خاص - اوقفوا تدمير الهواء.. البشر.. والحجر

  • شارك هذا الخبر
Friday, March 29, 2019

خاص - ريك فريحة

alkalimaonline


ان أول وأهم هذه الأسباب ما يظهره وزير البيئة الجديد فادي جريصاتي من اهتمام كبير بالاسلوب الحديث المتطور، وقد أعلن هذا الموقف بقوة وحرارة في لقائه مع الجمعيات والبلديات، التي تنتمي فعلا وممارسة إلى فلسفة ورؤية واستراتيجية الفرز، على قاعدة أن النفايات هي موارد ثانوية ذات قيمة، وعلينا وضع النظام الملائم لإدارتها لاسترداد هذه القيمة،.
إن هذه الرؤية الحديثة، التي تنسجم مع استراتيجية الإقتصاد الدائري، الأكثر حداثة في بلدان العالم المتقدم والنامي على السواء، هي على نقيض تام مع الرؤية التقليدية القديمة، التي تعتبر النفايات “كتلة من المرفوضات مطلوب التخلص منها”. وطريق البحث عن التخلص منها يوصل إلى المكبات العشوائية والمطامر والمحارق
سياسة ذر“الرماد في العيون”،.
الذي بدأ نثره مؤخرا بشأن استرداد الطاقة " Waste to Energy عبر انشاء محارق النفايات "
وماهو صحيح نسبيا لنفايات البلدان الصناعية المتطورة في أوروبا وأميركا وغيرها، فيما يتعلق بالقيمة الحرارية الدنيا لنفاياتهم، هو غير صحيح بالنسبة لنفايات لبنان. فنفاياتهم لا تشبه بشيء نفايات لبنان، لا من حيث مكوِّناتها، ولا من حيث تناسب هذه المكونات في مجموع النفايات المتولدة عندهم. وبالتالي، ليس هناك تشابها أو تقاربا بالقيمة الحرارية الدنيا (أي كمية الطاقة)، التي تختزنها مكوناتها القابلة للحرق، أو تلك التي تواجه صعوبات حقيقية أو موانع أو محاذير بيئية وصحية لتدويرها. بل إن القيمة الحرارية للنفايات اللبنانية على تدنيها الكبير، دون الحد، الذي يسمح من حيث المبدأ طرح خيار الحرق واسترداد الطاقة على طاولة البحث، هي مقتصرة على مكوني البلاستيك والورق الكرتون. هاذان الموردان اللذان تتعطش لهما صناعة التدوير اللبنانية إلى درجة كبيرة، تصل إلى أن بعض هذه الصناعات تستورد نفايات بلاستيكية وورقية لكي تلبي حاجاتها.
إن الدعوة، إلى كل المعنيين في لبنان بإدارة النفايات، إن على المستوى الرسمي، أو الشعبي، أو القطاع الخاص، هي بالتخلي عن محاولات نسخ ما تقوم به دول أخرى لا نشبهها بشيء، بما في ذلك تركيب وتناسب نفاياتنا،
ندعو الجميع إلى التفكر في نفاياتنا، ولا ضير من مراجعة ودرس تجارب الدول الأخرى، بذكاء وحكمة،
إنْ التسبيخ الهوائي أو الهضم اللَّاهوائي لتوليد البيوغاز لإنتاج الطاقة هو الأنظف نسبيا.بدل الحرق,
ففي البلدان الاوروبية واميركا يجرى تقليص تدريجي لنسب النفايات الذاهبة إلى الطمر، وتناقص تدريجي لكميات النفايات الذاهبة إلى الحرق، والانتقال الى الاسلوب المتطور للقرن 21 واستمعال طريقة "تدوير الموارد , او النفايات" هذه الخلاصة تدلنا على حقيقة الاستراتيجية والأهداف الأوروبية حيال الإدارة السليمة والمتكاملة للنفايات في بلدانها.
يجب التخلي الكامل عن النظرة القديمة بكل تفاصيلها وتبعاتها "مطامر ومحارق"، التي أدت بالفعل إلى تلويث خطير لكل الأوساط البيئية، هواء وبحرا ومياها سطحية، وتهدد المياه الجوفية، وترافق ذلك مع تدهور كبير في الأمان الصحي للبنانيين، وارتفاع مقلق لمعدلات الإصابة بالأمراض السرطانية وغيرها من الأمراض المزمنة..
تعتبر النفايات موارد ثانوية ذات قيمة علينا استردادها، ضمن سياسة استراتيجية الإقتصاد الدائري الأكثر حداثة في كل العالم.
إن كمية النفايات المنزلية الصلبة المتولدة في لبنان تقدر بحوالي 6500 طن يوميا.
• يتكون تركيب هذه النفايات من 60 – 65 بالمئة من المكونات العضوية.
• حوالي 18 بالمئة ورق وكرتون
• حوالي 7 بالمئة بلاستيك
• والباقي يتوزع بين معادن وزجاج وأقمشة ومواد بناء وغيرها.
• عندما تكون نسبة المكونات العضوية في لبنان في النفايات الصلبة المنزلية تصل إلى ما بين 60 و65 بالمئة، وأحيانا في أشهر الصيف وشهر رمضان المبارك تصل إلى 70 بالمئة من مجمل النفايات، هذا يعني أن المفتاح الذكي للتصدي لوضع نظام للإدارة المتكاملة والسليمة بيئيا ومعقولة الكلفة يتمثل بفصل المكونات العضوية عن غير العضوية من مصادر تكون النفايات، في البيوت والمؤسسات التجارية والإدارية وأسواق ومحال الخضار والفواكه. فبخطوة واحدة، فرز النفايات العضوية من المصدر، نكون قد وضعنا يدنا على 60-70 بالمئة من مشكلة إدارة النفايات، وخطونا خطوة كبيرة وفعالة وذات أثر كبير على الخطوات التالية في نظام الإدارة المتكاملة، الذي ندعو إليه. هذه المكونات العضوية، هي التي تتعفن وتتحلل وتنز العصارة، وهي التي تتفاعل مع المكونات الأخرى في النفايات عند رميها مجتمعة في سلة المهملات. وهي التي تلوِّث المكونات الأخرى وتجعل من عملية فرزها وفصلها وتعريبها، بغاية إعادة الإستعمال والتدوير، عملية صعبة ومعقدة وضعيفة الفعالية. بفصل المكونات العضوية، يصبح تعريب وفرز المكونات الأخرى من ورق وكرتون وقماش وزجاج ومعادن وبلاستيك، أمرا غاية في السهولة، وبفعالية عالية يمكن أن تقارب الـ 100 بالمئة، وهذا ما يسمح باسترداد فعال للقيمة، التي تختزنها هذه الموارد.
• عندما تكون نسبة المكونات العضوية ما بين 60 و65 بالمئة من مجمل النفايات الصلبة المنزلية، وعندما تكون نسبة الرطوبة فيها تقارب الـ 70 بالمئة، هذا يعني أن كل طن من هذه النفايات يحتوي على ما بين 420 و450 كيلوغرام من المياه، أي ما بين 42 و45 بالمئة من وزن النفايات بمجملها. وإذا عطفنا هذه الحقيقة على أن القيمة الحرارية تقتصر على البلاستيك، الذي لا تتجاوز نسبته الـ 7 بالمئة من النفايات، وعلى الورق والكرتون، التي لا تزيد عن 18 بالمئة من مجمل النفايات. وإذا عرفنا أن المياه والعصارة سوف تمتص جزءا كبيرا منها كميات الورق والكرتون والأقمشة، مما يجعل من فرزها في مراكز الفرز اليدوية والآلية، مسألة غاية بالصعوبة بل شبه مستحيلة، في حالة رمي كل أنواع النفايات في سلة المهملات دون فصل المكونات العضوية عنها. عندما يكون كل ذلك واقعا، هل يمكن لعاقل أن يفكر بحرق هذا الخليط الغني بالمياه؟ وهل يمكن لعاقل أن يصدق بأنه يمكن من هذا الخليط الغني بالمياه والفقير بالمكونات الحاملة للقيمة الحرارية، أن يكون مصدرا لتوليد الطاقة عبر ما يروجون له من أكذوبة “من نفايات إلى طاقة”، ويغدقون الوعود الكاذبة والتضليلية للناس بتوليد طاقة كهربائية من حرق النفايات.
• نحن نطرح السؤال في المبدأ، هل من المعقول أن يفكر عاقل بحرق هذا الخليط من النفايات؟ ولماذا أساسا يكون هذا الأمر مطروحا للنقاش؟ إن لم يكن وراء ذلك مصالح كبرى لفئات استثمرت على ملف النفايات في المكبات والمطامر، وهي ذاهبة اليوم إلى الإستثمار على المحارق، الأكثر كلفة في الإنشاء والتشغيل والصيانة، تحت قرع طبول الأكاذيب والأضاليل ووسائل الترويج والتسويق والدعاية الكاذبة.
• إن كمية المكونات العضوية في النفايات الصلبة المنزلية تزيد عن 4000 طن يوميا، إذا ما جمعناها مفروزة من المصدر، تكون خالية من الشوائب، وقابلة لأن ننتج منها “كومبوست” عالي الجودة، يستورده السوق اللبناني حاليا بعشرات ملايين الدولارات. ماذا ينقص اللبنانيين أن ينتجوا “كومبوست” عالي الجودة ليلبي حاجات السوق المحلي، ويصدرون فائض إنتاجهم المتوافق مع أعلى المواصفات والمقاييس العالمية؟
• اضافة لإنتاج الكومبوست عبر عملية الهضم الهوائي أو التسبيخ compostingان كميات المكونات العضوية من النفايات الصلبة المنزلية، بعد خلطها مع النفايات المتولدة عن الحدائق وتشحيل الأشجار وقص الأعشاب وبقايا بعض المحاصيل الزراعية، يمكننا خلط كل المكونات العضوية من النفايات الصلبة المنزلية مع الوحول المتولدة من محطات معالجة المياه المبتذلة، العاملة، والتي ستعمل قريبا، والتي يجب أن تعمل في مستقبل قريب، وهي تتولد بكميات كبيرة، يضاف إليها أيضا نفايات المسالخ والملاحم دون العظام، ونفايات أسواق السمك، وإدخالها مجتمعة إلى مفاعل للهضم اللَّاهوائي Anaerobic digestion، حيث تتم عملية تفكك بيولوجي باتجاه تكوين البيوغاز، الغني بالميثان Biomethane، والذي نستعله لإنتاج الطاقة الأنظف.
يتحدثون عن إنتاج الطاقة من النفايات؟ باستعمال اسلوب الحرق,وهي حجة يناطحون بها دعاة البيئة النظيفة
ولكن تبني خيار الحرق المدمر للموارد، والملوث للبيئة، والمولد للنفايات السامة (الرماد المتطاير)، وعالي الكلفة الإنشائية والتشغيلية والصيانة، عالي المخاطر بعيدة المدى على البيئة والصحة العامة، وفيه مخاطر إطلاق ملوثات عالية الخطورة، تتمتع بسمية بشرية وبيئية عالية، واستقرار كيميائي وثبات كبير لسنوات طويلة في أوساط البيئة، قادرة على الإنتقال من وسط بيئي إلى آخر مع الإحتفاظ بقدراتها السمية العالية، وقابلة على التراكم الحيوي في أنسجة الحيوانات والمنتجات الحيوانية مثل البيض والأجبان والألبان، والأسماك، وتدخل السلسلة الغذائية للإنسان، معرضة الصحة البشرية لهذا الجيل والأجيال القادمة لأكبر المخاطر؟
إن خيار توليد البيوغاز من المكونات العضوية للنفايات من كل المصادر، عبر تقنية الهضم اللَّاهوائي، التي تحقق نجاحا كبيرا في لبنان، فهذه التقنية تحقق نجاحات كبيرة في العالم أيضا. ففي إيطاليا، في منطقة سانت آغاتا في بولونيا Sant’Agata – Bologna، تقوم منشأة صناعية كبيرة بكلفة 37 مليون يورو تحوِّل النفايات العضوية إلى بيوميثان لتوليد الطاقة الأنظف.
على عكس أكاذيب توليد الطاقة من حرق نفايات لبنان، الغنية جدا بالمكونات العضوية، والغنية جدا بالمياه، والفقيرة جدا بالقيمة الحرارية، أي بالطاقة، التي سوف تولد كميات محدودة من الكهرباء، بكلفة عالية جدا، ليس من حرق النفايات، بل من الكميات الكبيرة جدا من الفيول الأحفوري، التي سيضطرون إلى ضخها في غرفة احتراق المحارق، لإطلاق عملية الإحتراق واستمرارها والحفاظ على درجة حرارة لا تهبط تحت مستوى 850 درجة مئوية. سوف تولد كهرباء من الفيول وليس من النفايات الفقيرة بالطاقة. هذا سيزيد من درجة التلوث البيئي، كمَّا ونوعا، إذا ما أضفنا غازات وجزئيات الإحتراق الناتجة عن الفيول المضاف إلى المحارق.
إن الهضم اللَّاهوائي لمجمل النفايات العضوية من كل المصادر، يؤمن إنتاج الطاقة الأنظف، أي الأقل تلويثا للبيئة وفق كل مؤشرات تلوث الهواء الجوي، ومنها مؤشرات ثاني أوكسيد الكربون المتعلق بتغير المناخ، من حرق البيوغاز، الغني بالميثان، في مولدات للطاقة الكهربائية عاملة على الغاز الطبيعي. إن البيوميثان يشكل فرصة هامة لتخفيض استعمال الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة، وبالتالي تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للتغير المناخي، وتخفيض لائحة طويلة من ملوثات الهواء الجوي ذات التأثيرات الخطيرة على البيئة والصحة العامة.
إن هذا المسار هو المسار البيئي السليم المتوافق مع الإقتصاد الدائري فالنفايات موارد ذات قيمة علينا استردادها، وليس تدميرها بالحرق والتسبب بالتلوث الخطير بنتائجه المباشرة والبعيدة.
نعم، لفرز المكونات العضوية للنفايات من المصدر، نعم لجمعها المنفصل ونقلها إلى مراكز للتسبيخ الهوائي لإنتاج كومبوست عالي الجودة، ونعم لنقلها إلى مراكز للهضم اللَّاهوائي لتوليد البيوغاز وإنتاج الطاقة النظيفة.
هذه هي الرؤية السليمة للإدارة المتكاملة للنفايات والسليمة بيئيا والآمنة صحيا ومعقولة الكلفة. في وجه كل الأضاليل الكاذبة المتعلقة بالحرق تحت كل التسميات، من “تفككك حراري” إلى “من نفايات إلى طاقة”.