى حد من الأمان الاجتماعي. فرمت المسؤولية على آخرين، متغاضية عن جشع وطمع بعض التجار وقياديي الحركة الاقتصادية التي ما عادت ترضيها سقوف متواضعة للارباح.

أما حراك الثورة، ففجّر كل المطالب دفعة واحدة تحت شعار "كلن يعني كلن"، متغاضيا عن خطورة إدخال البلاد في فوضى سياسية وأمنية وإقتصادية ومالية دفعة واحدة. فمكافحة السلطة السياسية وممارساتها المتمادية، تبدأ من برنامج عمل مدروس على مراحل زمنية تتوافق وإحتمالات تنفيذ ما ضاقت به صدور الثوار. وقد يكون قرار فتح الطرق الرئيسة حكيما، وقد يكون التظاهر السلمي أمام المؤسسات العامة التي تدرّ على الخزينة باموال الضرائب والرسوم، أيضا حكيما، لكن يجب التنبه الى مخاطر عشوائية التحرك لئلا توقد الثورة في مهدها...

كان لافتا في اليومين الماضيين، حجم المخاوف التي ترجمها اللبنانيون حين وقفوا أمام شبابيك المصارف بعد اقفال غير مسبوق دام 12 يوما، و"فوجئوا" بتدابير إستثنائية تُتخذ عادة في وقت الأزمات لتلجم الفوضى المالية. فجُمّدت التسهيلات المصرفية، وخُفضت سقوف التسهيلات الممنوحة الى مستوى الرصيد المستعمل دون إشعار مسبق، وحُدّدت عمليات الصرف من الليرة الى العملات الأخرى، وضُيقت دائرة التحويلات في الداخل والى الخارج.

تدابير وإجراءات فرضتها المصارف ذاتيا وليس بقرار او بتعميم صادر عن مصرف لبنان، اذ بادر كل منها الى التصرف بحسب إمكاناته ووفق ما يرتأيه مناسبا مع استثناءات لقاعدة الزبائن، كل وفق نوعية ودائعه وطلبه. وهذا لا يعني أن بعض المصارف تقوم فعلا بعمليات تحويل وتسليف ضمن حدود مبرمجة، مما أثار مخاوف اللبنانيين وخصوصا بعدما تناقلت وسائل التواصل، وفي موجة شائعات مستمرة منذ فترة، ان مصرف لبنان يعتمد سياسة "كابيتال كونترول" منعا لنزوح الأموال من لبنان!

قد تكون المخاوف محقة لان لهذه الإجراءات، إنعكاسات سلبية على سير أعمال القطاع الخاص، وتؤدي الى شح في المواد الأولية والسلع الضرورية وتزيد من شلل العجلة الاقتصادية. لكن، هل يمكن القول أن المصارف قادرة على التعامل مع طلبات مودعيها وكأن الحياة في لبنان تسير على نحو طبيعي؟ وهل يستطيع المودعون التغاضي عما يجري في الشارع، ويطالبون بعودة أساليب العمل المعتادة بين المصارف وعملائها؟

في قراءة سريعة للمشهد المفتوح على مخاطر شتى، يمكن القول إن السلطة النقدية استطاعت ان تحافظ على الاستقرار النقدي مقارنة بحجم الاحداث الجارية منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر. الا أن ما يجب أن يعيه اللبنانيون هو أن البلاد تمرّ اليوم في ازمة فعلية. فهناك ثورة تحرّك الشوارع، وهي مفتوحة على احتمالات خطرة اقربها الفوضى في ظل عدم وجود برنامج تحرك محكم الضوابط. وهناك شغور حكومي في ظل صمت دولي يوحي وكأن المظلة فوق لبنان بدأت تُسحب تدريجيا. وهناك شلل إقتصادي تام يسود منذ اندلاع الثورة، وهو يعقب فترة تباطؤ طويلة يمرّ بها منذ أعوام.. ولا يبدو أن أحدا أدرك فعلا ان لبنان دخل في واقع جديد.

فالسلطة السياسية ماضية في سياسات المناورة والمرواغة حفاظا على مكاسبها. وهي لم تبادر، رغم مرور 21 يوما على الثورة، الى إشباع رغبة الثوار بتحقيق مطالبهم، مكتفية بإسقاط الحكومة وملتزمة الصمت المطبق حول بدء الإستشارات النيابية لتشكيل حكومة جديدة، يؤمل في ان تكون حكومة تكنوقراط بالكامل لئلا تفتح شهية السياسيين مجددا على التوزير.

أما حركة الاتصالات السياسية فخجولة ومن خلف الكواليس وبالواسطة، وتاليا لا تتلاءم وحجم الثورة والأحداث التي تمرّ بها، والتي نقلت البلاد الى مرحلة جديدة غير مفتوحة الأفق على وضوح في الرؤيا، بدليل مبادرة وكالة "موديز" الى خفض تصنيف لبنان من Caa1 إلى Caa2 ووضعه "قيد المراقبة" لمزيد من الخفض في الأشهر الثلاثة المقبلة. حسابات قد تستدعي مبادرات مماثلة، وهي تستند إلى ارتفاع احتمال إعادة هيكلة الدين العام في حال تخلّف لبنان عن سداد ديونه، فضلاً عن تدهور الثقة المحلية والخارجية بسياسات السلطة السياسية وانعكاساتها على قدرة الاستمرار تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار.

الوضع الراهن يستدعي إستفاقة جماعية للحال الجديدة التي آلت اليها البلاد، والا فان الجميع سيدفع الثمن، وربما يكون المواطن هو الحلقة الأضعف... كالمعتاد. اليوم، دعا البنك الدولي لبنان الى تشكيل حكومة سريعا تلبي توقعات جميع اللبنانيين، "فالوضع يصبح أكثر خطورة بمرور الوقت، وتحقيق التعافي ينطوي على تحديات أكبر". موقف صدر بعد لقاء المدير الإقليمي للبنك مع الرئيس ميشال عون لحضه على اتخاذ اجراءات عاجلة لضمان الاستقرار في البلاد، مع تأكيد إستعداد البنك بالشراكة مع المجتمع الدولي لتقديم كافة الدعم الممكن لحكومة لبنانية جديدة.

بطالة الشباب، مستقبل الطلاب، هواجس المتقاعدين، لقمة عيش كريمة... عناوين تختصر وقود الثورة. إستفيقوا: في أزمة بلبنان!