الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران في مسار متصاعد لا يلوح في أفقه خط النهاية لها حتى الآن، والتحليلات متناثرة على مساحة الكرة الأرضية، الجامع بينها افتقارها تقدير المدى التدميري غير المسبوق على الجانبين، أو مساحة امتداداتها وتداعياتها على المستويين الإقليمي والدولي، وتأثيراتها المباشرة ليس فقط على مستقبل إسرائيل وإيران، بل على منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة. وإذا كانت هذه الحرب التي تبادلت فيها إسرائيل وإيران ضربات موجعة ومدمّرة في الصميم، وفق ما تقدّر وكالات الأنباء العالمية، قد أخذت طابع المراوحة النارية بين هجمات جوية مكثفة من جهة إسرائيل، وهجمات صّاروخية مكثفة ايضاً من جانب إيران، فإنّ هذه المراوحة تتأرجح بين احتمالين لكسرها، أولهما ضعيف تتبنّاه تقديرات ترجّح نجاح الوساطات في بلوغ وقف قريب لإطلاق النار، وثانيهما أكثر قرباً إلى الواقع يعززه ما يتراكم في الأجواء الدولية، والأميركية على وجه الخصوص، من إشارات إلى قوة احتمال دخول الولايات المتحدة الأميركية المباشر في هذه الحرب إلى جانب إسرائيل وضرب البرنامج النووي الإيراني.
اطمئنان داخلي
في موازاة هذه الحرب، أعرب مصدر رسميّ مسؤول عن اطمئنانه للوضع الداخلي، وقال لـ«الجمهورية»، انّ «حركة الاتصالات الكثيفة التي جرت على غير صعيد داخلي كانت أكثر من مريحة ومطمئنة، حيث أنّ كلّ مكونات البلد أكّدت انّها حريصة على الحفاظ على أمنه واستقراره، وعدم الإقدام على أي خطوات من شأنها أن تعرّض البلد لمخاطر هو بغنى عنها».
ولفت المصدر عينه إلى أنّ «كلّ الأطراف، سواء على المستوى الرسمي او المستوى السياسي والحزبي، مدركة لمخاطر الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران وتداعياتها على كلّ المنطقة، وتعي بأنّ الأولوية ينبغي أن تنصبّ على تحصين الدفاعات الداخلية لدرء واحتواء أيّ تداعيات على لبنان قد تنشأ جراء هذه الحرب. وهذا ما يشكّل أولوية في عمل الدولة وكل مؤسساتها وأجهزتها في هذه المرحلة الدقيقة».
وأكّد المصدر الرسمي «انّ الوضع الأمني في لبنان مطمئن ومريح ولا يدعو إلى القلق، وخصوصاً انّ الأجهزة الأمنية والعسكرية تقوم بواجباتها في السّهر على الأمن في كل المناطق على أكمل وجه، والتقارير الأمنية لم تلحظ ما يدعو إلى القلق من أي جانب».
مخاوف من اغتيالات
إلّا أنّ مرجعاً أمنياً أبلغ إلى «الجمهورية» قوله، «إنّ من البديهي والطبيعي جداً ان تتعزز الإجراءات والتدابير الأمنية في البلد في هذا الوضع المشتعل بين إسرائيل وإيران. وفي التقييم لا شيء استثنائياً على الصعيد الأمني، بل لا توجد أي مخاطر علينا من الداخل. إنما ما يثير القلق هو العامل الإسرائيلي الذي كثّف من تحرّكاته، سواء بالقرب من خط الحدود، أو من الطلعات المكثفة لطيرانه المسيّر في الأجواء اللبنانية، وخصوصاً في فترات النهار والليل في أجواء الضاحية الجنوبية، وكأنّه يمهّد لتوترات واغتيالات، وهذا ما ينبغي التنبّه له».
وكشف المرجع عينه «أنّ عدداً من السفراء والديبلوماسيين والملحقين العسكريين الأجانب سعوا بعد اشتعال الحرب بين إسرائيل وإيران إلى إجابات حول مدى متانة الوضع الأمني في لبنان، واحتمال أن يُقدم «حزب الله» على ما سمّوه مغامرة إسناد لإيران عبر فتح الجبهة الجنوبية مع إسرائيل. وكان لافتاً عدم اجتماع هؤلاء على قراءة موحّدة لهذه الحرب، بين من يقول إنّ إسرائيل وبرغم عنف الضربة على إيران لم تتمكن من تحقيق ما هدفت اليه، بدليل الردّ الصاروخي الإيراني العنيف والمتواصل وآثاره التدميرية في المدن الإسرائيلية. وهذا أمر مفاجئ لا يؤشر إلى نهاية قريبة للحرب، وبين من اعتبر أنّ إيران تلقّت ضربة عنيفة لن تجعلها قادرة على الصمود والإستمرار على ما كانت عليه قبل الحرب».
إلى ذلك، ورداً على سؤال لـ«الجمهورية» حول احتمالات تدخّل «حزب الله» في هذه الحرب، جزم مسؤول كبير أنّه لم يسأل الحزب عمّا يريد أن يفعله، الّا انّه قال: «من وجهة نظري، وقد أكون مصيباً او مخطئاً، فإنني أستبعد أن يبادر الحزب إلى هذا الأمر، ولو أنّه اراد ذلك، لكان فعل ذلك في اليوم الأول للحرب».
الحرب في خواتيمها
الّا انّ مصادر قريبة من أجواء «حزب الله» قالت رداً على سؤال «الجمهورية» نفسه: «دعهم يقلقون». مضيفة: «لن نقول إننا سنتدخّل او لن نتدخّل، فهذا مرهون بالظروف وكلّ شيء في أوانه».
وقالت المصادر إنّ الحزب يتابع مجرى الحرب بصورة دقيقة وحثيثة، وتقييمه لمجرياتها ونتائجها حتى الآن هو أنّ إيران بمواجهة هذه الحرب الإسرائيلية الأطلسية عليها، ما زالت ممسكة بزمام الأمور، والدليل على ذلك قدرتها على احتواء الضربة العدوانية، والردّ باستهداف غير مسبوق للمدن والمنشآت والمواقع العسكرية الإسرائيلية، ومسارعة إسرائيل إلى الاستنجاد بالأميركيين، برغم انّهم شركاء في هذه الحرب، وتوسّلهم إنقاذها، والدليل على ذلك ايضاً هو أنّ كل كلام عن تدخّل أميركي إلى جانب إسرائيل في حربها على إيران، هو تأكيد غير مباشر على أنّ إسرائيل قد هزمت.. وفي كل الاحوال الحرب في خواتيمها». وكان موقع «jcpa» الإسرائيليّ قد نشر تقريراً امس، قال فيه إنَّ «حزب الله» في لبنان يجهّز نفسه للقتال ضدّ إسرائيل».
وأشار التقرير إلى إنَّ الحزب ذكر أنّه «في حال طلبت طهران منه الإنضمام للمعركة، فسيقوم بذلك. ولكن خلف الكواليس، ووفقاً لتقديرات استخباراتية، يُجهز الحزب نفسه لاحتمال المُشاركة المباشرة في هذه المعركة».
وأشار التقرير إلى أنّ «حزب الله» يواصل استعداداته، بما في ذلك إعداد بنك أهداف. ونسب إلى مصادر أمنية إسرائيلية، قولها إنَّ «حزب الله ينتظرُ ضوءاً أخضر من طهران قبل تفعيل الجبهة الشمالية على نطاق واسع»، هذا الامر لم يحدث بعد، ولكنه قد يحدث، وقد يعني تصعيداً على جبهات متعددة».