سعد: رفض "الجمهورية القوية" للموازنة لا يهدف إلى وضع العصي بالدواليب

  • شارك هذا الخبر
Thursday, July 18, 2019



استهل عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب فادي سعد كلمته، في جلسة مناقشة الموازنة العامة، بقول مأثور "لا يتحقق السلام بغياب الحرب إنما بوجود العدل"، وقال: "عندما يسعى وزير إلى تطبيق القانون يحارب ويسيس قراره ويصبح تطبيق القانون تهمة، في حين أن من يحاربه يفترض به ان يكون حريصا على تطبيق القانون"، وبذلك يصبح تطبيق القانون في لبنان تهمة اصبحنا بحاجة للتخلص منها قبل ان تتسبب بانفجار كما قال بعض الزملاء وهنا تكمن الخطورة، عندما نكون في دولة تبقى فيها القوانين من دون مراسيم ومعظم القوانين لا تطبق وعندما يحاول مسؤول جريء تطبيق القانون يواجه بالحملات بدلا من ان يتم الترحيب بما يقوم به ."

واضاف:"كنا نتمنّى أن نناقش موازنة أفضل الممكن لا أهون الشرّين، أردنا السعي، لا النعي، جلسات مناقشة حكومية ونيابية في لجنة المال والموازنة سمعنا خلالها كلاماً أفرحنا ولمسنا أفعالاً أحزنتنا، واصطدمنا بقدرة الواقع المرير على الصمود، الأمر الذي بات ينذر بالعواقب الخطيرة على "سيدر" وبلاد "سيدر"، وعندما عرفنا السبب، زاد العجب.

دولة الرئيس،

لكل داء دواء، ولكل داء أداء، نجحنا في توصيف الداء وعجزنا عن تصويب الأداء أو ايجاد الدواء، هل هذه موازنة دولة تعاني عجزاً متراكماً ولم تعد تملك ترف المكابرة؟

هل هذه موازنة تعكس انعدام النمو الإقتصادي وتطرح حلولاً للعجلة الإقتصادية؟

هل هذه موازنة تؤكد على سيادة القانون واستقلالية القضاء وتحجب الغطاء السياسي عن المخالفين والمرتكبين وتحمي المال العام وتعيد الحق لأصحابه. العدل غائب دولة الرئيس ويغيب معه السلم ليسود الظلم. اصبح لدينا حلما بوضع خط على الفساد ونقول عفا الله عما مضىن في السابق كنا نطالب باستعادة الاموال المنهوبة وكنا نحلم ان نرى المسؤولين الذين مدوا يدهم على المال العام في السجون وطبعا اصبح لدينا شعور باليأس وبدأنا نحلم بوضع خط والقول عفا الله عما مضى. متى يا دولة الرئيس نستطيع القول نريد وقف الفساد والهدر وبناء دولة القانون. كل شخص منا موجود داخل هذه القاعة او خارجها وحوله ملفات لا تحصى ولا تعد مقرونة بالدلائل على فساد من أهل السلطة وكلنا يتفرج وتفاجئنا الارقام ووثائق دقيقة من دون اي خطوة في هذا المجال حتى عندما نتقدم باخبار لا احد يتحرك واحيانا نتقدم بطعن ولا نجد من يتحرك ولا زلنا نعتبر انفسنا في دولة القانون."

وتابع:"لا نقف أمامكم لنردّد على مسامعكم ما تعرفون، فجميعنا ندرك أن المسكنات لم تعد تفيد، والمعالجات الشكلية والإسمية لم تعد تنطلي على أحد في الداخل والخارج، هذه الموازنة المتفائلة بأرقامها لا تعكس حقيقة الأزمة.

سخَّرت الموازنة تركيزها على زيادة الضرائب والرسوم وتوقّعت زيادة مداخيلها من 16 الف مليار إلى 19 الف مليار ليرة لبنانيّة. ولكن في ظلّ التباطؤ الإقتصادي المُتوقَّع لعام 2019، فإنَّ زيادة الضّرائب والرّسوم ستُخَفّض الإستهلاك وتُسرّع إقفال الشّركات وتسريح العمّال وإذا استطعنا جباية 16 الف مليار، بيكون بيتنا بالقلعة .

دولة الرّئيس، فلنسأل جميع الخبراء الإقتصاديّين، هل بالإمكان زيادة واردات الدّولة في ظلّ ركود إقتصادي؟ سيكون جوابهم جميعأ: طبعا كلّا. في الوضع الرّاهن، لا قدرة للإقتصاد اللّبناني على إعطاء الدّولة 3000 مليار ليرة إضافيّة. فالوضع الإقتصادي صعب، وصعبٌ جدًا، الشّركات تُقفِل. والتّي لم تُقفل بعد سَرَّحت مُوظَّفيها، أو خَفّضَت معاشاتِهم، أو امتنعت عن دَفعِ مُتوجِّباتها بانتظار أوضاع أفضل.

ولكن، الأمور وإن كانت بهذا السوء، فإن ذلك لا يعني أن الحلول مستحيلة ولكنها تحتاج لإرادة وقرار، يواكبها قضاء قوي بعدله قادر على تطبيق القوانين المرعية الإجراء ويعفي السياسيين من اعتماد خدمات منتقاة لأشخاص مختارين من أجل حفنة من الأصوات المرتهنة.

دولة الرئيس،

إن الموازنات تأتي كنتيجة لإجراءات وأعمال تقوم بها الحكومة وقرارات تتخذها، وتنفذها عبر الوزارات المختصة، لذلك نرى الحاجة الملحة لاتخاذ عدد من الإجراءات العملية بهدف تحقيق واردات من حق الدولة تحقيقها قبل اللجوء إلى وضع ضرائب جديدة أو المس بجيب المواطن. وبذلك ندعم أرقام الموازنة ونقلص عجزها فعلياً وليس ورقياً.

أتناول مسألة التهرّب الجمركي واضعاً بين أيديكم وأمام الرأي العام سلسلة تدابير تؤدي إلى تحقيق مداخيل إضافية للخزينة تساهم في خفض فعلي للعجز، ومن شأن الأخذ بها أن يضيف مئات ملايين الدولارات إلى الخزينة أولاً، وثانياً تحقيق العدل في المنافسة المشروعة بين التجار.

هذه التدابير البديهية التي على الحكومة القيام بها أختصرها بالعناوين التالية:

أولاً- ضبط المعابر الحدودية غير الشرعية المعروفة من الجيش والأجهزة الأمنية بالتفاصيل من حيث أماكن وجودها والمشرفين عليها ونوعية البضائع والكميات التي يتم تهريبها ويتطلّب الأمر اتخاذ قرار سياسي جريء لتنتهي العملية خلال أيام، وهذا التدبير له بُعدٌ أمني أيضاً، ومن يستطيع تهريب البضائع دون رقيب يمكنه تهريب الأسلحة والمواد المتفجّرة، ما لم يكن هناك ميثاق شرف بين المهرّبين والدولة .

ثانياً، ملاحقة البضائع المهرّبة داخل الحدود والتشدد في تنفيذ الإجراءات العقابية الرادعة.

ثالثاً، وضع كاشفات للحاويات (سكانر) على جميع المعابر الشرعية.

رابعاً، إلزام المستوردين تقديم بيانات جمركية صادرة عن البلد المُصدِّر لجميع الحاويات التي تدخل لبنان عبر كافة المعابر.

خامساً، تحديد وتوزيع الصلاحيات بين المجلس الأعلى للجمارك ومجالس إدارة المرافئ والمدير العام للجمارك.


دولة الرئيس،

إلى جانب التدابير والإجراءات الآيلة إلى مكافحة التهرّب الجمركي، هناك حاجة ملحّة في مرفأ بيروت كونه الأكبر من حيث حجم الأعمال والإهمال لتوضيح صلاحيات وبالتالي تحديد مسؤوليات المجلس الأعلى للجمارك ومدير المرفأ وتنظيم الوضع المؤسساتي لإدارة المرفأ ووضع أسس المراقبة والمحاسبة وفقاً لآلية واضحة للمساءلة وفي هذا الإطار نتساءل عن مصير الإخبار الذي تقدمت به مع زميلي ماجد إدي أبي اللمع لدى النيابة العامة التمييزية للتحقيق بـ 17 مخالفة في الجمارك دون أن تردنا أي معلومة حوله حتى اليوم.

إن الوضع القانوني الملتبس في مرفأ بيروت ينطبق أيضاً على سائر المرافئ والمعابر البرية والبحرية وحتى الجوية حيث تنمو تحت جناح الفوضى وضياع المسؤوليات وتعددها تساؤلات مشروعة حول استمرار الوضع على ما هو عليه والأسباب الحقيقية الكامنة خلف الفشل في معالجة هذا الوضع، الجواب عند صديقنا معالي وزير المال الصديق علي حسن خليل.

دولة الرّئيس،

لا يمكن الحديث عن اصلاح حقيقي من دون تخفيض النّفقات. وقد عمِدت الدّولة الى خَفض إعتمادات برامج بحوالي 1000 مليار ليرة عبر تأجيلها. ولكنّنا نعلمُ جميعًا أنّ هذه المشاريع التّي تأجّلت اليوم للسّنة المقبلة سيَتمُّ تأجيلها من جديد في ال 2020 و ال2021 وهكذا دواليك، لأنّ الدّولة اللّبنانيّة لا تملك الأموال اللأزمة لتنفيذها. إنّ الإصلاح الحقيقي لا يكون بتأجيل الإنفاق بل بتغيير منهجيّة التّعاطي مع المشاريع الحيويّة للبلد.

تبلغ كلفة مشاريع المياه التّي تنوي الدّولة تنفيذها في السّنوات القادمة حوالي 6900 مليار ليرة لبنانيّة منها 128 مليار ستُصرَف من موازنة ال2019. ولا تملك الدولة هذه الاموال وحتى لو استطعنا إستدانتها من "سيدر" وغير "سيدر" فان الشّعب اللّبناني سيدفَعُها مُستقبلًا من خلال زيادة الضّرائب. فهل يمكننا فعلًا تحميل ضرائب إضافيّة للمواطن في المُستقبل؟

تنطبق المشكلة عينها على مشاريع الصّرف الصّحي حيث تنوي الدّولة إنفاق 4600 مليار ليرة في السّنوات القادمة، وشقّ طرقات جديدة ب 11000 مليار، وتوسعة المطار وشبكة الإنترنت وغيرها. وتُنفق الدّولة القليل على هذه المشاريع في ال 2019 وتُأجّل معظمها للسنوات القادمة على أمل الحصول على قروض إضافيّة سيَدفعها المواطن اللّبناني في نهاية المطاف.

دولة الرّئيس، لقد خُضنا معركة الشّفافيّة في قطاع الكهرباء وتَوصَّلنا أخيرًا لِحل منتجي الكهرباء المستقلّين Independent Power Producer IPP الذّي يُحَمِّل هؤلاء كلفة بناء المعامل بدلَ أن تدفَعها الدّولة من جيب المواطن. ونقترح إعتماد نفس المنهاج في بقيّة القطاعات. فبَدل تحميل الدّولة كلفة بناء السّدود يمكن إعتماد نظام منتجي المياه المُستقلّين Independent Water Producer IWPالذّي يسمح بالتّعاقد مع شركات خاصّة تدفّع من جيبها كلفة بناء السّدود، وتُديرها. هذا الحلّ يُخفِّض كلفة المياه على المواطن الذّي يدفع اليوم ثلاث فواتير مياه: دّولة وصّهاريج ومياه الشّفة، ويُوفّر على الدّولة ديون ومصاريف إضافيّة. وقد اعتمدت العديد من الدّول هذا النّظام مثل المملكة المتّحدة وفرنسا والبيرو والمكسيك وبولندا وكولومبيا والأرجنتين ودول الخليج وغيرها.

و بدل شقّ الطّرقات الجديدة من جيب الخزينة والمواطن، يمكن إستعمال نظام الطّريق برسم مرور Toll Road ما يُخفِّف من الزّحمة والتّلوث. وفي جميع دول العالم، يمكن إستخدام طرقات الدّولة مجانًا والمستعجل يدفع رسم المرور لقاء إستعمالِه ال Highway.

وبَدلًا من إنفاق الدّولة ما يَفوق عن 1000 مليار ليرة في الأعوام المقبلة على مشاريع شبكة الألياف الضوئيّة، يمكن إعتماد منهاج كوريا الجنوبيّة واليابان وسنغفورة والمملكة المتّحدة وبولندا؛ أي السّماح لشركات القطاع الخاص بِمدّ هذه الشّبكة على تكلفتها الخاصّة وتأمين الخدمة للمواطنين مباشرةً.

كما نقترح تحويل كلفة توسعة المطار إلى شركات القطاع الخاص أسوةً بكلّ التّجارب الناجحة حول العالم مثل ال 205 مطارات في أوروبا والولايات المتّحدة والبرازيل والأردن ومصر والبحرين وجنوب أفريقيا وسنغفورة الا اذا كانت لدينا قناعة بأننا أذكى من شعوب هذه الدول وأن مؤسساتنا يجب ان تبقى تابعة للدولة.

دولة الرّئيس، حينما نتكلّم عن إشراك القطاع الخاص، لا نعني ابداً تمويل الدّولة للمشاريع و من ثم تقديمها على طبقٍ من فضّة لشركات خاصّة لإدارتها. والاخطر هنا اننا لا نتكلف فقط ببناء مشاريع على حساب الدولة انما نصل في النهاية لتلزيمه لشركة خاصة تستفيد منه وهنا ندرك سبب معارضة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لأن قسما منهم يعارض لأسباب مبدئية لا نعرفها وقسما آخر يعارض لأن هذه الآلية تشكل مزرابا للهدر والفساد بسبب عدم وجود اي رقابة للدولة ولا يجوز أن تقوم الدولة ببناء مشروع وتلزيمه لشركة خاصة بل على الشركة ان تبني وتستثمر ويعود للدولة وفقا لنظام . B.O.T

نحن لا نقترح أن تدفع الدّولة ثمن بناء معامل الكهرباء والسّدود والطّرقات والألياف الضّوئيّة والمطار. إنّ ما نقترحه هو وقف تمويل الدّولة لهذه المشاريع والطّلب من الشّركات الخاصّة وضع رأس المال من جيبها الخاص وإطلاق المنافسة لا الإحتكار بين الشركات المستثمرة. وهنا عندما نتناول موازنة العام 2019 نستطيع وبسهولة الغاء اعتمادات هائلة بمئات ملايين الدولارات تنطبق عليها شروط الشراكة بين القطاعين العام والخاص وبذلك نكون قد بدأنا بوضع خط للانحدار ووضع حد للهدر وبذلك لا يفاجأ الزملاء عندما نصوت ضد الموازنة التي لن تؤدي الا الى نتائج كارثية.

تسمح هذه الإصلاحات بإطلاق عجلة الّنّمو في البلد وزيادة الإستثمارات وضخّ السّيولة بالبلد من دون زيادة نفقات الدّولة و المديونيّة العامّة. كما انّ تحميل نفقات الإستثمار للقطاع الخاص يُخفِّض من حجم الفساد الذّي عادةً ما يرافق تلزيم المشاريع العموميّة.

دولة الرئيس،

أود أن أختم كلمتي بالعودة إلى العدل من باب التوظيفات والتعيينات لأؤكد على حق اللبنانيين بفرصة متساوية في الدخول إلى الإدارة وفقاً لآلية واضحة مع الأخذ بعين الإعتبار الضوابط الطائفية والمذهبية وإسقاط الإمتيازات السياسية في توظيف المحاسيب التي غالباً ما تأتي على حساب الكفاءة، وبدل أن يكون الموظف قيمة علمية وعملية لتطوير الإدارة يصبح عبئاً تتحمله الدولة، هذا في حال كان منزّهاً عن شبهة الفساد، وهنا لا بد من الإشادة بالوزيرة مي شدياق لاتخاذها القرار الجريء بوقف التعاقد مع موظفين تم تعيينهم خلافاً لقانون منع التوظيف.وهنا اذا لم يبادر كل المسؤولين لوقف العقود التي لها علاقة بالتوظيف غير الشرعي الذي ظهر منه حتى الآن بين الـ 5000 والـ 8000 وقد يطال 30 الف موظف لن تكون هناك قيامة للدولة. لأن هذا التوظيف غير الشرعي يشكل عبئا اضافيا على المال العام وهو هدر وفساد ومحسوبية وزبائنية بكل ما للكلمة من معنى. هذه الممارسات هي التي تستدعي التساؤل والتعجب وليس الممارسات الصحيحة لجهة تطبيق القانون وفض التعاقد مع الموظفين غير القانونيين الذي يجب ان يحص في كل الوزارات والادارات العامة.

وختم :"إنَّ موازنة 2019 ليست إصلاحيّة وتستكمل نفس سياق إدارة الدّولة الذّي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. إن رفض تكتل "الجمهورية القوية" للموازنة كما وردت، رغم تأييدنا لبعض موادها، لا تهدف إلى وضع العصي بالدواليب بل إيماناً وثقة منا بأن الحكومة كان باستطاعتها تقديم الأفضل بما يبعد كابوس الإنهيار والوسائل متاحة وتتطلّب جهوداً تعوّض غياب المعجزات والإنجازات."