بارّاك للرؤساء الثلاثة: وقّعوا على حصر السلاح…- بقلم كلير شكر
شارك هذا الخبر
Friday, June 27, 2025
ماذا حمل توماس بارّاك في جعبته للبنانيين؟ هل هو إنذار أخير بعدما استفاضت مورغان أورتاغوس في إطلاق التهديدات في حال تلكأ لبنان عن تنفيذ تعهداته من اتفاق وقف إطلاق النار؟ أم أنّ رهان بعض من في السلطة على “جينات” المبعوث الأميركي، اللبنانية في شراء مزيد من الوقت، في محله؟
في الواقع، ثمة سرديتان تحاولان الإجابة على هذه التساؤلات. تتقاطعان في حتمية حصر السلاح بيد الدولة، وبإصرار المجتمع الدولي، وتحديداً واشنطن على تنفيذ هذا الشرط قبل فكّ الحصار المالي عن لبنان. ولكن لكل من السرديتين أسلوبها ومسارها.
تفيد السردية الأولى، غير الرسمية، أنّ مشاورات المبعوث الأميركي اتسمت بالعملانية حتى لو ابتعد الدبلوماسي، اللبناني الجذور، عن خطاب التهديد والوعيد الذي طغى على نبرة سلفه مورغان أورتاغوس. بالتفصيل تفيد المعلومات أنّ محادثات بارّاك مع المسؤولين اللبنانيين تناولت:
1- طالب المبعوث الأميركي بوضع جدول زمني محدد لتسليم السلاح، جنوب الليطاني كما شماله.
2- الأهم أنّه ينتظر من السلطة ممثلة بالرؤساء الثلاثة، رئيس الجمهورية جوزف عون، رئيس الحكومة نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري بتعهد خطيّ موقّع من الثلاثة يتضمن هذا الجدول، لكي لا يتراجع أي من المسؤولين عن تعهداته في المستقبل. وعُلم أنّ الرؤساء الثلاثة انتدبوا مندوباً عن كل منهم لصياغة القرار المطلوب، على أن يكون العميد المتقاعد اندريه رحال ممثلاً للرئيس جوزف عون، ومستشار الرئيس نبيه بري علي حمدان ممثلاً له، إلى جانب السفيرة فرح الخطيب ممثلة عن رئيس الحكومة نواف سلام.
3- على أن يتبع التوقيع الثلاثي قرار يصدر عن مجلس الوزراء بحصرية السلاح بيد الدولة.
4- في المقابل، تعهّد باراك بتأمين الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمسة المحتلة، وبرعاية تثبيت الحدود مع إسرائيل من جهة ومع سوريا من جهة أخرى وذلك بعد تبيان هوية مزارع شبعا، وتأمين التمويل لإعادة الإعمار.
بهذا المعنى، صار واضحاً أنّ كسر الحصار المالي على لبنان سيبقى مشروطاً بشرط حصرية السلاح، حتى لو انضم إلى برنامج صندوق النقد الدولي والتزم بكل بنود دفتر شروطه. ستبقى الأولوية للشروط السياسية، المرتبطة حصراً بالسلاح.
على هذا الأساس، تقول السردية إنّ المشاورات الرسمية انطلقت مع “حزب الله” لتأمين موافقته قبل الشروع في وضع الجدول الزمني، حيث تفيد الرواية أنّ باراك أعطى السلطة اللبنانية مهلة محددة، تنتهي في الأول من تموز لتحضير ردّ رسمي خطي على ما عرضه مع المسؤولين.
أسلوب تعاوني تفاهمي
بالتوازي تعتبر الرواية الرسمية أن بارّاك قارب المسألة مع المسؤولين اللبنانيين انطلاقاً من البيان الوزاري وقبله خطاب القسم، ولكن بأسوب تعاوني تفاهمي، بمعنى قوله إنّه “إذا كانت السلطة اللبنانية مقتنعة بما أعلنته في أكثر من مناسبة ومحطة بشأن حصرية السلاح، وهي مستعدة لتنفيذه، فالولايات المتحدة جاهزة للمساعدة على تحقيق هذا المطلب”.
اذاً الجوهر هو نفسه، سحب السلاح. ولكن المقاربة مختلفة. المصادر الرسمية تصرّ على المنحى الهادىء في كلام بارّاك الخالي من أي تهويل بالحرب. كل ما لوّح به بارّاك هو ترك لبنان لمصيره. بمعنى عدم الاهتمام به فيما قطار المنطقة ينطلق من دونه. لكن المصادر الرسمية تشير إلى أنّ كل التحذيرات التي تصل لبنان في حال تلكوئه عن تنفيذ مطلب حصرية السلاح، تًختصر بعبارة واحدة: سيبقى لبنان في عزلته.
المشترك بين السرديتين
المشترك أيضاً بين السردتين، هو التصور المطلوب من لبنان، ليس فقط في ما خص تسليم السلاح، وإنما في الإصلاحات المالية والاقتصادية التي لا تقل أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي عن السلاح. اذ تقول المصادر الرسمية إنّ تشاوراً انطلق بين دوائر السلطة اللبانية، ومع “الحزب” لوضع تصور شامل، لتسليم السلاح ولإقرار الاصلاحات، لأنّ هذا التصور هو المفتاح الوحيد لاستنهاض البلاد.
في خلاصة مصادر سياسية متابعة للحراك الأميركي، هو أنّ المسار العام لمقاربة الإدارة الأميركية، لم يتغيّر منذ إعلان وقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي إبان إدارة جو بايدن، واستمرّ مع إدارة دونالد ترامب، ويقضي بتطيبق الاتفاق بكل مندرجاته والتدابير المرتبطة به، والتي تُختصر بمعادلة واحدة: انتهى زمن السلاح. يقول الأميركيون لسائليهم، لا يمكن للسلطة اللبنانية أو “الحزب” التذرّع بالاحتلال الإسرائيلي لخمس نقاط لتأجيل فرض حصرية السلاح بيد الدولة لأنّ هذا الأمر لن يتحقق إلا بعد تسليم السلاح بشكل كامل.
إذاً، المقاربة الأميركية واضحة، لا لبس فيها، مهما تغيّرت الوجوه وتبدّلت اللهجات: بسط سلطة الدولة على كافة مرافقها وحصر السلاح بيدها أولاً، ومن ثمّ الإنسحاب الإسرائيلي ووقف الخروقات والإعتداءات، على أن تعمل واشطن مع أصدقائها وتحديداً دول الخليج، لتأمين كلفة إعادة الأعمار، مع “حبّة مسك”.
الجديد في ما حمله بارّاك هو إصرار إدارته على تحديد مواعيد ملزمة للسلطة اللبنانية للانطلاق في هذا المسار (شهر تموز)، وإلّا فإنّ واشنطن ستدير ظهرها للبنانيين، ليتدبّروا أمورهم بأنفسهم. الجديد أيضاً هو التوقيت السياسي الذي فرضته تطورات المنطقة، حيث يذهب البعض في تفاؤله إلى حدّ الاعتقاد أنّ من أولى نتائج المواجهة الصاروخية ستكون تطويع “الحزب” باتجاه تسليم سلاحه بعد إعادة صياغة دوره في لبنان. فيما يرى المتشائمون أنّ التجارب دلّت على أنّه عادة ما تحمل المحطات المفصلية، “الحزب” إلى مزيد من التشدد والراديكالية لا الليونة.