آسيا تايمز- روسيا تعود إلى أفريقيا.. بوتين يقتحم ساحات النفوذ الأميركي والصيني
شارك هذا الخبر
Friday, June 27, 2025
تناول يانوش بيشينيو، أستاذ مشارك في جامعة أوبودا المجرية، تحركات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإحياء العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع الدول الأفريقية التي كانت حليفة للاتحاد السوفيتي السابق، في خطوة تهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ العالمي ومنافسة كل من الولايات المتحدة والصين في القارة السمراء.
وقال الكاتب في مقاله بموقع "آسيا تايمز" إن روسيا لم تمتلك مستعمرات في أفريقيا، ولم تشارك في "سباق اقتسام القارة"، لكنها بدأت بالتواصل مع بعض دولها منذ القرن التاسع عشر، مثل دعم إثيوبيا عام 1869 ضد النفوذ البريطاني.
بدء العلاقات خلال الحرب الباردة وأضاف الكاتب أن العلاقات الفعلية بدأت مع اندلاع الحرب الباردة عام 1947، عندما شرعت موسكو في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول أفريقية بهدف موازنة نفوذ خصومها، وعلى رأسهم واشنطن.
وأوضح الكاتب أن تلك الفترة شهدت دعماً واسع النطاق من الاتحاد السوفيتي لحركات التحرر الأفريقية، شمل المساعدة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والتعليمية، ونتج عن ذلك أن العديد من الشباب الأفارقة تلقوا تعليمهم في موسكو.
لكن هذا النفوذ تراجع بشكل كبير خلال فترة حكم بوريس يلتسين في التسعينيات، حيث أُغلقت 9 سفارات وثلاث قنصليات، كما توقفت برامج المساعدات وتم تقليص الوجود الثقافي والدبلوماسي الروسي في القارة.
ولفت الكاتب النظر إلى أن هذا الوضع تغير جذرياً مع وصول بوتين إلى السلطة عام 1999، فمنذ ذلك الحين، تعمل روسيا على استعادة نفوذها في أفريقيا، ليس عبر الروابط التاريخية فحسب، بل عبر استراتيجية جديدة قائمة على بناء تحالفات سياسية وتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول، على عكس سياسات الغرب.
وأوضح الكاتب أن روسيا تقدم نفسها كخيار استراتيجي ثالث أمام الدول الأفريقية، بعيداً عن الهيمنة الغربية والاقتصاد الصيني.
وتتركز الأنشطة الروسية في ثلاثة مجالات رئيسة: أولاً: المصالح الاقتصادية تسعى موسكو إلى استغلال موارد الطاقة في القارة، عبر استثمارات كبيرة في حقول النفط والغاز في الجزائر وليبيا ونيجيريا وغانا وساحل العاج ومصر.
كما تهتم روسيا بالمعادن الاستراتيجية، وعلى رأسها اليورانيوم، وتشارك في مشاريع إنتاج الألومنيوم وبناء محطات الطاقة الكهرومائية والنووية في دول مثل أنغولا وناميبيا ونيجيريا والجزائر.
ثانياً: المصالح الدفاعية قال الكاتب إن روسيا تحتفظ بموقع تقليدي راسخ كأحد أبرز مورّدي السلاح في القارة الأفريقية منذ عقود. ففي حقبة الحرب الباردة، زوّدت موسكو العديد من حركات التحرر الوطني والدول الأفريقية بأسلحة ومعدات عسكرية، ومن أبرزها أنغولا، موزمبيق، زيمبابوي، زامبيا وغينيا.
استمر هذا التوجه في الحقبة المعاصرة، حيث عقدت روسيا صفقات تسليحية مهمة مع دول مثل الجزائر وأنغولا، بالإضافة إلى تعاونها العسكري مع مصر، والسودان، وتنزانيا، ومالي، وليبيا، وغيرها من الدول.
وذكر الكاتب أن النفوذ الدفاعي الروسي لا يقتصر على بيع الأسلحة، بل يشمل كذلك تقديم التدريب العسكري والدعم الفني، وأحياناً إشراك عناصر من الشركات الأمنية الخاصة المرتبطة بموسكو.
وهذه العلاقات الدفاعية تمثل جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الروسية لاكتساب النفوذ السياسي، خاصة أن موسكو لا تربط تعاونها العسكري بشروط سياسية أو مطالب إصلاحية، مما يجعلها شريكاً مفضلاً لدى عدد من الأنظمة الأفريقية التي تبحث عن دعم عسكري دون تدخل خارجي في شؤونها الداخلية.
ثالثاً: المساعدات وأشار الكاتب إلى أن موسكو تقدم مساعدات سنوية تصل إلى نحو 400 مليون دولار، يذهب 60% منها عبر منظمات دولية مثل برنامج الغذاء العالمي ومفوضية اللاجئين، بينما تُوزّع النسبة المتبقية ضمن اتفاقات ثنائية تشمل مجالات التعليم والصحة والطاقة والزراعة.
جبهة منافسة جديدة واختتم الكاتب مقاله بالتحذير من أن استمرار تقدم روسيا في أفريقيا قد يؤدي إلى تصادم مصالحها مع الولايات المتحدة أو الصين، أو كلتيهما، ما قد يفتح جبهة جديدة من التنافس الجيوسياسي على أرض القارة.
ورأى الكاتب أن روسيا، رغم تقدمها، لا تزال أقل نفوذاً من منافسيها، لكنها تمضي بخطى ثابتة نحو ترسيخ وجودها بوصفها لاعب رئيس في مستقبل القارة السمراء.