لا ايديولوجيا ولا تكنولوجيا. في اختصار، المسألة تكمن، ببساطة، في النفط والغاز وخيرات الأرض ومعادنها، إن في إيران وإن في أوكرانيا، وإن في أيّ بقعة من جغرافيا هذا العالم. تغرق الشعوب اليوم في حروب مدمّرة تحت عناوين وشعارات وجودية ومبدئية، لتصل في ختامها إلى تسويات مبهمة الخلفية والمضمون،لا تشبه بداياتها. فيما يتم إلهاء الشعوب بانتصارات وهزائم واحتفالات، لا ترى مهزومًا ولا تظهّر مأزومًا، فيما المنتصرون الحقيقيون، غالبًا، هم أولئك الجالسون خلف شاشات التحكم في موارد الأرض. وها إنّ العالم يقف في الحيرة، ولا يعرف ماذا جرى في حرب الإثني عشر يومًا ، بين إيران والولايات المتحدة ، والتي ألهبت المنطقة والعالم، فيما يكتنف الهدنة أو وقف إطلاق النار غموض فريد من نوعه.
وقف العمليّات الحربيّة كان أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر منصّات التواصل الاجتماعي، في سابقة غير مألوفة لم تشهدها نهاية الحروب. وفي حين أنّه أكّد تدمير المنشآت الإيرانيّة، أثار تقرير بثّته محطّة CNN نقلًا عن جهاز الاستخبارات الأميركية CIA البلبلة، حين أكّد أنّ الضربات الجوّية الأميركيّة ألحقت أضرارًا بمنشآت إيران النووية، لكنّها لم تدمّرها بالكامل وأخّرت تقدّمها بضعة أشهر فقط.
إذاً وقف إطلاق النار طرح أسئلة من دون أجوبة واضحة حتّى الآن: هل هي مجرّد هدنة أم نهاية للحرب، أم ترتيب قد يفضي إلى تنفيذ ما يخطّط له الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟
في المسألة الأوكرانية، ترامب أعلنها صراحة: إنّه يريد المعادن النادرة الموجودة في باطن الأرض الأوكرانية. أمّا في ما يتعلّق بإيران فهو لم يبدِ صراحة موقفه من أيّ اتفاق يستفيد خلاله من خيرات هذا البلد، وفي مقدّمها الغاز، مركّزًا في المقابل على قضية تخصيب اليورانيوم ومآلها.
والسؤال الكبير الممكن طرحه اليوم هو: ماذا يقدّم أو يؤخّر إمتلاك إيران للنووي بالنسبة للدول ولا سيما الممتلكة لهذا السلاح الجهنمي والرادع في آن. ماذا ستفعل إيران إذا امتلكت سلاحًا نوويًا بل ماذا تستطيع أن تفعل؟ إنّ الأطر الدولية التي يتم السعي إلى إعادة رسمها في المنطقة والعالم تسعى إلى تقزيم إمكانات إيران النووية فتنضمّ عندها إلى أسطول الدول النووية التي ستنخرط في اتفاقات ابراهام.
وفي قراءة لبنانية مستوحاة من ثقافة المحاصصة يقول أحد الظرفاء إنّ السلاح النووي بات مقسومًا طائفيًا على جميع أديان كوكب الأرض من بروتستنانت أميركا، إلى أورثوذكس روسيا، إلى كاثوليك فرنسا، وانجليكانيي بريطانيا، وصولًا إلى سنة باكستان ويهود إسرائيل وإلى الجنس الأصفر والبوذيين وأديان الصين وكوريا الشمالية والهند في حين أنّ المفاوضات القائمة اليوم تدور حول السلاح النووي للشيعة. ويرى صديقنا نفسه في مسألة النووي قميص عثمان لتبرير الدفاع والهجوم ما يجعل العالم دومًا على حافة بركان.
ويبقى السؤال الآني: هل إنّ التفاوض يتم على السلاح أم أنّ وراء الأكمّة ما وراءها؟ في زمن الذكاء الاصطناعي والتلاعب التكنولوجي بالوقائع والأحداث تشيع المواقف الرنّانة دهشة العالم. وليس شكر ترامب لإيران إخطار أميركا بالهجوم ما سمح بتفادي الخسائر البشرية، سوى نموذجٍ بسيط عمّا تشهده الساحة من مسرحة للوقائع، من شأنها أن تبعد الجماهير عن لبّ المسألة. وفي هذا السياق، عودة إلى صديقنا الظريف الذي قال إنّ جائزة الأوسكار سوف يستحقها أربعة زعماء، كلٌّ في دور تمثيلي مدروس، على مسرح صراعات لا تزال تُدار لا بالأسلحة فقط، بل بالثروات المخفية، تحت الأرض وفوقها.