لم يعد من الممكن اعتبار العراق جزءاً ثابتاً من المحور الإيراني كما كان يُروَّج في السابق، خصوصاً بعد التصريح اللافت لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عبر منصة "إكس"، حيثُ شدّد على أنّ العراق وشعبه ليسا بحاجة إلى حروب جديدة، هذا الموقف فتح الباب أمام تحليلات جديدة حول تموضع العراق الإقليمي، وما إذا كان يسير نحو فكّ ارتباطه الفعلي بالمحور الإيراني، ورفضه لأي حرب دعم تُزجّ فيها البلاد لصالح أطراف خارجية.
"الكلمة أونلاين" تابعت هذا التطوّر واستوضحت رأي المحلل السياسي ورئيس تحرير موقع "الجنوبية"، علي الأمين، الذي شدّد على ضرورة التمييز بين أطراف عدّة داخل المشهد العراقي ومنها الفصائل والميليشيات الولائيّة التابعة لإيران والحكومة العراقية، وموقف مقتدى الصدر، موضحاً أنّ الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني معروفة بتبعيتها المباشرة، في حين أن الحكومة العراقية لم تُعلن يوماً أنها جزء من هذا المحور، بل لعبت دائماً دور الوسيط بين واشنطن وطهران، محاولةً الحفاظ على نوع من التوازن.
ويرى الأمين أنّ مقتدى الصدر يُمارس سياسة اللعب على الحبال، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة، حيث يسعى إلى التعبير عن موقف مستقل، بعيد عن الاصطفاف مع إيران. وبما أنه خارج السلطة التنفيذية حالياً، فإن تصريحاته تعكس توجهاً عاماً مفاده أنّ العراق لا يريد الدخول في حرب دعم أو مواجهة إقليمية، مستشهداً بامتناع الفصائل العراقية عن قصف إسرائيل خلال الحرب الأخيرة في لبنان، رغم ضراوة الصراع، كإشارة واضحة إلى رغبة العراق في النأي بنفسه عن أية مغامرة عسكرية قد تكون كلفتها باهظة.
ويضيف الأمين أنّ الضربة الأخيرة التي تعرّضت لها إيران جعلت العراقيين أكثر التزاماً بضبط النفس، ولن يُقدموا على أي رد فعل يُفهم على أنه دعم مباشر لطهران، لا سيما في ظل غياب أي دعوة رسمية أو ملحّة من إيران للتدخل، بل إن الأصوات العراقية، حتى تلك القريبة من طهران، لا تلقى أي صدى شعبي أو رسمي في هذا الاتجاه، فالحكومة العراقية، وفق الأمين، تدرك جيداً أن أي تصرّف يُفهم على أنه تحدٍ للولايات المتحدة سيؤدي إلى انهيار داخلي، وهو ما لا ترغب به مطلقاً.
من هذا المنطلق، يأتي تصريح الصدر في سياق الاستعداد لمرحلة جديدة يسعى العراق فيها إلى اتخاذ موقف إيجابي ومتوازن، والواضح أنّ العراق اليوم لا يريد أن يكون ساحة لحروب الآخرين، كما أنّ فكرة المحور الإيراني نفسه باتت مهزوزة، ولم تعد قائمة كما في السابق، وسط تراجع دور الفصائل الموالية لطهران داخل العراق وضعف قدرتها على اتخاذ قرارات مواجهة، وفي ظل هذا الواقع، يبدو أنّ العراق يتجه فعلياً نحو تموضع جديد يُغلب فيه المصلحة الوطنية على الولاءات الإقليمية.