مفاجأة حركة المطار: انتعاشة سياحيّة وعودة نازحي الحرب
شارك هذا الخبر
Friday, June 27, 2025
جاءت أرقام مطار بيروت، لغاية شهر أيّار من العام الحالي، مخالفةً لمعظم التوقّعات. إذ رغم هشاشة وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، واستمرار الخروقات الإسرائيليّة، فضلاً عن التوتّرات الإقليميّة المستمرّة منذ بداية العام، حقّق المطار أفضل نتائج له منذ الفصل الأخير من العام 2023. وخلال شهر أيّار بالتحديد، ارتفعت حركة الوافدين بشكلٍ لافت، مقارنة بأعداد المغادرين، وهو ما أشّر إلى بدايات حركة الاصطياف في ذلك الشهر، فضلاً عن عودة جزء من المغادرين سابقًا. وفي جميع الحالات، يبدو أنّ آخر موجات الهجرة إلى الخارج، غذّت لبنان بشريحة واسعة من المغتربين الذين لم يفقدوا بعد اتّصالهم بعائلاتهم، وهو ما يمثّل مصدراً مستقراً للحركة السياحيّة المحليّة.
أرقام الأشهر الخمسة الأولى تبيّن أرقام مطار بيروت أنّ الحركة الإجماليّة، للوافدين والمغادرين معاً، تجاوزت 2.41 مليون مسافر لغاية شهر أيّار الماضي، أي خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة. وهذا ما شكّل زيادة نسبتها 5.18%، مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي. وبهذا الشكل، يبدو أنّ الظروف الأمنيّة الراهنة، رغم جميع التوتّرات، باتت أكثر جاذبيّة من الفصل الأوّل من العام الماضي، الذي كان يشهد في تلك المرحلة استمرار المواجهات -المضبوطة الإيقاع قبل توسّع الحرب- في جنوب لبنان.
النقطة الأهم التي ينبغي الالتفات إليها هنا، هي ارتفاع أعداد الوافدين إلى المطار إلى حدود 1.26 مليون مسافر، مقارنة بنحو 1.14 مليون مغادر فقط. يعني ذلك أنّ ثمّة فارق قدره 113 ألف مسافر، ما بين أعداد المغادرين والوافدين، لمصلحة الوافدين. وهذا ما يعاكس تماماً الحركة التي سجّلها مطار بيروت خلال العام الماضي، والتي طغت فيها بشكلٍ كبير أعداد المغادرين على أعداد الوافدين.
التفسير المنطقي الوحيد هنا، يتمثّل في عودة العائلات التي نزحت خلال الحرب الأخيرة، بعد دخول البلاد في مرحلة وقف إطلاق النار. مع الإشارة إلى أنّ لبنان شهد مغادرة 178 ألف شخص باتجاه واحد، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، من دون الأخذ بالاعتبار أعداد المهاجرين خلال الفصل الأخير من السنة. وبهذا الشكل، يكون من الطبيعي أن يشهد المطار حركة وفود طاغية، بعد انتهاء أسباب الهجرة السابقة.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنّ أرقام العام الحالي، لغاية شهر أيار، تشكّل أفضل نتائج يحققها لبنان على هذا المستوى، مقارنة بالفترات المماثلة من السنوات الستّ الماضية (باستثناء العام 2023). ولغرض المقارنة، يمكن القول أن أعداد الوافدين إلى مطار بيروت هذه السنة خلال أوّل خمسة أشهر، تقارب حدود 2.54 أضعاف مثيلتها خلال العام 2021، الذي شهد استمرار تأثيرات تفشّي وباء كورونا. كما توازي زيادة بنسبة 31 بالمئة، مقارنة بالعام 2022 مثلاً، الذي شهد وقتها بدايات التعافي السياحي من تداعيات تفشّي الوباء.
أرقام شهر أيّار قراءة أرقام شهر أيّار وحده لا تقل أهميّة. فحركة الوافدين خلال هذا الشهر بالذات ارتفعت بنسبة 5.85 بالمئة، قياساً بالشهر السابق، وبنسبة 12 بالمئة، قياساً بالفترة المماثلة من العام السابق. وفي النتيجة، استقبل لبنان خلال هذا الشهر 300 ألف وافد، مقارنة بنحو 260 ألف مغادر فقط. ما يعني أنّ أعداد الوافدين فاقت أعداد المغادرين بنحو 40 ألف مسافر خلال شهر أيار وحده. أمّا حركة المطار الإجماليّة، فواظبت على التحسّن، لترتفع بنسبة 10.5 بالمئة، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، لتسجّل حدود 560 ألف مسافر خلال شهر واحد فقط. وفي المحصلة، تجاوزت نسبة التحسّن في حركة المطار خلال شهر أيّار مثيلتها بالنسبة للأشهر الخمسة الأولى من السنة كلها، ما يعكس الزيادة في نسبة التحسّن بمرور كل شهر.
يمكن العثور على تفسيرين لهذا التحوّل خلال شهر أيار بالتحديد. إذ شهد هذا الشهر أولى طلائع حركة الاصطياف، التي عادةً ما تبدأ بشكلٍ جدّي خلال شهر حزيران اللاحق. وفي الوقت نفسه، مع مرور الأشهر بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، تسارعت وتيرة حركة العودة، من قبل العائلات التي نزحت سابقاً خلال الحرب، وهو أدّى إلى ارتفاع أعداد الوافدين خلال شهر أيّار مقارنة بالشهر السابق نيسان. وعلى أي حال، من المفترض أن تبيّن أرقام حزيران، التي ستصدر لاحقاً، تأثير التصعيد الإقليمي الذي حصل خلال هذا الشهر على حركة السياحة والعودة إلى لبنان.
رغم كل هذه المؤشّرات الإيجابيّة، ظهر مؤشّر سلبي هذه السنة، من خلال تراجع حركة ترانزيت الركّاب بنسبة 73 بالمئة، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، لتقتصر على 565 راكباً. أمّا خلال شهر أيّار وحده، فلم يعبر من خلال المطار سوى 82 راكب ترانزيت، ما شكّل تراجعاً بنسبة 79 بالمئة مقارنة بشهر أيّار من العام الماضي. وبهذا الشكل، بدا أن معظم شركات الطيران العالميّة باتت تفضّل تفادي اعتماد مطار بيروت كمحطّة ترانزيت، تجنباً للمخاطر الجيوسياسيّة المرتبطة بالوضع الإقليمي المتوتّر.