حبيب شلوق - ليس هكذا يُبنى الوطن ولا هكذا تُحمى الهوية

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, June 12, 2019



من أسوأ ما بلغه المواطن اللبناني، أن يكون طموحه الأكبر إيجاد "مرقد عنزة" في أي قطر من أقطار العالم، وأي جنسية في أي زاوية من زوايا الأرض. والأكثر ألماً وإيلاماً أن ينسى تاريخه وتراثه وأهله وأترابه. ولا يكفي فولكلور مهرجانات الإنتشار والعودة إلى الجذور.

لم يصل لبنان حتى في أسوأ الظروف التي مرّ بها منذ الإستعمار العثماني إلى الإنتداب الفرنسي والوصاية السورية، وقبلها البندقية الفلسطينية و"طريق القدس التي تمر بجونية"، و"حرب الأخوة" في كل طائفة من الطوائف، إلى الدرك الذي وصل اليه لبنان، وخصوصاً في زمن غلا فيه الصدق ورخص الكذب والتدجيل ـــ كما يقول نائب سابق موضع إحترام من بني ملــّته ووطنه وعاصر عزّ لبنان ـــ إلى حد يصعب "بلعه". وفي رأي النائب نفسه ـــ وهو مرجعية كبيرة في اختصاصه ـــ أنه لا يجوز أن تبقى الحال على ما هي عليه وإلا لن يبقى أي لبناني في وطنه.

وفي رأي النائب نفسه أن السارق في لبنان هو أكثر المجاهرين بنظافته، والزانية تنادي بالعفة، ورب العمل يتظاهر دعماً لمطالب العمال، ورجل الدين يدّعي تأييد العلمانية ، والموظف الذي لا يمارس عمله يطالب بانصافه، والعسكري الذي نذر حياته في سبيل وطنه يخشى أن يطعنه وطنه في لقمة العيش، والرئيس والنائب السابق يطالب برفع تعويضاته وينسى أنه ليس موظفاً إنما هو ممثل عن الشعب، والقاضي يعتكف عن ممارسة رسالته،والطبيب لا يفحص مريضاً إلا بعد أن يضمن قبض قيمة كشفه، والأستاذ يُضرب عن تعليم طلابه لرفع راتبه، والسياسي لا تعني له المبادئ وهمه الأول تعبئة الجيوب، والناس يتظاهرون ويشتمون المسؤولين ثم يعاودون انتخابهم، والمسؤولون يتبارون في رفع قيمة أرصدتهم في لبنان والخارج، وأقصى طموح هذا وذاك من المواطنين والسياسيين ورجال الدين والمسؤولين الحصول على جواز سفر أجنبي وهوية أخرى.
لقد رحل وطن النجوم، واختفى مرقد العنزة. أهانوا جبران ونعيمة وجرجي زيدان والأوزاعي والبساتنة ودفنوا كل التراث. أنكروا التاريخ و"قرّفوا" الوطن والمواطنين. نسوا الأبجدية التي خرجت من جبيل وحضارة الفينيقيين والرومان. مؤسف أن يصبح اللبناني غير مهتم ببعلبك وصيدا وصور، ولا يعني له الأرز وأرجوان الشاطئ اللبناني واهراءات البقاع وقانا وصنين وجبل الشيخ.

ويتنهد صديقنا ويتابع ::" لبنان ليس لبنان، والسياسيون ليسوا كالذين عرفناهم، والمسؤولون لا يشبهون بشيء مَن سبقوهم، والصحافة اللبنانية ليست كما كانت، وصحافة المهاجر ماتت، ومؤسسو الصحافة العربية من اللبنانين رحلوا وما مَن يملأ فراغهم.

يروي النائب نفسه كيف كانت صحافة لبنان تصنع السياسة والرؤساء وترعب الجميع وتراقب عملهم وممارساتهم ، ويشير إلى أن مقالة غسان تويني بعنوان " بدنا ناكل جوعانين" في عهد الرئيس فؤاد شهاب أدخلته السجن بعدما أشعل ثورة مدنية، وإلى استقالة الوزير بهيج تقي الدين لمجرد أن رسمه الفنان بيار صادق وهو يخضع لمعاينة وزير الصحة البر مخيبر الذي يقول له "السكري مرتفع معك توقف عن تناوله" في وقت كانت تتردد أخبار تتعلق باستيراد سكر.

كل شيء في لبنان يحتضر من المواطنة إلى الثقافة والتربية والعلوم والإستشفاء وإلى السياسة والمسؤولية، والإدارة في موت سريري، والوفاق تكاذب،ووحدها السرقة والنهب والفساد والربح السريع بأي طريقة من الطرق هي السائدة.

والحل إذا كان من حل.
في رأي صديقنا النائب السابق أن الحل في درس تاريخ الكبار وأخذ العبر والإتعاظ وتشخيصهم وبناء مجتمع جديد.

إنه حل من سابع المستحيلات، ولكنه الأنجع. أو لندفن الذاكرة والتراث ولنبكِ وطناً لم نعرف أن نحافظ عليه.

حبيب شلوق