فوكس نيوز- كيف تضرب أميركا فوردو دون تشتت استراتيجي؟
شارك هذا الخبر
Saturday, June 21, 2025
التنافس الفارسي الإسرائيلي القديم يصل إلى ذروة خطيرة مع مواجهة موقع التخصيب الأكثر أمانًا في طهران لضربة أمريكية محتملة. الجنرال المتقاعد روبرت ماغينيس – فوكس نيوز
إن الصراع المحتدم بين إسرائيل وإيران ليس مجرد بؤرة توتر جيوسياسية، بل هو انعكاس لتنافس تاريخي يمتد لما يقرب من 2500 عام. فعندما غزت الإمبراطورية الفارسية بقيادة كورش الكبير بابل عام 539 قبل الميلاد، أصدرت مرسومًا يسمح للأسرى اليهود بالعودة وإعادة بناء هيكل القدس. ورغم أن هذا العمل اعتُبر خيرًا، إلا أنه وضع بلاد فارس في قلب التوازن الحضاري في المنطقة. ومنذ ذلك الحين، احتلت بلاد فارس وإسرائيل مرارًا قطبي قوة متعارضين في الشرق الأوسط.
واليوم بلغ هذا المسار الطويل ذروته الخطيرة، حيث تجري مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران. ويبدو أن الرئيس ترامب على أهبة الاستعداد لإرسال قوات أمريكية. وتتحرك فرق القاذفات ومجموعات حاملات الطائرات إلى مواقعها، وتتزايد التكهنات بأن أمريكا ستشن ضربة على فوردو، المنشأة النووية الأكثر أمنًا في إيران. وفي حال وقوع مثل هذه الضربة، يجب أن تكون دقيقة ومُقيّدة. وبينما يجب كبح جماح التهديد النووي الإيراني، يجب أن يظل تركيز أمريكا الاستراتيجي على أكبر منافسيها: الصين.
إن نظرة إيران إلى نفسها متجذرة في تراثها الفارسي، وهوية ثقافية راسخة لا ترى نفسها كأمة فحسب، بل كمرساة حضارية للمنطقة. ورغم أن الجمهورية الإسلامية نأت بنفسها عن الملكية ما قبل الإسلام، إلا أنها لا تزال تستحضر إرث العظمة الفارسية. وهذا يُغذي رؤية راسخة مفادها أن إيران - وليس العالم العربي أو الغرب - هي صاحبة النفوذ الشرعي في الشرق الأوسط. وهذا قد يكون السبب وراء قناعة القيادة الإيرانية بضرورة امتلاك قوة ردع نووية.
تقع منشأة فوردو لتخصيب الوقود على عمق حوالي 80 مترًا تحت جبل الوند، بالقرب من قم. وتضم أجهزة طرد مركزي من طراز IR-6، وهي محمية من الضربات التقليدية. ورغم أن إسرائيل شنت هجمات على نطنز وأصفهان، إلا أن فوردو لا تزال سليمة، ويعود ذلك جزئيًا إلى أن الولايات المتحدة وحدها هي التي تمتلك قنبلة GBU-57A/B "الخارقة للذخائر" والقادرة على الوصول إليها.
وإذا اتخذت الولايات المتحدة إجراء، فيجب أن يكون ذلك بتدمير فوردو وتأخير الجدول الزمني لإيران للوصول إلى مرحلة الاختراق بشكل كبير. ولكن يجب أن يتم ذلك ضمن حدود واضحة.
في الواقع ينبغي أن لا يفترض أحد أن إيران ستستسلم بعد ضربة واحدة، حتى لو كانت ناجحة. وقد حذّر آية الله خامنئي بالفعل قائلاً: "لقد بدأت المعركة للتو". وحقيقة تحتفظ إيران بوسائل الرد: ميليشيات بالوكالة، وصواريخ باليستية، وقدرات حرب سيبرانية، وقوات بحرية مستعدة لضرب الأصول الأمريكية وتعطيل تدفق النفط في مضيق هرمز. والحرس الثوري الإيراني وأجهزة الاستخبارات المحلية موالون شرسون، لذا فإن آمال اندلاع انتفاضة شعبية في أعقاب أي ضربة عسكرية تبقى، في الوقت الحالي، غير واقعية.
ومن ثم، ينبغي لنا أن ننظر إلى العملية العسكرية ليس باعتبارها ضربة تنهي الحرب، بل باعتبارها مناورة لشراء الوقت. وليس هدف إسرائيل الأساسي تغيير النظام، بل حرمان إيران من القدرة على امتلاك أسلحة نووية. فقد صرّح السفير الإسرائيلي يحيئيل لايتر مؤخرًا: "يجب أن تُستكمل العملية برمتها بتدمير منشأة فوردو".
وينبغي على أمريكا دعم إسرائيل باللوجستيات والمراقبة والذخائر والردع، مع تجنب توريط نفسها في حرب إقليمية أوسع. ويجب أن يُتبع أي هجوم بدليل قابل للتحقق - بصمات زلزالية، وأدلة استخبارات ومراقبة، ويفضل تأكيد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية - بأن فوردو غير صالحة للعمل. بدون ذلك، ستفتقر المهمة إلى الوضوح الاستراتيجي والسياسي.
كما يجب على الولايات المتحدة أن تتذكر هذا: إيران لاعب إقليمي ذو نطاق عالمي محدود. والصين منافسٌ ندٌّ ذو طموح عالمي. وقد حددت استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية الصين مرارًا على أنها التهديد المتسارع للتفوق العالمي للولايات المتحدة - في التكنولوجيا والتجارة والفضاء الإلكتروني والقوة العسكرية.
ويراقب شي جين بينغ الوضع عن كثب، والتورط الأمريكي المطول في الشرق الأوسط سيكون خدمة كبيرة للصين بسبب التشتيت الاستراتيجي الذي سيصيب أمريكا. ولا تزال منطقة المحيطين الهندي والهادئ مسرحاً لتقرير مستقبل أمريكا.
ومن جهة إسقاط النظام الإيراني فلا يمكن تغيير النظام في إيران بالقوة الجوية وحدها، وليس ضروريًا لتحقيق أهدافنا الاستراتيجية. وعلى واشنطن أن تكتفي بإضعاف القدرة النووية الإيرانية، وعزل النظام دبلوماسيًا، وتعزيز حلفائها الإقليميين.
يجب إعادة إرساء الردع من خلال إجراءات موثوقة، وليس تدخلاً مفتوحاً. فلتضرب الولايات المتحدة عند الضرورة، ولكن دون أن تبقى أكثر من اللازم. فلتسقط فوردو، ولكن لتركز الاستراتيجية الأمريكية على الصين.
لكن عدم التحرك ليس البديل وله تداعيات خطيرة. فإيران النووية ستغير موازين القوى، وتشجع وكلاءها، وتحفز انتشار الأسلحة النووية في السعودية ومصر وتركيا. ويمكن أن تسيطر طهران على تل أبيب، وتهدد القواعد الأمريكية، وتلغي قوة الردع الأمريكية. كما يرسل التقاعس إشارة مفادها أن الخطوط الحمراء الأمريكية قابلة للتفاوض. وهذا سيمتد تأثيره إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط.
إن طموح إيران النووي لا ينبع من حسابات عسكرية فحسب، بل من ذاكرة حضارية تُصوّر إيران وريثةً للهيمنة الإقليمية لبلاد فارس القديمة. وإسرائيل، المولودة من المنفى والمُشكّلة في خضم الصراع، ترى أن بقاءها على المحك. ويجب على الولايات المتحدة دعم حليفها، ولكن بشروط واضحة المعالم.