الحرب التي بدأتها إسرائيل فجأة، انتهت أيضا بشكل مفاجئ بعد الهجوم الإيراني على قاعدة "العديد" الأميركية في قطر. الهدنة التي طرحها الرئيس دونالد ترامب لم تكن بناءً على طلب إيران، بل بالتأكيد كانت بناءً على طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فقد صرح نتنياهو قبل يومين من الهدنة، بأنه لا يريد أن تأخذ هذه الحرب طابعاً استنزافياً.
من الواضح أنه لو لم يكن نتنياهو تحت ضغط صواريخ إيران والضغوط الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، لما طلب الهدنة، بل كان متوقعاً منه أن يقف ضد طلب ترامب للهدنة.
دخل نتنياهو المعركة بهدف تغيير النظام وتفكيك إيران، وليس ضرب منشأة "فوردو" النووية التي لم يكن لديه القدرة على استهدافها. كان الخطأ الاستراتيجي لنتنياهو هو اعتقاده بأن السخط السياسي والاقتصادي سيؤدي إلى ثورة شعبية وتغيير النظام، وأن الانقسامات العرقية ستؤدي إلى تقسيم إيران في المناطق الكردية والتركية والعربية. لكن روح الوطنية والرفض للأجنبي في إيران، أفشلت هذين الهدفين. في المقابل، حقق ترامب ما كان يسعى إليه من خلال الهجوم على منشأة "فوردو". فهو يعتقد أنه تمكن من تعطيل وإحباط منشآت "فوردو" و"نطنز" و"أصفهان". وخلافا لنتنياهو يعتقد ترامب أن تغيير النظام في إيران سيؤدي إلى اضطرابات داخلية ولذلك لا يدعم هذا المشروع.
مشروع التغلغل والدفاع الجوي الضعيف كشفت هذه الحرب التي استمرت 12 يوماً، عن نقطتي ضعف رئيسيتين في إيران: الأولى أمنية واستخباراتية، والثانية عسكرية. الضعف الأمني الاستخباراتي يتمثل في التغلغل الواسع في صفوف القيادات العسكرية العليا، خصوصاً الحرس الثوري، ونشاط عملاء إسرائيل. أتاح هذا التغلغل الإسرائيلي تصفية حوالي 20 قائداً رفيع المستوى في الحرس الثوري والأمن العام. ويبدو أن حجم التغلغل الكبير في الحرس الثوري، دفع المرشد علي خامنئي إلى تعيين قائد الجيش الجنرال موسوي رئيسا للأركان بعد مقتل الجنرال حسن باقري. ومن المفاجآت الأمنية التي كشفتها الحرب، أن حوالي 4 آلاف أفغاني من مناطق مثل "بدخشان" - التي تشبه ملامحهم الإيرانيين تماماً - قد تلقوا تدريباً من الموساد في أفغانستان لتصنيع واستخدام الطائرات المسيرة، وقاموا بإدخال قطعها بشكل منفصل إلى إيران، ثم أعادوا تركيبها في منازل ومستودعات استأجروها، وانتشروا في مدن إيرانية مختلفة قبل الهجوم الإسرائيلي. وخلال الأيام الـ12، استخدموا هذه الطائرات المسيرة ذات القوة التفجيرية العالية، لاستهداف عشرات العلماء النوويين والقيادات العسكرية والمنشآت الحساسة. كان التصدي لهؤلاء العملاء الأفغان والطائرات المسيرة الصغيرة صعباً للغاية. تمكنت إيران من اعتقال العشرات منهم وأعدمت بعضهم بسرعة. أما نقطة الضعف الأخرى، فكانت منظومة الدفاع الجوي الضعيفة. فإيران فشلت في حماية مجالها الجوي من الطائرات الإسرائيلية، حيث لم تتمكن منظومة "إس-300" الروسية أو المنظومة الإيرانية "باور" من الدفاع عن الأجواء الإيرانية. في السنوات الماضية، عرضت الصين على إيران تزويدها بأنظمة دفاع جوي متطورة، لكن القيادات العسكرية الإيرانية رفضت وفضلت استراتيجية التصنيع المحلي على غرار الصواريخ والمسيرات محلية الصنع. تلك المنظومة الصينية للدفاع الجوي أثبتت جدارتها خلال الحرب الأخيرة بين باكستان والهند حيث كان استخدامها من قبل باكستان ناجحاً.
نقطة القوة أكبر نقطة قوة لإيران في هذه الحرب، كانت صواريخ الجيل الجديد مثل "فتاح" و"سجيل" و"خرمشهر"، والطائرات المسيرة المتطورة ذات الدقة والقوة التدميرية العالية. وفقاً لتقارير مراسلين من تل أبيب وحيفا وبئر السبع، تمكنت هذه الصواريخ من إجبار ملايين الإسرائيليين على اللجوء إلى الملاجئ، وتعطيل الحياة اليومية، وتدمير منشآت مهمة. لا شك أن غياب هذه القوة الصاروخية كان سيجبر إيران على رفع علم الاستسلام.