شيرزاد اليزيدي - "المنطقة الآمنة" ستاراً للإحتلال التركي

  • شارك هذا الخبر
Sunday, August 18, 2019

تبدو "المنطقة الآمنة" المزمع تشكيلها في شمال سورية مشروعاً توافقياً تركياً - أميركياً مشتركاً، على رغم كل ما يظهر لوهلة من تباين وشد وجذب بين واشنطن وأنقرة، في محاولة من الأولى لسحب البساط من تحت موسكو وإعادة جذب أنقرة إلى محورها الأطلسي التقليدي على وقع انزياحها الجزئي عنه.


تلعب أنقرة على حبلي واشنطن وموسكو، محاولة مراكمة الأرباح عبر ابتزاز الطرفين، إذ تميل إلى أحدهما في كل مرة، وبما يسهم في تحقيق أطماعها التوسعية في كردستان سورية وعموم الشمال السوري. ففي المنطقة المسماة "آمنة"، تشكّل عفرين المحتلة والمنكوبة، خير مثال على حقيقة ما تهدف إليه أنقرة من وراء تشكيلها.

وواقع الأمر أن الهدف الأول لمشروع سحب التجربة العفرينية المريرة على كامل مناطق كردستان سورية، هو القضاء على الوجود الكردي الغالب في معظم المناطق الشمالية المتاخمة للحدود السورية - التركية وإجراء عمليات تغيير وتلاعب ديموغرافي وقومي منظمة واسعة النطاق تحت حجج "محاربة الارهاب" التركية. بناء على ذلك، تبدو الإدارة الذاتية لشمال شرقي سورية مسلوبة الإرادة وفاقدة لها تماماً، لتقف كمتفرج يترقب مخاض المفاوضات التركية - الأميركية المحمومة حول هذه المنطقة، ما يعيد طرح السؤال حول الجدوى من المضي في تحالفها مع واشنطن في إطار الحرب على الارهاب طالما أنه لا يتضمن أية أبعاد وملامح سياسية ملموسة. فواشنطن منغمسة في حوار متواصل لإقامة ما يسمى "المنطقة الآمنة" وشرعنة الاحتلال التركي لشمال سورية، والخلاف هو فقط على بضعة كيلومترات. ففي حين توافق واشنطن على أن يصل عمق تلك المنطقة إلى 14 كيلومتراً تطالب أنقرة بالوصول إلى نحو 30 كيلومتراً وأكثر. وبما أن خير الأمور أوسطها، فإن الاتفاق المرتقب سيستقر على الأرجح على نحو 20 كيلومتراً أو أقل.

وبغض النظر عن المواقف الدولية والإقليمية التي تتحكم بها بوصلة المصالح والصفقات، تحاول الإدارة الذاتية تمرير الرضوخ لهذا المشروع التوسعي التركي عبر التلاعب بالكلمات واللف والدوران من قبيل أن الأتراك سيكونون ضمن القوات التابعة للتحالف الدولي، وأن الحضور العسكري التركي لا يشمل المدن في حين أن معظم مدن كردستان سورية هي مدن حدودية ملاصقة تماماً لتركيا من كوباني إلى عامودا والقامشلي... فمجرد وجود جندي تركي واحد على أطراف هذه المدينة أو تلك، يعطي شرعية للاحتلال التركي ويمثل نسفاً لمشروع الإدارة الذاتية التي باتت تشبه النعامة الطامرة رأسها في الرمال. فهي والحال هذه مجرد بيدق في لعبة الكبار ووكلائهم الإقليميين.

والحال هذه، فإن أنقرة نجحت بعد احتلال عفرين واتفاقها المتعثر مع واشنطن حول منبج، في تمرير مشروعها التوسعي تحت ستار "المنطقة الآمنة"، الذي ستمتد مرحلته الأولى وفق التسريبات من كري سبي (تل أبيض) إلى سري كانييه (رأس العين). علماً أن اختيار هذه المنطقة ليس عبثياً بطبيعة الحال، فتركيا الأردوغانية تعرف تماماً ما تريد. والمنطقة المذكورة أعلاه، تمتاز بوجود نسبة وازنة من المكون العربي، ما يجعلها صالحة للاستثمار في بث الفوضى والفتنة وافتعال صراعات عربية – كردية، سيما وأنها تتوفر على أدوات محلية جاهزة لتوظيفها في سياق تفعيل هذا السيناريو كبقايا تنظيم "داعش" الإرهابي وخلاياه النائمة، وغيرها من جماعات شبيهة منها ما يرتبط بـ"الائتلاف السوري". هكذا، تبقى الإدارة الذاتية بمثابة الحلقة الأضعف والمفعول به وسط تلاقي مصالح الفاعلين الإقليميين والدوليين وتلاقح مشروعاتهم، الأمر الذي تتحمل بذاتها نسبة لا بأس بها عنه وهذا بحث آخر.