الدولار يسجل أسوأ أداء منذ 1973.. ما الأسباب؟

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, July 1, 2025

منذ عقود، احتفظ الدولار الأميركي بمكانته كعملة الاحتياط الأولى في العالم، ورمز للقوة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة. لكن مع بداية عام 2025، بدأت هذه الصورة المتماسكة تتصدع، في ظل تقلبات حادة أثارت قلق الأسواق وأربكت التوقعات الاقتصادية.

تزامن هذا التحول اللافت مع سياسات اقتصادية وتجارية مثيرة للجدل تنتهجها الإدارة الأميركية، ما دفع كثيراً من المستثمرين إلى إعادة النظر في مدى الاعتماد على الدولار كملاذ آمن.

في الوقت نفسه، ظهرت بوادر تغيير في موازين القوى المالية العالمية، وسط منافسة متزايدة من عملات كبرى وأصول بديلة بدأت تستقطب الاهتمام.

هذا التراجع المفاجئ، الذي يُعد من بين الأسوأ في تاريخ الدولار الحديث، يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل العملة الأميركية، ومكانتها في النظام النقدي الدولي.

فما العوامل التي تقف وراء هذا الأداء الضعيف؟ وهل يُعد الأمر عارضاً أم مؤشراً على تحول أعمق في المشهد الاقتصادي العالمي؟

أسوأ أداء
يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إلى تسجيل الدولار أسوأ نصف عام منذ سنة 1973، في ظل دفع سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التجارية والاقتصادية المستثمرين العالميين إلى إعادة النظر في تعرضهم للعملة المهيمنة في العالم.

وانخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس قوة العملة مقابل سلة من ست عملات أخرى تشمل الجنيه الإسترليني واليورو والين، بأكثر من 10 بالمئة حتى الآن في عام 2025، وهي أسوأ بداية للعام منذ نهاية نظام بريتون وودز المدعوم بالذهب.

ونقلت الصحيفة عن استراتيجي العملات الأجنبية في بنك آي إن جي، فرانسيسكو بيسول، قوله: "لقد أصبح الدولار بمثابة كبش فداء لسياسات ترامب غير المتوقعة".

وأضاف أن حرب الرسوم الجمركية التي يشنها الرئيس الأميركي ، واحتياجات الاقتراض الهائلة في الولايات المتحدة، والمخاوف بشأن استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي، قوضت جاذبية الدولار كملاذ آمن للمستثمرين.

ويضع الانخفاض الحاد للدولار العملة الأميركية على مسار أسوأ نصف أول من العام منذ خسارته 15 بالمئة في عام 1973 وأضعف أداء لها على مدى أي فترة ستة أشهر منذ عام 2009.

وقد أدى انزلاق العملة إلى إرباك التوقعات واسعة النطاق في بداية العام بأن الحرب التجارية التي يشنها ترامب من شأنها أن تلحق ضررا أكبر بالاقتصادات خارج الولايات المتحدة في حين تعمل على تغذية التضخم الأميركي، مما يعزز العملة في مواجهة منافسيها.

أبرز الأسباب
من جانبه، يشير الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى مجموعة من الأسباب وراء أسوأ بداية للدولار في النصف الأول من العام منذ عام 1973، تتراوح نسبته بين 10 إلى 11 بالمئة، على النحو التالي:

- تزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي: تُقدّر الأسواق الآن تخفيضات أسعار الفائدة بما يصل إلى 137 نقطة أساس بحلول أوائل عام 2027، والتي قد تبدأ في وقت لاحق من هذا العام، مما يُقلل من جاذبية الدولار.

- الضغط السياسي يُضعف استقلالية الاحتياطي الفيدرالي :أثارت انتقادات ترامب اللاذعة لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وحديثه عن تعيين رئيس احتياطي "ظلي"، قلق المستثمرين، مما قوّض الثقة في السياسة النقدية الأمريكية.

- سياسات التجارة والمالية في عهد ترامب: تؤدي الرسوم الجمركية الصارمة، علاوة على (مشروع القانون الضخم الجميل)، والتهديدات بفرض رسوم جمركية أوسع، والارتفاع الهائل في الدين الأميركي، إلى ظهور اتجاه "بيع أميركا" بين المستثمرين الأجانب.

- إعادة توازن واسعة النطاق للمحافظ الاستثمارية من قبل المستثمرين العالميين: بدأت صناديق التقاعد/التأمين الأوروبية ومستثمرو البنوك المركزية الآسيوية بالتخارج من استثماراتهم في الدولار الأميركي وسندات الخزانة الأميركية.

- تحول أوسع نحو الأصول غير الأميركية: مع النمو القوي في الصين والتيسير المالي في ألمانيا، يتجه المستثمرون نحو الأسهم الأوروبية، والتكنولوجيا الصينية، والسلع، والذهب - مما يُضعف الدولار.

- تراجع الملاذات الآمنة الجيوسياسية: على الرغم من التوترات في الشرق الأوسط، انخفض الطلب على الدولار وسندات الخزانة الأميركية، حيث فضّل المستثمرون الأسهم والسلع بدلاً منها.


ويتوقع الرفاعي بأنه على المدى القريب قد يظل الدولار تحت الضغط إذا استمر الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، وإذا استمر ترامب في اتباع سياسات تيسيرية، وكذلك إذا استمر عدم الوضوح المبكر بشأن قيادة الاحتياطي الفيدرالي.

بينما على المتوسط حتى نهاية العام، فيحذر بعض المحللين من أن الدولار قد يخسر 10 بالمئة أخرى قبل أن يصل إلى قيمة عادلة قريبة من مستويات تعادل القوة الشرائية.

ومع ذلك، بحسب الرفاعي، إذا جاءت البيانات الاقتصادية الأميركية إيجابية بشكل مفاجئ أو عاد خطاب الاحتياطي الفيدرالي المتشدد، فقد ينتعش الدولار.

ويشدد على أنه "لا يزال هروب رؤوس الأموال الأجنبية يهدد وضع الدولار كاحتياطي".

ويختتم حديثه قائلا: على عكس عام 2024، عندما صمد الدولار، يتوقع معظم الاقتصاديين الآن ضعفًا للدولار حتى نهاية العام - ربما بنسبة 5-10 بالمئة أخرى ما لم تطرأ تغييرات جوهرية على السياسة النقدية الأميركية.

رابحون آخرون
في السياق، نقل تقرير لرويترز عن آمو ساهوتا، المدير التنفيذي لشركة كلاريتي إف إكس للاستشارات في سوق الصرف الأجنبي في سان فرانسيسكو، قوله: "شهد الدولار تراجعًا في قيمته.. لقد دخلنا منتصف العام، وكان الرابحون الأكبر هم الكرونة السويدية، والفرنك السويسري، واليورو.. لكن حظوظ اليورو تبدلت بعد أن أعلنت منطقة اليورو عن مشروع قانون إنفاق ضخم".

وقال يوجين إبستاين، رئيس هيكلة أميركا الشمالية لدى موني كورب في نيوجيرسي: "لدينا دولار ضعيف بسبب زيادة كبيرة محتملة في عجز ميزانيتنا، وهناك حالة من عدم اليقين المستمر حول صفقات التعريفات الجمركية".

وأضاف إبستاين: "إنها أشبه بلعبة كراسي موسيقية، سواءً تعلق الأمر بمشروع القانون الضخم، أو صفقات التجارة، ثم الصراع الإيراني الإسرائيلي. الأمر أشبه بتناوب الأدوار على مركز الصدارة؛ فبمجرد أن يمرّ أمرٌ ما، يُركّز على أمرٍ آخر"، في إشارة إلى العوامل المتتابعة التي تؤثر على استقرار العملة الأميركية.

أداء سلبي
من جانبها، تقول خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:

- الدولار الأميركي يشهد حالياً أحد أسوأ أداءاته مقارنة بالعملات العالمية.
- السياسات الجمركية التي يفرضها الرئيس دونالد ترامب على عدد من الدول تسهم في تصاعد معدلات التضخم داخل الولايات المتحدة.
- تلك السياسات وضعت ضغوطاً متزايدة على مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ما قد يدفعه إلى التفكير في خفض أسعار الفائدة، وهو ما ينعكس سلباً على أداء سندات الخزانة الأميركية، سواء على المدى القصير أو الطويل.

وتتابع: "نشهد حالياً منافسة محتدمة بين الدولار من جهة، واليوان واليورو من جهة أخرى، في الوقت الذي باتت فيه العديد من الدول تنظر إلى العملات الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين، باعتبارها أدوات استثمارية واعدة تحقق عوائد مجزية في المستقبل".

وتوضح رمسيس أن الذهب لا يزال يحتفظ بجاذبيته كملاذ آمن، لا سيما في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وغموض المشهد العالمي، إلى جانب فشل الاتفاقات في تحقيق تهدئة دائمة للنزاعات القائمة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تُعد من أكثر المناطق تأثراً بالأزمات.

وتضيف:

"رغم تلك التحديات، لا يزال الدولار يحافظ على مكانته العالمية، لكن أي تحوّل جوهري قد يهدد عرشه".

- "ترامب يُلوّح باستخدام سلطات اقتصادية قوية، تشمل فرض عقوبات ورسوم جمركية مرتفعة ضد أي محاولة لمنافسة الدولار".
- ظهر ذلك جلياً في موقفه من عملة بريكس، حيث حذّر من عقوبات على الدول المشاركة، لا سيما الصين وروسيا".
- "التحدي الأكبر أمام الدولار هو التحول الفعلي في التكتلات الاقتصادية. فلو نجح الاتحاد الأوروبي في تحقيق انتعاش اقتصادي وتخفيف التزاماته تجاه أوكرانيا، قد نشهد صعوداً لافتاً لليورو.
- أما اليوان، فيمتلك فرصة كبيرة لتجاوز الدولار، شريطة أن تُبرم اتفاقيات اقتصادية تُحقق مصالح مشتركة بين بكين وواشنطن".

وتختتم خبيرة أسواق المال تصريحاتها بالإشارة إلى أن "الدولار يظل مستنداً إلى قوته السياسية أكثر من الاقتصادية، وهذه الهيمنة السياسية هي ما تحفظ له صدارته في النظام المالي العالمي".


سكاي نيوز عربية