الاحتواء لا التسوية: إعادة النظر في النهج الأميركي تجاه التهديد الإقليمي الإيراني- بقلم شربل عبدلله أنطون
شارك هذا الخبر
Saturday, June 21, 2025
دخل الصراع بين إسرائيل وإيران فصلاً جديدًا وخطيرًا. فقد أصابت الصواريخ مستشفيات ومنشآت نووية، وسقط المئات بين قتيل وجريح في كلا البلدين. ومع مرور كل ساعة، يُخيم شبح حرب إقليمية شاملة على كل تصريح دبلوماسي. وفي واشنطن، تواجه إدارة ترامب اختبارًا مصيريًا: هل سترسم طريقًا نحو الاستقرار، أم ستسمح للغموض الاستراتيجي بتعميق الفوضى؟
وقفة محسوبة — أم مجرد خطاب؟ أعلنت المتحدثة باسم الرئيس ترامب مؤخراً أن البيت الأبيض سيتخذ قرارًا "في غضون الأسبوعين المقبلين" بشأن تصعيد التدخل الأميركي في الصراع، مشيرة إلى "فرصة كبيرة للتفاوض" مع طهران. جاءت الرسالة دقيقة الصياغة — لا هي تعهد بالتهدئة، ولا هي إشارة صريحة للتدخل — مجسّدةً نهج إدارة ترامب المعروف: أقصى ضغط، وأدنى وضوح. لكن خلف هذا المشهد الدبلوماسي تكمن حقيقة أكثر قتامة: فرغم التصعيد العسكري والاقتصادي المتزايد، لم تغيّر طهران موقفها التفاوضي بشكل ملموس. لا تزال إيران ترفض المطالب الأميركية الأساسية، خاصة ما يتعلق بعدم تخصيب اليورانيوم والإشراف الخارجي من أطراف ثالثة على برنامجها النووي. وعلى الرغم من جهود الوساطة التي تقودها سلطنة عُمان، لا تزال المفاوضات مجمدة، بينما تواصل إيران تقدمها النووي وتتصلب في خطوطها الحمراء.
حدود الهوس النووي لسنوات طويلة، ركزت السياسات الأميركية والغربية والإسرائيلية على طموحات إيران النووية. ولكن مسار الصراع في المنطقة يكشف عن تهديد أعمق وأكثر إلحاحًا: شبكة طهران المتوسعة من الميليشيات الوكيلة وترسانة طهران المتطورة من الصواريخ الباليستية. من حزب الله في لبنان وحماس في غزة إلى الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق، يمتد نفوذ إيران عبر العالم العربي — مزعزعاً الدول، مغذياً الاضطرابات، ومهدداً لمسارات التجارة الدولية الحيوية. ومؤخرًا، خرج الحوثيون من ساحتهم التقليدية، وانضموا علنًا إلى المواجهة الإيرانية مع إسرائيل من خلال إطلاق صواريخ باليستية في مشهد نادر من المشاركة المباشرة. في حين أبدت ميليشيات كحزب الله وحماس والميليشيات العراقية قدراً أكبر من الحذر، سواء لأسباب عسكرية أو لضغوط داخلية من الدول. رغم إنهاكها تظل شبكة أذرع إيران المسلحة سليمة وقابلة للتفعيل في أي لحظة، وفي أي ساحة، مع تغيّر الظروف الاستراتيجية.
التهديد الاستراتيجي الحقيقي إن انشغال الغرب بالملف النووي الإيراني قد يحجب عنه الخطر الأكبر والأقرب. فتقارير الاستخبارات الأميركية تقرّ بأن إيران، رغم أنها لا تقوم بتجميع سلاح نووي حاليًا، إلا أنها قد سرّعت عملية تخصيب اليورانيوم بشكل كبير، وتواصل توسيع ترسانة صواريخها. أما البرنامج النووي، بالنسبة لطهران، فهو ليس خطًا أحمرَ، بل ورقة مساومة — أداة للمراوغة والتفاوض مع الغرب. أما الأعمدة الحقيقية للقوة الإيرانية فتتمثل في ترسانتها الصاروخية المتنامية وميليشياتها الوكيلة التي تمد نفوذها خارج حدودها وتشكل تهديدًا مباشرًا لحلفاء أميركا في المنطقة.
عقيدة جديدة للاحتواء على الرئيس ترامب أن يُعيد ضبط استراتيجيته — ويحث نتنياهو على أن يفعل الشيء نفسه. فاحتواء طموحات إيران يتطلب مسارين متوازيين: مواجهة التحدي النووي ومجمل البنية الإقليمية للنفوذ الإيراني. وهذا يعني الانتهاء من "الأعمال غير المنجزة"، كتحييد الحوثيين، وتفكيك القدرات العملياتية لحزب الله، والتعامل مع الظروف البنيوية التي تسمح بظهور وانتشار وكلاء إيران. والأهم من ذلك، يتطلب الأمر إدراك تحول محوري: الزخم الثوري للنظام الإيراني في تراجع. بعد سنوات من الانتكاسات العسكرية، والضغوط الاقتصادية، والعزلة الدبلوماسية، أصبحت إيران في أضعف حالاتها منذ عقود. أما وكلاؤها، فقد أنهكتهم الانقسامات الداخلية والخسائر في المعارك، وأذهلهم حجم اختراق إسرائيل لهم ولإيران مُشغلتهم. هذه اللحظة تتطلب جرأة — ليس فقط لردع البرنامج النووي الإيراني، بل لتفكيك البنية التحتية التي دعمت ما يُسمّى بـ"محور المقاومة" لما يقرب من خمسين عامًا.
ما بعد التصفيق... نحو أمن حقيقي إذا كان هدف الرئيس ترامب مجرد كسب التصفيق، فقد يكتفي بعقد اتفاق نووي جديد مع إيران— اتفاق ينقذ نظامًا آيلًا للسقوط بينما يتجاهل جذور عدم الاستقرار الإقليمي. أما إذا كان ترامب يسعى لكتابة التاريخ، فعليه أن يتخذ خطوات حاسمة لقطع مصادر القوة الحقيقية للجمهورية الإسلامية: ترسانتها الصاروخية، وميليشياتها الوكيلة، وطموحاتها العابرة للحدود. يسعى خامنئي الآن لوقف القصف الإسرائيلي. لكن ينبغي أن يكون لأي وقف إطلاق نار ثمن واضح. ثمن يعيد إلى الأذهان تعبير آية الله الخميني عن قبوله لوقف إطلاق النار في حرب إيران والعراق، حين وصفه بـ "كأس السم". اليوم، يجب أن يواجه خامنئي لحظة حساب مماثلة — لا بفعل ضغط عسكري فقط، بل نتيجة التبعات التراكمية لأربعة عقود من زعزعة إيران للاستقرار في المنطقة. العالم لا يحتمل دورة جديدة من الاسترضاء والاستفزاز. لقد حان وقت مواجهة رأس الأخطبوط — لا مجرد أذرعه. عندها فقط يمكن للشرق الأوسط أن يبدأ بالخروج من ظلال الصراع الدائم نحو ضوء الأمن المستدام.