“الحزب” وأوهام انتصاراته التي لا تنقطع- بقلم أيمن جزيني
شارك هذا الخبر
Friday, June 27, 2025
دعا “الحزب” في الأيّام الماضية إلى الاحتفال بانتصار إيران على الشيطانَين الأكبر (أميركا) والأصغر (إسرائيل) على مقربة من سفارة إيران في بيروت، وفي النبطيّة على مبعدة عنها… فماذا خلّف الاحتفال بالنصر؟
بينما تسعى الدولة اللبنانية في أربع جهات العالم إلى جمع كلفة إعمار ما تمّ تدميره في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، يمضي “الحزب” قدماً في حرب “الإسناد”، لكن على جبهة جديدة هذه المرّة، غير مقاتل وإنّما محتفل بنصر إيران “الإلهي” و”المقدّس” طبعاً، وكأنّ حرباً لم تقع، وكأنّ دماراً لا يقيم بين ظهرانينا، وكأنّ أرضاً لبنانيّةً كانت محرّرةً قبل المغامرة الأخيرة لم تُحتلّ. هذا لا يهمّ. لم يكن مهمّاً أو في صلب حسابات “الحزب” قبل فتحه جبهة الإسناد والمشاغلة دعماً لحركة “حماس” في غزّة، ولن يكون مهمّاً وهو يفتح جبهة إسناد لإيران محتفلاً بنصرها الذي لا سبيل إلى ترجمته على أرض الواقع، لا في المنطقة عموماً ولا في لبنان خصوصاً.
صدمة ما بعد الهزيمة؟
لم تنحصر مظاهر الاحتفال بـ”النصر الإيرانيّ” في بيان يصدره “الحزب” مهنّئاً ومباركاً، وإنّما تعدّته إلى نزول إلى الشوارع والاحتشاد أمام السفارة الإيرانية في بيروت، وفي النبطية في جنوب لبنان. مئات الحزبيّين والمناصرين احتشدوا في المكانين “منتصرين” على الرغم من الدمار العميم، وعلى الرغم من أنّ الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية لم تُذكر فيها غزّة ولا الأسرى والدمار الذي حصل في لبنان.
في الاحتفال قرب السفارة وقف رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” محمد رعد معلناً بالفم الملآن: “إيران قوّة ردع إقليمية في المنطقة، شاء من شاء وأبى من أبى. وقد أثبتت ذلك بصمودها وثباتها وليّ ذراع العدوّ الغاشم الذي أراد فرض هيمنته على كلّ المنطقة”. أمّا في النبطية، فوقف زميله علي فيّاض خطيباً في المنتصرين الملتفّين حوله ليعلن سقوط أوهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإعادة هندسة الشرق الأوسط من دون مقاومة.
ما سبق ليس ترجمةً لما حدث فعليّاً خلال الأيّام الاثني عشر الشهيرة، وهي عمر الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية، وإنّما إنكار واضح لا لبس فيه يقول بالفم الملآن إنّ “الحزب” لم يقرأ بعد تجربة الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ولا استخلص منها عبراً أو استنتج دروساً تنفع في المستقبل. فسلوكه وخطابه منذ إعلان وقف إطلاق النار في لبنان من جهة واحدة، هي جهة “الحزب”، يفصحان عن حالة إنكار شديدة وبادية للعيان. إذ لا ينفكّ الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم عن التذكير بانتصاره على إسرائيل في كلّ إطلالة له وحتّى من دون أن يطلّ على جموع “المنتصرين”.
بيانات “الحزب” منذ سريان اتّفاق وقف إطلاق النار عليه حصراً، ملأى بالانتصارات ويكاد المرء لا يحظى فيها ولو بحفنة من ركام أو أثر لدمار. الانتصار تمّ، يقول “الحزب” بألسنة كثيرة، ومن المستحسن غضّ الطرف عمّا يُسمّى دماراً وضحايا ريثما يجد “الحزب” لهما اسماً آخر يليق بالنصر وينسجم مع خطابه.
اكتموا أنفاسكم… الحرب مستمرّة
الآن ليس وقت تقويم الأضرار. الآن وقت تقويم الفوائد والأرباح. “الحزب” انتصر في لبنان، و”حماس” انتصرت في غزّة، وإيران انتصرت في إيران وفي كلّ مكان. وعليه كما قال نائبا “الحزب”: إيران قوّة ردع إقليمية، والشرق الأوسط لن يكون بلا مقاومة. أمّا الحجج والبراهين وأدلّة النصر، فعلى المهزومين البحث عنها ثمّ إعلانها. وحتّى ذلك الوقت لا يخاطبنّ أحد “الحزب” بمعزل عمّا سبق، فمن دونه لا ميثاقيّة لكلام ولا إجماع على موقف أو قرار أو سياسة أو حتّى دولة.
الحرب قائمة بالنسبة لـ”الحزب” حتّى تحرير القدس والانتصار على الشيطانَيْن الأكبر والأصغر، وما جرى لا يتعدّى كونه معارك لم ولن تنتهي إلّا بنصر. فالموت عند “الحزب” نصر، والحياة نصر، والهزيمة نصر، والدمار نصر… الهزيمة تتمثّل في عدم الاحتفال بالنصر فقط لا غير، ولا تعريفَ آخر لها.
حتّى إنّ إعلان الحرب نصر، و”الحزب” قام قبل عقود أربعة على إعلان الحرب، ولا مبرّر لوجوده من دونه. وعلينا أن ندرك نحن اللبنانيّين أنّنا خرجنا من ساح المعركة إلى فضاء الحرب، وخفتت أصوات المدافع والصواريخ ليعلو صوت النصر والمحتفلين به. اليوم نصرٌ وغداً… نصر جديد… هكذا حتّى نُباد عن بكرة أبينا فلا يبقى نصر ولا منتصر ولا محتفل بالنصر.
حرب الدّفاع عن النّصر
من الآن حتّى النصر المقبل، “الحزب” منتصر. وعليه، لا سلاح ولا حصر للسلاح في يد الدولة، وحتّى لا دولة. الحرب قائمة والنصر مقبل وما شهدناه ليس سوى معركة. إيران ما زالت قوّة إقليمية، وإسرائيل “أوهن من بيت العنكبوت”، وأمّا نحن اللبنانيّين فمفرقعات ناريّة للاحتفال بالنصر في أحسن الأحوال، ووقود للمعارك في أسوئها.
هذه هي الترجمة الحرفيّة لاحتفال “الحزب” بانتصار إيران على الشيطانَين، الأكبر أميركا والأصغر إسرائيل، وإلّا فأين يُصرف النصر الإيراني إن لم يُصرف هكذا؟
سريعاً ترجم “الحزب” مجريات الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية. فبينما كانت الحرب تلك مشتعلةً، وصل إلى بيروت الموفد الرئاسي الأميركي إلى سوريا توماس بارّاك. كثرت التكهّنات والتسريبات والتأويلات التي تناولت الزيارة، لكنّ الثابت الوحيد فيها أنّ الجانب اللبناني طالب الموفد الأميركي بانسحاب إسرائيل من التلال الخمس ووعد خيراً. هذا الخبر لم يطِب لـ”الحزب” الذي سرعان ما أبطل مفاعيل الزيارة وحيثيّات الطلب برفعه شعارات ولافتات في مناطقه تحمل صور رموزه اللبنانية والإقليمية من أمنائه العامّين السابقين والحالي إلى الوليّ الفقيه الإيراني، تقول علناً: “اليد التي تمتدّ إلى سلاحنا تُقطَع”، و”رهن إشارة إصبع قدميك! جاهزون نحن يا قدس قادمون”، وغيرها من “أدبيّاته”. وما سبق ليس سوى دليل إضافي على انفصال “الحزب” عن الواقع والتحاقه بركب النصر المزعوم.
بانتصاراته التي لا تنقطع يقطع “الحزب” عن لبنان كلّ أمل في بناء دولة، وكلّ حلم بمستقبل خالٍ من السلاح والقتل والالتحاق بمحاور وجبهات والانضمام إلى أحلاف. يقطع أيضاً كلّ بصيص نور يلوح في أفق اللبنانيّين.
قبل الحرب الإسرائيلية – الإيرانية أدخلنا “الحزب” في حرب مع إسرائيل وكان لتوّه قد خرج من حرب في سوريا، وخلال الحرب زجّ بنا في أتون حرب إسناد ومشاغلة كرمى لعينَي الجمهورية الإسلامية في إيران، لولا دخول الرئيس نبيه برّي على الخطّ.
أمّا الآن فيدعونا علناً إلى حربه المقبلة، حرب الدفاع عن انتصار إيران. فالنصر لـ”الحزب” حربٌ بأسلحة من نوع آخر، أشدّ فتكاً وأسرع تدميراً.