الأميركيون منقسمون: ماذا حصل في إيران؟- بقلم موفق حرب
شارك هذا الخبر
Friday, June 27, 2025
في أعقاب القصف الأميركي لمنشآت نوويّة إيرانية، اندلع جدل داخل الولايات المتّحدة في مدى فعّاليّة الضربات في وقف أو تعطيل طموحات إيران النووية. القرار، الذي قاده الرئيس دونالد ترامب، لم يرفع من وتيرة التوتّر في الشرق الأوسط فحسب، بل كشف أيضاً عن انقسامات حزبيّة عميقة في السياسة الخارجية الأميركية.
يقول منتقدو الاتّفاق النووي لعام 2015 (خطّة العمل الشاملة المشتركة) إنّ الاتّفاق كان أداة أكثر فعّالية لتأخير البرنامج النووي الإيراني مقارنة بالقصف، بينما يدافع مؤيّدو الضربات عنها بأنّها ضربة حاسمة.
استهدفت الضربات الأميركية ثلاثة مواقع نووية إيرانية، زعمت إدارة ترامب أنّها تستضيف “برنامجاً لتطوير أسلحة نووية”. لكنّ وكالات الاستخبارات الأميركية تشكّكت في هذه الادّعاءات، مشيرة إلى عدم وجود إشارات إلى أنّ طهران بدأت فعليّاً العمل على تطوير قنبلة نووية، وهو ما يغذّي التشكّك في ضرورة الضربات وتأثيرها.
يجادل مؤيّدو القصف، ومعظمهم من الحزب الجمهوري، في أنّ الضربات عطّلت قدرة إيران على إنتاج موادّ نووية صالحة للأسلحة، مستشهدين بتقارير تفيد بأنّ إيران كانت قادرة بحلول أواخر 2024 على إنتاج ما يكفي من الموادّ الانشطارية لـ5-6 قنابل في غضون أسبوعين. ويعتبرون العمليّة خطوة جريئة لإعادة تأكيد سطوة الولايات المتّحدة وردع طموحات إيران النووية.
نتائج الضّربات عكسيّة!
في المقابل، يرى المنتقدون، بمن في ذلك العديد من الديمقراطيّين ومحلّلون مستقلّون، أنّ الضربات ربّما كانت عكسيّة. فالبنية التحتيّة النووية الإيرانية محصّنة بشدّة، غالباً مدفونة تحت الأرض، وهو ما يجعلها مقاوِمة للقنابل التقليدية. وتشير تقارير إلى أنّه على الرغم من تضرّر بعض المنشآت، لا تزال سليمةً المعرفةُ النوويّة الإيرانية وقدراتها على الطرد المركزي، وهذا ما قد يتيح إعادة بناء برنامجها بسرعة.
علاوة على ذلك، عزّزت الضربات من موقف المتشدّدين في إيران، الذين تعهّدوا بالردّ ووسّعوا قائمة “الأهداف المشروعة” للردّ العسكري. يجادل المنتقدون في أنّ القصف لم يفشل في القضاء على التهديد النووي فقط، بل يخاطر بالتصعيد نحو صراع إقليمي أوسع، مع قرار ترامب الذي يدفع الولايات المتّحدة نحو تغيير النظام أو حرب طويلة الأمد.
يشكّل محوراً مركزيّاً في الجدل الرأيُ القائلُ إنّ خطّة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 كانت أكثر فعّالية في تأخير طموحات إيران النووية من الضربات العسكرية. الاتّفاق، الذي وقّع عليه الرئيس باراك أوباما، فرض قيوداً على تخصيب اليورانيوم في إيران وأخضعها لتفتيش صارم، فأطال بشكل كبير “وقت الاختراق” اللازم لإيران لإنتاج سلاح نووي.
يقول مؤيّدو الاتّفاق إنّه على الرغم من عيوبه، عزّز الدبلوماسية وكبح البرنامج النووي الإيراني من دون تصعيد عسكري. وقلّص مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب وحدّ من أجهزتها للطرد المركزي، وهي إنجازات لم تكرّرها الضربات.
يجادل منتقدو الضربات في أنّ إعادة الانخراط في الدبلوماسية، حتّى بعد القصف، كان من الممكن أن تستغلّ نقاط ضعف إيران الاقتصادية لانتزاع تنازلات، كما فعل الاتّفاق. وبدلاً من ذلك، فكّك القصف الإطار الدبلوماسي، دافعاً إيران أقرب إلى القدرة النووية ومُنفّراً الحلفاء الذين دعموا الاتّفاق، مثل الاتّحاد الأوروبي.
لحظة رئاسيّة حاسمة
دافع الرئيس ترامب عن القصف مُعِدّاً إيّاه لحظة حاسمة في رئاسته، وردّاً ضروريّاً على التهديد النووي الإيراني وإشارة للخصوم في جميع أنحاء العالم. في خطاب متلفز، ادّعى أنّ الضربات “أعاقت البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير”، واتّهم إيران بتطوير أسلحة سرّاً. ورفضت إدارته تقارير الاستخبارات التي تناقض هذه الادّعاءات، ووصف ترامب المنتقدين بأنّهم “ضعفاء في الأمن القومي”. وأشار إلى أنّ المبرّر هو الهجوم الإسرائيلي السابق على إيران، مدّعياً أنّ الولايات المتّحدة تدعم حليفاً رئيسيّاً.
كان خطاب ترامب، كعادته، تصادميّاً، إذ وصف قادة إيران بـ”الإرهابيّين” وتعهّد بمزيد من الإجراءات إذا ردّت إيران. ومع ذلك، أثار قراره انقساماً في تحالفه السياسي، فتشكّكت بعض الأصوات المحافظة في تكلفة وفعّالية قصف دولة جبليّة بمساحة تقارب ضعف ولاية تكساس. على الرغم من هذه الهمسات، يظلّ ترامب صلباً، واضعاً الضربات في إطار تجسيد عقيدته “أميركا أوّلاً”. ويتوجّه ترامب إلى قاعدته مشدّداً على أنّه لم يورّط الولايات المتّحدة في حرب طويلة، ولذلك سارع إلى إعلان نجاح الضربة وفرض وقف لإطلاق النار.
يعكس الجدل في القصف أزمة أوسع في السياسة الخارجية الأميركية: التسييس الشديد الذي يخنق النقاش المتوازن. عارض الديمقراطيون الضربات إلى حدّ كبير، معتبرين إيّاها متهوّرة لمعالجة أزمة سببها انسحاب ترامب من الاتّفاق النووي. ويجادلون في أنّ تصرّفاته دفعت الولايات المتّحدة إلى حافة الحرب. في المقابل، تجمّع الجمهوريون خلف ترامب، مدافعين عن القصف بأنّه ردّ حاسم على عدوان إيران، مع رفض البعض للنقد بحجّة أنّه غير وطني.
ساحة معركة حزبيّة
لقد أصبحت السياسة الخارجية الأميركية، التي كانت في السابق مجالاً للتوافق النسبي، ساحة معركة حزبيّة محتدمة. يعارض الديمقراطيون سياسات ترامب بشكل شبه تلقائي، بينما يدافع الجمهوريون عن قراراته من دون النظر إلى نتائجها، فتتحوّل قضايا معقّدة مثل التعامل مع إيران إلى أدوات للاستقطاب السياسي.
أصبح الاتّفاق النووي نفسه رمزاً للانقسام، فيراه الديمقراطيون إنجازاً دبلوماسيّاً ويصفه الجمهوريون بالضعف. يمنع هذا التسييس إجراء نقاشات موضوعية في الخيارات الاستراتيجيّة، تاركاً الولايات المتّحدة عالقة في ردود فعل متشنّجة بدلاً من استراتيجيات مدروسة. ومع تصاعد التوتّرات مع إيران، يبرز هذا الانقسام عائقاً رئيسيّاً أمام صياغة سياسة خارجية متماسكة وقادرة على مواجهة التحدّيات العالمية وتظهير سياسة ثابتة لواشنطن.