حان وقت الاستسلام.. ماذا تنتظر إيران وقادتها وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي للخروج من حالة الإنكار للهزيمة إلى حالة الإقرار بها؟ متى يتجرّعون كأس السمّ كما فعل المؤسّس الخميني بحربه مع العراق؟
بعد ساعات من عملية 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، حرص المرشد الإيراني علي خامنئي على التأكيد أنّ ما فعلته “حماس” ومقاتلوها في غلاف غزّة لم تكن تعلم به إيران مسبقاً، إلّا أنّ خامنئي ومعه كلّ القيادات السياسية والعسكرية لم يستطيعوا التبرّؤ من أنّ الدعم الإيراني المقدّم لـ”حماس” وجناحها العسكري هو الذي مكّنها من تنفيذ عمليّة 7 أكتوبر.
منذ تلك اللحظة والنظام الإيراني وكلّ أذرعه، وبخاصّة “الحزب” في لبنان، يعانون واقع الانزلاق باتّجاه المواجهة المباشرة مع إسرائيل، التي أدركت هول المأزق الإيراني فصعّدت من ضغوطها العسكرية والأمنيّة. اغتالت رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة في مبنى سكنيّ تابع للحرس الثوري في طهران، وسبق ذلك اغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.
سيقف الحزب إلى جانب إيران، بقدر ما وقفت إيران إلى جانب الحزب في حرب الإسناد.. معمّماً نموذج المراقبة عن بُعد والدعاء دفع تردُّد إيران ومرشدها بالمواجهة المباشرة بنيامين نتنياهو إلى التجرّؤ أكثر. اغتال الأمين العامّ لـ”الحزب” حسن نصرالله وخليفته هاشم صفيّ الدين ومعهما وقبلهما قيادات الصفّ الأوّل في “الحزب”. أدرك نتنياهو أنّ إيران ومحورها كذبة عسكرية كبرى هو نفسه شارك في صنعها في السنوات الفائتة. أيقن أنّ إيران أضعف من أن تردّ بقوّة أو أن تشنّ حرباً واضحة ضدّ إسرائيل، فكان قرار ضرب عمق النظام الإيراني والمستمر لأسبوعين حسب “واشنطن بوست”، إن على صعيد قيادات الحرس الثوري والمشروع النووي أو على صعيد كسر الرواية الإيرانية التي تنادي بالمواجهة والتصدّي.
أكبر من إسقاط المشروع النّوويّ
أطلق بنيامين نتنياهو اسم “الأسد الصاعد” على العمليّة العسكرية التي نفّذها ضدّ إيران مستعيناً بنصّ توراتيّ ورد في الإصحاح 23 يقول: “يقومون كالذئب، ويرتفعون كالأسد، ولا يرقدون حتّى يلتهم الفريسة ويشرب دم القتلى”.
بالمقابل، كانت لافتةً صورة الشعار التي رفعها نتنياهو للعملية، وهي أسد يزمجر وخلفه شمس ساطعة وكأنّها مستوحاة من العلم الإيراني أيّام حكم الشاه. هي إشارة تدلّ على أنّ حرب نتنياهو على طهران ليس هدفها إسقاط المشروع النووي بقدر ما هدفها الأساس إسقاط دولة الملالي.
إيران اليوم تعيش تماماً الحالة نفسها التي تعيشها غزّة ومعها الضاحية الجنوبية لبيروت وكلّ لبنان لقد حان وقت الإقرار بالوقائع بالنسبة لخامنئي ونظامه الذي حاول إنكار الهزيمة في غزّة وإنكارها في لبنان، فشارك في تشييع الفلسطينيين واللبنانيين من حلفائه ظنّاً منه أنّ قرابينهم تكفي لإنقاذ نظامه في طهران. وحاول إنكار الهزيمة في سوريا عندما تركت ميليشياته المراقد التي تحجّج بها لدخول سوريا من دون حراسة ومن دون حماية. لا بل حاول إغواء أهل الساحل ممّن بقي من علويّين، دافعاً بهم إلى التهلكة قتلاً أو هروباً، وهو المدرك أن لا جدوى من كلّ ذلك.
إيران اليوم تعيش تماماً الحالة نفسها التي تعيشها غزّة ومعها الضاحية الجنوبية لبيروت وكلّ لبنان. نتنياهو وجيشه يملكون حرّية الحركة لقصف أيّ هدف يختارونه. فكما غزّة تعيش يوميّاً تحت مزاج الطائرات الإسرائيلية، وكما الضاحية الجنوبية عرضة للتهديد والإنذار عندما يظهر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، باتت إيران اليوم تعدّ الغارات الإسرائيلية غارة تلو غارة. واقع لن يتوقّف إلّا عندما يتجرّع خامنئي كأس السمّ أو الفرصة الثانية التي تحدّث عنها أمس الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يرسل وزير خارجيّته ليوقّع على وثيقة وفاة المشروع النوويّ.
إيران تعيش اليوم صراعاً بين مفهوم الأيديولوجية ومفهوم الدولة. فالمفهوم الأوّل يتحدّث عن منطق الانتحار وإن كانت النتيجة هزيمة أيديولوجيّة. أمّا المفهوم الثاني فيتحدّث عن الهزيمة التكتيكيّة لإنقاذ الدولة. قادة المشروع الأوّل قضى عليهم نتنياهو أمس. أمّا روّاد المشروع الثاني فينتظرون موافقة المرشد على ما سيوقّعون عليه.
سيقف الحزب إلى جانب إيران، بقدر ما وقفت إيران إلى جانب الحزب في حرب الإسناد.. معمّماً نموذج المراقبة عن بُعد والدعاء..