في أجواء تصعيد ومضاربات، تستمر الولايات المتحدة وإيران في تبادل الرسائل المبطنة حول إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وسط تقييمات متباينة لحجم الأضرار التي لحقت بالبنية النووية لطهران عقب الضربات الإسرائيلية - الأميركية الأخيرة، وتحذيرات متزايدة من جانب «الحرس الثوري الإيراني» باستخدام ترسانة صاروخية لم يكشف عنها بعد.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في خطاب ألقاه، مساء الخميس، في ولاية آيوا، إنّ «إيران تضررت بشدة من الضربات العسكرية، وأعتقد أنهم الآن يريدون فعلاً التفاوض». وأضاف: «ربما يريدون حتى عقد لقاء. أعتقد أنهم متحمسون جداً. وسنرى ما سيحدث».
وأكد ترمب أنّ البرنامج النووي الإيراني «دُمّر بالكامل»، مشيراً إلى أنّ «(وكالة الطاقة الذرية) أكدت ذلك أيضاً»، في إشارة إلى ما وصفه بتغير في لهجة طهران تجاه واشنطن وإسرائيل. وتابع: «إيران كانت من الأماكن التي يُقال فيها أسوأ الكلام عن أميركا. أما الآن، فلم يعودوا يتحدثون بذلك السوء».
وعن إمكانية تدخله المباشر في المحادثات، قال الرئيس الأميركي: «إذا تطلب الأمر، فسأتدخل. نحن لا نسعى إلى التصعيد، بل نريد منح إيران فرصة جديدة لتُعامل كدولة طبيعية».
«مضيعة للوقت» لا يحظى هذا التفاؤل في واشنطن بإجماع داخل الإدارة السابقة أو الأوساط السياسية المحافظة. وحذّر مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون من أن إيران «لا تزال تحتفظ بالمعرفة والنية اللازمة لإعادة بناء برنامجها النووي». وفي مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، اعتبر بولتون أنّ الضربات ضد موقع فوردو وغيره من المنشآت الإيرانية «حققت أضراراً هائلة»، لكنها «غير كافية».
وقال بولتون إنّ «التوقف المبكر للضربات أعطى فرصة لإيران لإعادة ترتيب صفوفها»، مضيفاً: «البرنامج النووي الإيراني لم يُستأصل من جذوره، والمعرفة النووية لا تزال بيد النظام في طهران».
وأردف بولتون: «لا يوجد أي مؤشر على أن النظام الإيراني مستعد للتخلي عن أحلامه النووية، وهذا ليس الوقت المناسب لعقد اتفاق نووي جديد»، مشيراً إلى أنّ «المطلوب مراقبة مستمرة واستعداد لضربات إضافية، إذا لزم الأمر». لكن في المقابل سيبدو من الصعب مراقبة الأنشطة النووية دون اتفاق نووي، والتزام فني وتقني مع الوكالة الدولية للطاقة للذرية. لكن بولتون قال إن الجهاز الأخير ليس مؤسسة استخبارات.
وتابع: «في عالم مثالي، يجب إزالة كل اليورانيوم الإيراني وتخزينه في مكان آمن مثلما حصل مع ليبيا، ولكن ما لم يتغير شيء في طهران، فإن الوصول إلى اتفاق شامل أمر مستحيل»، على حد تعبيره.
وكتب بولتون، وهو المغضوب عليه من ترمب: «لا يزال البعض يسعى تلقائياً نحو (الكأس المقدسة) المتمثلة في اتفاق نووي جديد مع إيران، وربما حتى داخل إدارة ترمب، حسب بعض التقارير. لكن هذه الجهود لا تعدو كونها مضيعة للوقت والأنفاس، لأن إيران تتحايل، ثم تتراجع».
وكانت إيران أبدت، الخميس، تمسّكها بمعاهدة حظر الانتشار النووي واتفاق الضمانات، رغم مصادقتها في اليوم السابق على قرار بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
«قدرات صاروخية» من جانبها، واصلت طهران استعراض قوتها العسكرية. وصرّح العميد علي فضلي، نائب مساعد الشؤون التنسيقية في «الحرس الثوري»، بأن لدى إيران «كثيراً من القدرات الصاروخية التي لم يتم الكشف عنها بعد»، محذراً من أن «أي حماقة من الأعداء ستُقابل برد أعنف وأكثر تدميراً».
وقال فضلي في تصريح للتلفزيون الإيراني الرسمي: «ما استخدم حتى الآن من قدراتنا الصاروخية لا يمثل إلا 25 إلى 30 في المائة من إمكاناتنا». وأضاف: «صاروخ (سجيل) غير متوقَّع في مساره، وغير مألوف للعدو. لم نفتح بعد أبواب مدن الصواريخ. قدراتنا الاستراتيجية لا تزال محفوظة».
ورغم حديثه عن الجهوزية العسكرية غير المسبوقة، شدَّد فضلي على أن إيران لا تسعى إلى امتلاك السلاح النووي، قائلاً: «نحن لا نريد صنع قنبلة نووية، وهذا نابع من مبادئنا العقائدية»، على حد قوله.
فعالية الضربة تواصل الضربة الأميركية - الإسرائيلية التي طالت منشآت رئيسية في إيران، بما في ذلك فوردو ونطنز، إثارة الجدل الحاد في الأوساط السياسية والاستخباراتية في واشنطن. ففي حين وصفها ترمب بأنها «نجاح كامل»، نقلت مصادر استخباراتية، بحسب تقارير أميركية، أن التأثير المحتمل على البرنامج النووي لا يتعدى بضعة أشهر من التأخير.
رئيس هيئة الأركان الأميركية دان كاين صرّح، في اليوم التالي للهجوم، قائلاً: «من المبكر جداً إصدار تقييم نهائي»، فيما يرى محللون أن مدى الضرر الفعلي سيتضح فقط بعد أسابيع من المراقبة الميدانية والتقنية.
وفي ظل هذا التباين، تشير تقارير إلى استعدادات جارية لاحتمال عقد جولة جديدة من المحادثات بين مبعوث أميركي رفيع ومسؤولين إيرانيين، بهدف إحياء قنوات الاتصال الدبلوماسية، وإن كان ذلك وسط حالة من الشك وانعدام الثقة المتبادل.
وقال ترمب إن المفاوض ستيف ويتكوف «شخص رائع ومفاوض ممتاز»، مضيفاً: «قام حتى الآن بعمل عظيم، وسيقوم بالمزيد».
لكن محللين يحذرون من أن الإيرانيين قد يعيدون استخدام أسلوبهم السابق في المماطلة عبر المفاوضات، في انتظار تغيّرات في المشهد السياسي الأميركي، كما حصل في الفترة التي سبقت اتفاق 2015.
وبينما يُظهر ترمب تفاؤلاً حذراً بإمكانية العودة إلى التفاوض، يبدي مستشارون سابقون وقادة عسكريون إيرانيون مواقف أكثر تشدداً، مما يعكس استمرار الشد والجذب بين الطرفين، في غياب اختراق حقيقي في المواقف الجوهرية.