عمّت حالة من الذعر بين اللبنانيين في لبنان والمهجر، وعاد مشهد الصيف الماضي إلى الأذهان مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران والتحذيرات الأميركية للرعايا الأميركيين في الشرق الاوسط، وإعلان بعض شركات الطيران تعليق رحلاتها إلى بيروت في الموعد الذي يصادف تدفق عدد كبير من المغتربين اللبنانيين في الأسبوعين المقبلين إلى لبنان، بالإضافة إلى إقفال بعض المدارس في النبطية والضاحية.
أسئلة عديدة بدأ اللبنانيون المقيمون والمغتربون طرحها: هل سيدخل لبنان في صراعات المحاور ويكون جبهة إسناد مجدّداً؟ وماذا سيحلّ بموسم الاصطياف العامر الموعود به لبنان مع الأرقام الهائلة لعدد المغتربين والسياح القادمين هذا الصيف؟ هل سيتعرّض لنكسة أمنية واقتصادية جديدة؟ ما هي التداعيات غير السياحية المرتقبة ضمن سيناريوين محتملين: بقاء التوترات على حالها والدخول في مفاوضات خلال فترة قصيرة أو تحوّلها إلى حرب شاملة في الشرق الاوسط؟
في هذا الإطار، أوضح النائب غسان حاصباني أن الهجوم الإسرائيلي على إيران له تداعيات إقليمية أوّلية تتمثل بحالة الخلل التي ولّدها في الحركة التجارية وحركة السفر والنقل حيث تم تعليق وتحويل رحلات جوية نتيجة ارتفاع نسبة المخاطر في المنطقة. شارحاً أن ارتفاع منسوب المخاطر في حدّ ذاته كفيل برفع الكلفة الاقتصادية في كل المنطقة، إن من ناحية كلفة النفط والغاز، أم الشحن والتأمين، وغيرها.
ورأى حاصباني أن احتمال حصول حرب شاملة أصبح كبيراً خصوصاً أن هذه الضربة مؤجلة منذ العام 2006 وكانت متوقعة بعد حرب تموز، وبالتالي لا يزال هذا الاحتمال قائماً اليوم وبنسبة كبيرة في المنطقة. أما على الصعيد المحلي، “فإن التداعيات المباشرة على لبنان ستتمثل بتأثر موسم الصيف السياحي سلباً بهذه التوترات الإقليمية نتيجة ارتفاع المخاطر في المنطقة، ومع وجود احتمال بامتداد هذه الحرب لتشمل تحرّكاً من داخل الأراضي اللبنانية أو تحرّكاً على الأراضي اللبنانية استباقيا من قبل إسرائيل”.
وقال حاصباني: في الحالتين، إن المخاطر مرتفعة على أبواب الصيف خصوصاً أن تلك العملية من المرجح أن تدوم لأسابيع في حال عدم حصول أي تصعيد إضافي، كما وأنها تعتمد على قدرات الردّ الإيرانية التي لغاية اليوم تبدو محدودة. مما يطرح السؤال: هل سيتم استخدام قدرات ردّ أخرى في المنطقة في حال لا تزال موجودة؟
لذلك، اعتبر حاصباني أن هذه الاسئلة المفتوحة تزيد من حالة عدم اليقين بما قد يحصل في المنطقة، وتزيد من المخاوف الاستثمارية أو السياحية والتجارية في لبنان، تقابلها مخاوف من حصول دمار جديد والدخول في حرب واسعة على لبنان والمنطقة. مشدّداً في هذا الإطار على أهمية بقاء لبنان محيّداً عن أي حرب يمكن أن تتوسّع في المنطقة من أجل ضمان محدودية التداعيات المرتقبة، “خصوصاً أن لبنان نال حصّته من الحرب والدمار، ولم يعد يحتمل أكثر”.
وأشار إلى أنه عند انتهاء المواجهة القائمة في المنطقة، يمكن أن تتضّح معالم تداعياتها على لبنان وفقاً لنتائجها ووفقاً للدور الذي سيؤدّيه اللاعبون في لبنان في تلك المواجهة. أي أن الأجوبة يمكن أن تتبلور في الأسابيع الثلاثة أو الاربعة القادمة حيث سيتم حسم هذا الموضوع على مستوى المنطقة ككلّ.
وبالتالي، اعتبر حاصباني أن التداعيات السلبية على الموسم السياحي وعلى الحركة التجارية وارتفاع الكلفة الاقتصادية، حتميّة حتّى في حال عدم التصعيد خلال الأسابيع الاربعة المقبلة، وحتّى في حال عدم توسّعها إلى حرب شاملة وحتّى في حال بقي لبنان على الحياد، لأن لبنان دخل في موسم الصيف السياحي المرجّح أن يتأثر سلباً بحالة عدم اليقين والمخاوف من حصول أي تصعيد وارتفاع المخاطر في المنطقة وسط الخلل القائم في حركة السفر والنقل الجوي.
في المقابل، أوضح حاصباني أن السيناريوين المطروحين ينصّ أوّلهما على إمكانية الدخول في مفاوضات جديدة مع إيران، مما قد ينهي حالة التوتر القائمة، وذلك في غضون شهر أو شهرين بعد ضرب القدرات النووية الإيرانية في حين ينصّ الثاني على ان تستمرّ التوترات لتتحوّل إلى حرب طويلة واستنزافية، تكون نتيجتها تغيير في الأنظمة السياسية والعسكرية وعقد ترتيبات سياسية في المنطقة تطال إيران والعراق وقد تصل إلى لبنان. مشيراً إلى أن تداعيات السيناريو الثاني، لن تطال فقط الموسم السياحي بل ترتبط بدخول البلاد في مرحلة صعبة على كافة الأصعدة قبل أن تصل إلى مرحلة الاستقرار.
ومن التداعيات السلبية الأخرى التي ستطال لبنان، أكد حاصباني أنه عندما تقرع طبول الحرب، يتم حرف الأنظار المحلية والدولية نحو المعارك والشؤون الأمنية الطارئة، في مقابل التغاضي عن الأولويات الثانية المتعلّقة بالإصلاحات المالية والاقتصادية والدعم المالي الدولي الذي يحتاجه لبنان، بغض النظر عن الأحداث الدائرة في المنطقة. مشدداً على ضرورة مواصلة العمل على كافة الملفات الإصلاحية والاقتصادية والمعيشية حتّى في حال تراجع الاهتمام الدولي بها وحتّى لو تمّ وضعها على نار هادئة.
وختم حاصباني مؤكداً أهمية بقاء لبنان على الحياد وعدم الانخراط في أي مواجهات عسكرية، والاستفادة خلال هذه الفترة من مواصلة مسار الإصلاح وتجهيز كافة الملفات الإصلاحية المطلوبة دولياً من لبنان، إلى حين بلوغ مرحلة التسويات والتهدئة والاتفاقيات والتحولات الكبرى في المنطقة، ليكون لبنان جاهزاً آنذاك للاستفادة ايجاباً منها وأرضيته مؤهلة لها.
إلى ذلك، أكّد نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي أن “ما حصل في المنطقة زلزال كبير، ولكن في المدى المنظور لا انقطاع في الملاحة البحرية ولا داعي للخوف الآن على حركة استيراد المواد الغذائية”.
وقال: عقب الضربة الإسرائيلية على إيران يسود قلق وترقّب، إلّا أنّه لا داعي للتهافت على المواد الغذائية، كما لا مبّرر مباشر لارتفاع الأسعار.
لكن التطمينات في كل الملفات تعتبر موقتة، بمعنى أنه من غير المتوقع أن تنعكس التطورات ارتفاعاً في أسعار السلع فوراً، لكن الوصول إلى هذه المرحلة سيصبح حتمياً في حال استمرار المواجهات العسكرية لفترة طويلة، وفي حال تطور المواجهات إلى حرب ضروس، مع احتمال دخول أطراف أخرى إلى ساحة المعركة.