تجارة السلاح نشطة بالدولار... وخط التهريب: سوريا - لبنان
شارك هذا الخبر
Wednesday, November 11, 2020
كتب أسامة القادري في "نداء الوطن"
تنشط مافيات تجارة السلاح وتهريبه من سوريا الى لبنان، منذ نحو سبعة أشهر. ومع ارتفاع سعر صرف الدولار وسوء الوضع الاقتصادي، توسّعت دائرة الحركة، وركّز التجار نشاطهم على شراء القطع من المواطنين بأسعار متدنّية في ظلّ ازماتهم، لتتوسّع ويرتفع الطلب اثر الخطابات النارية للسياسيين، الى ان بلغت ذروتها الخطيرة في آب وأيلول وتشرين الاول. وأكّد تجّار لـ"نداء الوطن" أنّ أكثر زبائنهم من الفئة العمرية الشابة، وينتمون الى تيارات سياسية وحزبية في زحلة وقرى البقاع على إختلاف الانتماءات الطائفية والسياسية.
وتُعتبر تجارة السلاح في لبنان عملية غير شرعية تهدّد الأمن القومي والوطني، وهي ليست ظاهرة مستجدّة ولم تكن طارئة على اللبنانيين، انما عمرها من عمر دولة لبنان، وتغذيها النزاعات والمشاكل الأمنية في المنطقة العربية والشرق الاوسط. وكثيراً ما كان لبنان مصدراً اساسياً لبيع السلاح للحركات الثورية المناهضة للانظمة العربية، خصوصاً الأحزاب الكردية في سوريا والعراق وتركيا، وآخرها كانت في الحرب السورية حيث اعتمدت فصائل المعارضة السورية في بدايات الثورة على تأمين السلاح عبر السوق اللبنانية بشكل مباشر.
لمحة عن تجارة الاسلحة
ورث تجار الأسلحة مهنتهم أباً عن جد، وشكّلوا شبكات متواصلة في ما بينهم من مختلف المناطق اللبنانية، وترابطوا مع تجار اقليميين لتسهيل عملهم وتعددت جنسياتهم: سوريون ومصريون وأتراك واردنيون، وعراقيون، واسرائيليون... الخ. يؤمّنون الاسلحة عبر شحنات، منها تدخل عبر البحر ومنها كان يدخل عبر اسرائيل. فيما الجزء الأكبر يدخل برّاً عبر سوريا، لكنّ المتغيّر الوحيد هو أسماء الزبائن والسماسرة وبعض العملاء.
في زمن السلم، يستقرّ السعر وتصبح التجارة متقطّعة والبيع بالمفرّق على الطلب. ويتمّ التركيز على تأمين قنوات البيع للحركات المناهضة للانظمة، وعلى الخلافات الداخلية، مما يساهم في رفع الاسعار وتكثيف عمليات التهريب.
أحزاب تساعد في تنمية تجارة السلاح تؤكد مصادر مطلعة لـ"نداء الوطن" أن أكبر التجار يقيمون في البقاع، بعلبك والهرمل وفي زحلة، وفي طرابلس، لديهم عملاء في المناطق الاخرى، ومصادرهم للاسلحة الفردية هي تركيا وصربيا والأردن عبر سوريا. فمن تركيا يتم استيراد المسدسات واسلحة الصيد، ومن صربيا الكلاشنيكوف، وذخائر المسدس 10.5 ملم عبر تركيا، فيما ذخائر المسدسات من عيار 9 ملم تأتي من الاردن عبر سوريا.
والأسلحة من نوع M16 وM4 وجعبة الغليل من اسرائيل والاردن، فيما تأتي الاسلحة المتوسطة والثقيلة من العراق ومن سوريا، بما فيها الـ"ار بي جي" وقذائفها والرشاشات الدفاعية والصواريخ الموجهة والقذائف الصاروخية.
وأكدت المصادر أن غالبية الأسلحة المتوسطة التي يتم بيعها في السوق أُدخلت من سوريا من قبل محازبين وقالت إنّ "الاسلحة حالياً تُستقدم من سوريا من قبل قياديي أحد الأحزاب الموالية للنظام السوري، وجزء منها صودر من عناصر "داعش" و"جبهة النصرة"، وفصائل المعارضة السورية. ولأن غالبيتها متضرّرة، يتم بيعها لتجار في البقاع يعيدون ترميمها وصيانتها وطلاءها في ورش مخصصة لهذه الغاية موزعة في بعلبك والهرمل، وواحدة في زحلة عائدة لأحد التجار".
الحماية الشخصية والنزاعات تزيد الطلب على السلاح لا يُخفي تاجر سلاح، ملقّب بـ"أبو عظم" ويمتهن بيع السلاح أباً عن جد، وهو معروف لدى القوى الأمنية والعسكرية، أنّه يمتهن هذه التجارة وأنه يقدّم للأجهزة الأمنية خدمات كبيرة، وغالباً ما كشفت شكوكه عن مجموعات ارهابية، ويقول: "هناك أنواع اسلحة وعبوات تضع طالبها تحت المجهر، وتعطينا إشارات".
وعن عودة بيع الأسلحة وشرائها، يقول: "في عملنا نعتمد على شحن الخطاب الطائفي، كلّما تصاعدت الوتيرة كلّما ارتفع منسوب الطلب على السلاح". ويضيف: "مع بداية ارتفاع سعر صرف الدولار، ودخول لبنان الازمة الاقتصادية، بدأ كثيرون ببيع القطع الفردية لحاجتهم الى المال، فجمع التجار هذه الاسلحة بأسعار متدنية. ولكن، مع تفاقم الازمة الاقتصادية والمصرفية وارتفاع منسوب البطالة وتصاعد معدّل الجريمة، ارتفعت نسبة الطلب على السلاح بهدف الحماية الشخصية، وحالياً نشهد طلباً قوياً من مجموعات حزبية تابعة لتيارات سياسية".
يُعيد أبو عظم أسباب ارتفاع الطلب على السلاح لسببين رئيسيين: "الأول، لجوء المواطن الى الحماية الذاتية، والثاني النزاعات الداخلية"، ليُضيف: "زبائننا الحاليون هم رجال اعمال ومواطنون يريدون حماية انفسهم من عمليات السلب والسرقة، لأن أموالهم اصبحت في حوزتهم، لذا تركيز الغالبية هو على المسدسات التركية لأن سعرها رخيص، بـ 200 و 300 دولار تجد مسدساً وهذا ما يشّجع الشباب على اقتنائه".
سماسرة مع التجّار
بدوره، يشرح عميل احد التجار وهو ملقّب بـ"هافال" ومتخصّص بالتواصل مع المجموعات الكردية والفصائل السورية المعارضة، كيفية حصوله على السلاح، فيقول: "أتعامل مع أكثر من تاجر، والثقة متبادلة لدينا، هم يؤمّنون الكمّيات الكبيرة الجديدة من الاسلحة على أنواعها الفردية والمتوسطة والثقيلة، عبر طرق غير شرعية يعتمدونها، منها عبر المرفأ، ومنها عبر الحدود البرّية مع سوريا، ونحن نؤمّن الزبائن عبر وسطاء (سماسرة)". ويتابع: "مطلع عام 2012، ومع بداية الحرب السورية الداخلية، كان عملنا مركّزاً على بيع الداخل السوري، فاعتمدنا على مسؤولين من أحد الأحزاب اللبنانية ومن الجيش السوري لإدخال كمّيات من شحنات الاسلحة الى المعارضة، واليوم نعتمد عليهم لإدخال الشحنات الى لبنان، وكثيراً ما كنّا نشتريها من النظام وأحد الاحزاب". ويتابع: "حالياً نشتري أسلحة كلّها مصادرة من الفصائل السورية، فيتم تأهيلها واعادة تجديدها ومن ثمّ بيعها في السوق اللبنانية".
طلب على المسدس التركي "لأنه رخيص" يستقوي "أبو الجريج"، أحد سماسرة السلاح في منطقة زحلة بقدرة التاجر الذي يعمل معه على التأثير عند القوى الامنية والعسكرية والقضائية وبغطائه السياسي من أحد التيارات السياسية في السلطة. ويقول إنّ عملهم يتطلّب منهم ان يكونوا أقوياء ونافذين: "العملة الوحيدة التي نتعامل بها هي الدولار، في مهنتنا لا مجال للعمل بالليرة ولا بالشيكات المصرفية كلّه نقدي وبالدولار، وممنوع الغلط، ممنوع بيع أي قطعة سلاح تركية على اساس أنها روسية او أميركية او بلجيكية، او هندية على اساس انها كورية، لذا ممنوع التعامل بالعملة المزيّفة".
ويشرح "أبو الجريج" أنّ أكثر الأسلحة المطلوبة هذه الأيام هي "السلاح الفردي، المسدّسات على أنواعها، كلاشنيكوف دائرة 11 وصاروخ، وباكالاي، ومن المتوسّط، قاذف وقذائف "ب 7" ورشاشات هجومية ودفاعية". ويشير الى أنّ "الأسعار انخفضت وعادت الى طبيعتها، بعد تراجع الأعمال العسكرية في سوريا، فما رفع الأسعار في لبنان والاردن وتركيا والعراق هو الطلب السوري عليها".
وعن عمليات عرض بضاعتهم، يعتبر "أبو الجريج" أن العمل "يحتاج الى شبكة واسعة من السماسرة والتجار، مهمّتها التحرّي عن الزبون الذي يريد شراء كمّيات ودخول صالات العرض، وكلّ تاجر لديه صالة عرض محدّدة المكان، لها مداخلها وسراديبها السرّية ويتمّ عرض كافة انواع الاسلحة فيها".
ويختم مستنداً الى قاعدة اساسية يعتمدها جميع تجار السلاح في العالم، وتقول: "إنّ علاقة التاجر جيدة مع الجميع، وعلى مسافة واحدة من المتنازعين، لأن الجميع يحتاجونه".