خاص- في الشارع يأس عام واستسلام.. أين الشعب الغاضب؟- زينة عبود

  • شارك هذا الخبر
Saturday, January 15, 2022

خاص- الكلمة أون لاين

زينة عبود

صحيح أن يوم الغضب بالأمس لم يكن إسماً على مسمّى، وبدا الغضب باهتا وخجولا حتى ان المشاركين فيه لم يكونوا كثراً في هذا اليوم الذي دعا اليه قطاع النقل البري ومعه الاتحاد العمالي العام بغية إطلاق صرخة مدوّية أرادوا إيصالها الى آذان المسؤولين غير المسؤولين وغير الآبهين بأحوال مواطنيهم. لكن ذلك لا يعني أن هذا اليوم الذي تخلّله قطع طرقات تباعا في المناطق لم يحمل أي رسالة..
لقد تحوّل يوم الغضب الذي هُلّل وطُبّل له على مدى الأيام الماضية حتى أن بعض النقابات طالب بتوسيعه ليشمل خطوات أكثر تصعيداً بمعنى ان تمتدّ التحركات ليومين أو ثلاثة من قطع الطرقات، الى يوم يأس عام اقتصر على شلّ الحركة والتنقّل في مختلف المناطق.

هذا المشهد حمل كثيرين الى التساؤل "أين هم الناس الجائعون الذين يعانون و"ينقّون" في السوبرماركات وفي الأفران وأمام محطات المحروقات؟ هل شبعت بطونهم وبطون أولادهم فجأة؟ لماذا لم يتمكّن القيّمون على التحرك حشد جموع الجياع الشاكية من أحوال البلد؟ أين هم المرضى الذين يواجهون خطر الموت يوميا مع فقدان الادوية وحرمانهم منها إن وُجدت لغلاء أسعارها؟ وأين الأهل الذين يعانون لتأمين الحليب لأطفالهم؟ أين ذوي الدخل المحدود؟ وأين وأين وأين..

هؤلاء لزموا منازلهم بالأمس.. لماذا؟ على الأكيد ليس لرضاهم على الواقع المرير الذي وصلت اليه البلاد بل لأنهم استسلموا لواقع أن ثورة الجياع التي خرجت الى الشارع في السابع عشر من تشرين لم تفلح في إيصال الصرخة وتحقيق التغيير المنشود يوم كانت الأمور قابلة للتصحيح لو أراد أهل الحكم والسلطة حينذاك، فما الذي سيحققه يومٌ واحد من الغضب وسط حفلة التخبّط الجنوني الحاصل اجتماعيا واقتصاديا ومالياً وسياسياً وصحيا وعلى كل المستويات.

هو اليأس ضرب اللبنانيين الذين باتوا مستسلمين لواقع لا يشبههم في الحقيقة فالشعب اللبناني معروف بحبّه للحياة لكن عندما تُسرق منه أدنى مقوّمات هذه الحياة تكون اليد قصيرة والعين بصيرة.. وهو ما عبّر عنه أحد المشاركين في التحرك فقال "بدنا مصاري، بدنا ناكل. الوزراء والنواب عايشين أحلى عيشة وما حدا عم بحسّ فينا".
لهذا السبب بالتحديد ولأن "ما حدا عم بيحسّ بالشعب" قرّر هذا الشعب ألا يذلّ نفسه أكثر أمام المتربعين على عروش السلطة والتوسّل اليهم إعطاءه أدنى حقوقه في العيش الكريم.
عليه يبقى الاهمّ أن تدرك المنظومة الحاكمة ان المشهد الهادئ في يوم الغضب لا يعني أن الأمور بخير على العكس تماماً وما أدراكم ما تخفيه العائلات وراء جدران بيوتها.. لو تدرون لطمرتم رؤوسكم بالوحل!

في البيوت أطفالٌ ينامون وبطونهم جائعة وآباءٌ يكدحون ليلا نهارا لتأمين لقمة عيش لا تكفي في الكثير من الأحيان أفراد العائلة أجمعين.. في البيوت أطفالٌ وحديثو ولادة يعانون الارتجاع المعوي ويتقيّؤون لكثرة التبديل بأنواع الحليب غير المتوفّر في الأسواق.. وفي البيوت مرضى يتألّمون ويتحمّلون أوجاعهم لفقدان الأدوية أو لارتفاع أسعارها بشكل هستيري.. في البيوت عائلات تعيش بظلام بعدما أنهكتها فواتير المولدات واضطرت الى وقف الاشتراك والمخاطرة في جودة الطعام.. في البيوت أولاد حرموا من حق التعلم نتيجة الزيادات على الأقساط المدرسية وفي البيوت.. ما أكثر الذين ينتظرون قوارب النجاة الدولية لإنقاذهم من جهنّم الذلّ والعوز!