من التنمّر الى الإهانة والضرب...

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, November 6, 2019

كتب روي ج. حرب :

يمتاز الشعب اللبناني بخفّة دمّه وروح الدعابة، فنحن نستطيع تحويل أقسى الظلم الى فكاهة تثلج قلب القارئ، فتمتلئ برامج التواصل الإجتماعي بصور الدعابات التي يصحّ فيها قول "المضحك المبكي"، لا بل أكثر "العصفور المذبوح يرقص من الألم"؛ وتتعدّى الدعابة في بعض الأحيان حدودها حتّى تصل إلى حد التنمّر، وقد وصلت ذروتها في الأسابيع القليلة الماضية، ففي إحدى الساحات انتشرت فيديوهات السيّدة جيهان خوري الـ "مبسوووطاااااه" حتّى قيل أنّها عانت من تعب نفسي، وقد ردّت من قصر بعبدا على الحملة التي طالتها، غير أنّ الساحات المقابلة لم تكن أقلّ تنمرّاَ حيث حمل فيها أحد الأشخاص لافتة كتب عليها "اللي ناطر جبران باسيل يفل، ينتطر ستريدا تا تحبل"، وهي قمّة الوقاحة عندما يطال التنمّر حياة المرء الشخصيّة وكرامته وصحّته.
وينتقل التنمّر الى درجة أعلى ليصبح إهانة شخصيّة، تطال الإعلاميّات والإعلاميين من مختلف القنوات التلفزيونيّة اللبنانيّة، وشباب يتعرّضون للضرب بسبب مواقفهم و آرائهم، فكأنّنا بتنا لا نتحمّل الفكر الآخر، والرأي الآخر، وبتنا لا نقبل النقاش، بل نتمسّك بفكرنا الذي نعتقده صحيحاً من دون تطويعه أو إثرائه بمعلومات جديدة قد تنعشه أو تغيّر مساره.
وبعد الإهانة، درجة أعلى من الذلّ، وهي الولاء الأعمى للزعيم والطائفة والحزب، وليس للوطن، فترى شابّاً فقيراً من دون عمل أو معيل يضرب شابَاً آخراً يطالب بحقّيهما، لا لشيء بل لأنّه تجرّأ على التطاول على هذا الزعيم أو ذاك، وتناسينا أنّنا في بلد ديمقراطي، والمفروض أن تلعب المؤسّسات دورها، ففي حال الخلاف أو الإختلاف تبتّ المحاكم والقضاء بالأمر وليس العضلات من باب "زعيمي أقوى من زعيمك!".
وإن أردنا التنمّر فلنبدأ بأنفسنا، ولوجدنا عندها الكثير ممّا يضحكنا ويبكينا في آن:
ورقة إصلاحات بضغط من الشارع وجدت حلولاً في اثنين وسبعين ساعة لمشاكل عمرها أكثر من ثلاثين عاماً.
طرقات مقطوعة، لا بسبب التظاهرات المعيشيّة، بل بسبب فيضان مياه الأمطار الأولى، التي تفاجئ، ككلّ عام، المسؤولين وتحوّل الأوتوسترادات الى مستنقعات، هذا إن لم نتحدّث عن نوعيّة التزفيت والجوَر وسواها.
كهرباء في أثيوبيا، وتقنين في لبنان، فتتفاجأ العاملات المنزليات، اللواتي تعاملنهنّ السيّدات اللبنانيّات بفوقيّة، كيف لا تزال تقطع الكهرباء في هذا البلد.
اتصالات هي الأقل والأضعف من حيث النوعية، والأغلى من حيث السعر.
تقزيم دور الرؤساء الذين لم يتخلّوا يوماً عن حزبهم وتيارهم، وبدل رفع الحزب الى المستوى الوطن، نرى البعض يحاول إنزال الوطن الى مستوى الحزب.

وماذا بعد؟
ألا يكفينا التراجع المستمر منذ نيّف وأربعين عام؟
ألا يكفينا تشويهاً لهويّتنا الوطنيّة؟
ألا يكفينا استهتاراً بمقدّرات هذا البلد وبأرواح شعبه؟
هل نبقى غنماً ننساق خلف من أوصلنا الى هذا الدمار الشامل؟


هل نهتف "بالروح بالدم نفديك يا هذا؟" ونحقّق له المُنى فنقدّم له على طبق من فضّة روحنا ودمنا؟ ماضينا وغدنا؟ أمننا وراحتنا؟ مدّخراتنا وأحلامنا؟ هل من يستحق؟!

الأرض لنا ... الوطن لنا ... والمستقبل بين أيدينا ...فلنكن على قدر المسؤولية الموكلة لنا.
#لبنان_ينتفض
#خدوني_ع_قد_عقلاتي (مقال اسبوعي)