نيويورك تايمز- كواليس الجهود الإسرائيلية للضغط على ترامب ودفعه لتغيير موقفه من إيران
شارك هذا الخبر
Thursday, June 19, 2025
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدّه الصحافيون جوناثان سوان، وماغي هابرمان، ومارك مازيتي، ورونين بيرغمان، أشاروا فيه إلى أن وكالات التجسس الأمريكية، التي تتابع الأنشطة العسكرية الإسرائيلية والنقاشات بين القيادات السياسية في تل أبيب، خلصت بنهاية الشهر الماضي إلى نتيجة صادمة: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يخطط لهجوم وشيك على البرنامج النووي الإيراني، بمشاركة أمريكية أو دونها.
لطالما حذّر نتنياهو، على مدى أكثر من عقد، من ضرورة تنفيذ ضربة عسكرية شاملة قبل أن تبلغ إيران مرحلة التمكن من إنتاج سلاح نووي بسرعة. ومع ذلك، كان يتراجع في كل مرة بعد أن يواجه رفضا من رؤساء أمريكيين، حذّروه من تداعيات اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط، مؤكدين أن واشنطن لن تدعم مثل هذا الهجوم.
لكن، هذه المرة، قدّرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية أن نتنياهو لا يخطط فقط لهجوم محدود على المنشآت النووية، بل لهجوم واسع قد يهدد بقاء النظام الإيراني نفسه – وهو مستعد لتنفيذه منفردا. وأمام هذه المعطيات، وجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه أمام خيارات صعبة.
فقد كان قد استثمر في مسار دبلوماسي لإقناع طهران بالتخلي عن طموحاتها النووية، وكان قد أحبط بالفعل محاولة إسرائيلية، في أبريل/ نيسان، لدفعه نحو شن ضربة عسكرية. وفي مكالمة هاتفية متوترة أواخر مايو/ أيار، جدد ترامب تحذيره لنتنياهو من تنفيذ هجوم أحادي من شأنه تقويض الجهود الدبلوماسية.
لكن، خلال الأسابيع الأخيرة، أصبح من الجليّ لمسؤولي إدارة ترامب أنهم قد لا يتمكنون هذه المرة من ثني نتنياهو عن خططه، بحسب مقابلات مع مسؤولين شاركوا في مداولات الإدارة، وآخرين مطلعين على المداولات الداخلية. بالتزامن، بدأ صبر ترامب ينفد إزاء إيران بسبب بطء المفاوضات، وبدأ يعتقد أن المحادثات لن تفضي إلى نتيجة.
رغم الادعاءات الإسرائيلية، لم يكن هناك أي دليل استخباراتي جديد يشير إلى أن إيران تسارع لتطوير قنبلة نووية، وفقا لكبار مسؤولي الإدارة الأمريكية.
وكان أمام ترامب خياران: إما عدم التدخل، وانتظار ما ستسفر عنه الضربات الإسرائيلية، أو الانضمام إلى تل أبيب، وربما السعي إلى تغيير النظام الإيراني.
اختار ترامب مسارا وسطا: عرض دعما استخباراتيا سريا لإسرائيل في تنفيذ هجومها، مع تكثيف الضغط على إيران لتقديم تنازلات سريعة، أو مواجهة ضغوط عسكرية متصاعدة.
وبعد خمسة أيام من بدء إسرائيل عملياتها، كان موقف ترامب لا يزال مترددا. فالإدارة في البداية نأت بنفسها عن الضربات، لكنها سرعان ما أبدت دعما متزايدًا بعد ظهور مؤشرات على نجاح الحملة العسكرية الإسرائيلية.
ويفكر ترامب الآن، بجدية، في إرسال طائرات أمريكية لتزويد المقاتلات الإسرائيلية بالوقود جوا، وربما في استخدام قنابل خارقة للتحصينات وزنها 30 ألف رطل لتدمير منشأة “فوردو” النووية تحت الأرض.
وتُظهر المقابلات التي أُجريت مع عشرين مسؤولا أمريكيا وإسرائيليا وخليجيا أن ترامب ظلّ في حيرة لعدة أشهر بشأن كيفية احتواء اندفاع نتنياهو، وهو يواجه أول أزمة خارجية في ولايته الثانية، محاطًا بدائرة مستشارين يفتقر معظمهم إلى الخبرة، وقد اختيروا في الغالب بناءً على ولائهم.
قال ترامب هذا العام لأحد حلفائه السياسيين إن نتنياهو يحاول جرّه إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط – على النقيض مما وعد به خلال حملته الرئاسية الأخيرة.
لكن مع إعلان إسرائيل الحرب، بدأ ترامب يتحول من الحذر إلى الميل نحو التصعيد. بل إنه خالف نصيحة تولسي غبارد، مديرة الاستخبارات الوطنية، التي أكدت عدم وجود تهديد نووي وشيك من إيران.
داخل حزب ترامب، برزت انقسامات بين من يدعمون إسرائيل بشكل تلقائي، ومن يسعون لتجنيب أمريكا الانخراط في صراعات الشرق الأوسط.
في اجتماع بمقر “كامب ديفيد” الرئاسي مساء الأحد، 8 يونيو/ حزيران، قدّم مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون راتكليف، تقييما مباشرا أمام الرئيس. وفي اليوم التالي، أجرى ترامب مكالمة هاتفية مع نتنياهو، الذي أبلغه بأن “المهمة جاهزة”، مشيرا إلى أن قوات إسرائيلية برية باتت داخل إيران، بحسب ثلاثة مصادر مطلعة.
أُعجب ترامب بالتخطيط العسكري الإسرائيلي، ولم يقدّم التزامات مباشرة، لكنه قال لمستشاريه بعد المكالمة: “أعتقد أننا قد نضطر إلى مساعدته”.
بدأت إسرائيل الاستعداد للهجوم في ديسمبر/ كانون الأول، بعد أن تمكنت من تحييد حزب الله وسقوط نظام الأسد في سوريا، مما فتح الأجواء أمام حملة القصف.
وخلال زيارة أجراها نتنياهو إلى البيت الأبيض في 4 فبراير/ شباط، قدّم جهاز اتصال مطليا بالذهب لترامب، وآخر بالفضة لنائبه فانس، من النوع الذي سبق أن فخخته الاستخبارات الإسرائيلية وباعته لحزب الله. (قال ترامب لاحقا لأحد حلفائه إنه انزعج من الهدية).
قال الإسرائيليون للرئيس: “إذا أردت أن تنجح الدبلوماسية، يجب أن تلوّح بخيار عسكري حقيقي”. وأوضح نتنياهو أن الدفاعات الجوية الإيرانية، التي دُمّرت في هجوم إسرائيلي سابق في أكتوبر/ تشرين الأول، ستُعاد بناؤها قريبا، مما يجعل التحرك أكثر إلحاحا.
بعد فوزه بالانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني، عيّن ترامب صديقه ستيف ويتكوف مبعوثا خاصا للشرق الأوسط، في مهمة للتوصل إلى اتفاق مع إيران.
لكنه أدرك المخاطرة السياسية. فالملف الإيراني الإسرائيلي يُقسم معسكر ترامب، بين تيار انعزالي يعارض التدخل بقيادة إعلاميين مثل تاكر كارلسون، ومعسكر محافظ متشدد مناهض لإيران بقيادة مارك ليفين.
لكن داخل الإدارة، كانت الخلافات الأيديولوجية أقل حدّة مما كانت عليه في ولايته الأولى. فالفريق الجديد دعم توجهات ترامب ونفذها دون مقاومة تُذكر. حتى فانس، رغم تحذيراته المتكررة من الانجرار نحو “حرب تغيير النظام”، دعم المسار الدبلوماسي الذي قاده ويتكوف.
وفي الوقت الذي كان ترامب يسعى فيه لحل دبلوماسي، كان مقتنعا بما سمعه من الإسرائيليين: القوة العسكرية الموثوقة تمنحك اليد العليا في التفاوض.
كانت خطط ضرب المواقع النووية الإيرانية جاهزة في البنتاغون، لكن ترامب، بعد توليه منصبه في يناير/ كانون الثاني، فوض القيادة المركزية الأمريكية لتنسيق تطويرها مع الإسرائيليين.
زار نتنياهو ترامب مجددًا في أبريل/ نيسان، وطلب تزويده بالقنبلة الخارقة للتحصينات، لكن ترامب رفض حينها، متمسكا بالخيار الدبلوماسي. وشنّ فريقه حملة ضغط على تل أبيب لثنيها عن شن ضربات استباقية.
لكن التخطيط الإسرائيلي استمر. وجمعت الوكالات الأمريكية معلومات كافية لإطلاع ترامب، وهو ما مهّد لمكالمة مايو/ أيار المتوترة، التي أعرب فيها عن استيائه من نتنياهو.
حاول فانس إبعاد الولايات المتحدة عن الصراع إلى أقصى حد، وتعاون مع شخصيات من الدائرة المقربة لترامب – مثل روبيو وهيغسيث وسوزي وايلز – لوضع خطط لحماية الموظفين الأمريكيين في المنطقة.
في مايو/ أيار، قال ويتكوف إن الاتفاق مع إيران بات قريبا، لكن في 4 يونيو/ حزيران رفض المرشد الإيراني، علي خامنئي، المقترح الأمريكي، وهو ما عزّز شكوك ترامب حول جدية طهران.
في اليوم ذاته، التقى ترامب بالمذيع المحافظ مارك ليفين، الذي عرض وجهة نظر متشددة ضد إيران. وبحسب مستشارين، أثرت المحادثة على موقف الرئيس.
ومع حلول يوم الأربعاء، لم تلوح في الأفق أي بوادر انفراج، وكانت الدائرة الضيقة المحيطة بترامب على دراية بأن الهجوم الإسرائيلي سيبدأ في اليوم التالي.
انضم ترامب إلى فريقه للأمن القومي في غرفة العمليات مساء الخميس، تزامنا مع بدء الضربات الأولى، لكنه أبقى خياراته مفتوحة.
لم يصدر البيان الأول عن البيت الأبيض بل عن السناتور روبيو، الذي حاول النأي بأمريكا عن الحملة الإسرائيلية، رغم أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية كانت تقدّم دعما فعليا.
لكن مع حلول الليل، وبعد أن شنت إسرائيل سلسلة ضربات دقيقة ضد مواقع استراتيجية إيرانية، بدأ ترامب يراجع موقفه.
في صباح الجمعة، استيقظ ليجد قناة “فوكس نيوز” تبث مشاهد تمجّد “العبقرية العسكرية الإسرائيلية”، ولم يستطع مقاومة الرغبة في نسب بعض الفضل لنفسه.
وفي مكالمات مع صحافيين، بدأ يلمح إلى أنه لعب دورا أكبر مما يُعتقد في التحضير للحرب. وفي مجالسه الخاصة، عبّر عن ميوله نحو تصعيد أكبر، بما في ذلك احتمال الموافقة على استخدام القنابل الخارقة للتحصينات لتدمير منشأة “فوردو” النووية الإيرانية.