المشهد في العالم اليوم لا يختلف كثيراً عن مشهد العام 1938، وقبله مشهد العام 1913 من حيث النزاعات التي مهّدت لحربين عالميّتين حصدتا ملايين البشر وأرستا توازناً نووياً يخلّف منذ العام 1948 موتاً بطيئاً لسكّان الأرض.
وفيما العالم عموماً والشرق بصفة خاصة معلّق بخيط من القطن يترقّب تطوّر الحرب الإيرانية الإسرائيلية، هذه الحرب المندلعة من دون جيوش ومن دون أفق حتّى الآن، يتسمّر الناس أمام الشاشات، يستمعون الى المحلّلين الاستراتيجيين، وهم بالمئات يتنبأون بنشرة أخبار المستقبل بعدما عوقب الجميع بالفعل بتحقّق كل تنبؤاتهم.
إن الواقع الدولي هو واقع صراع معقّد، من هنا يجب التنبه إلى ما سوف يحمله قابل الأيام من تطوّرات ومفاجآت يمكن أن تكون في الحسبان ويمكن أن تكون من نسج الخيال.
ماذا في المعلومات على ندرتها الواردة من العاصمة الأميركية؟ لا يستبعد مطّلعون في واشنطن على مسار الأحداث ولا سيما في خلفية الرئيس ترامب وماذا يدور في عقله أن يعمل الأخير على صفقة كبرى عنوانها أوكرانيا مقابل إيران، بحيث يقوم سيد البيت الأبيض بتسهيل عودة الأراضي التي يطالب بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، من خلال ضغط كبير على الرئيس الأوكراني زيلينسكي، لإجباره على التنحي، وتالياً إنهاء الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات بين كييف وموسكو.
وما الغزل المتجدّد بين ترامب وبوتين، الغاضض الطرف عما يجري في إيران وإسرائيل، سوى مؤشر قويّ لما قد تسفر عنه حرب أوكرانيا وروسيا. وترصد هذه المصادر في الوقت عينه أحادية التحرك الأميركي في مقابل “قبّة باط روسية” وعدم تدخّل صيني بمسار الأحداث، ولا تنفي إمكانية عودة إيران الى ما كانت عليه قبل الثورة حيث تتوقف بجدية عند التهيئة والتحضيرات الإعلامية التي ترافق نجل شاه إيران السابق والإضاءة على نشاطاته وتصريحاته.
إلّا أنّ كلّ هذه القراءات لا تستثني مخاطر المرحلة الحالية حيث تنبّه المصادر عينها إلى أن أي خطأ في الحساب سيجرّ العالم إلى كارثة أين منها واقعة تشرنوبيل. وفيما احتمالات التغير في قواعد اللعبة الدولية وفقاً لقواعد المصالح وواقع الأرض، تبقى في الحسبان، فإنّ العالم مدعو اليوم لمؤتمر تأسيسي جديد، ويالطا جديدة خالية من التقاسم والتبعية ومدعو لبناء سلام حقيقي لا يزال مفقوداً وإزالة اللعنة على شعوب الشرق الأوسط وقد بدأت تتسلل إلى شعوب أوروبا وسائر العالم. هذا العالم مدعو اليوم وبإلحاح لبناء سلام شامل قبل فوات الأوان.
ان لبنان الوطن الصغير الذي يعاني منذ أكثر من خمسين عاماً مدعو هو الآخر لوقفة تضامنية نهائية تجنّبه ما يحاك للمنطقة وتحميه من تداعيات الحرب الدائرة حالياً، وتقيه شرّ حروب دينية ومذهبية وعرقية أين منها حرب المئة عام التي شهدتها أوروبا في العصور الغابرة وتبعد عنه وعن الدول المجاورة شبح التقسيم والتقاسم والتفتيت.