إذا خلا لبنان من شعبه - بقلم سعيد غريب

  • شارك هذا الخبر
Friday, June 13, 2025

كتب سعيد غريب في جريدة الحرة:

ترخي أجواء التعثر التي تشهدها مسيرة إعادة النهوض بلبنان ظلالاً متجدّدة من القلق على المصير، تغذّيه الأجواء الإقليمية المتفجّرة والتجاذبات الداخليّة المتكرّرة، فتعيدنا إلى طرح الأسئلة الصعبة. ويحضرنا هنا كلام لرئيس الحكومة المرحوم الحاج حسين العويني قاله في العام 1958 وكان أحد الوجوه الأولى التي أطلّت على اللبنانيين بعيد محنتهم الأولى: “إنّ مثلنا في لبنان مثل أخوين ورثا عن والدهما داراً تأويهما، فهما إن لم يصلحا دائماً من شأن هذه الدار ويرعيا ترميمها رعاية تامّة ويعنيا بمقوّماتها، إنهارت فوق رأسيهما”.

إنّه الإيمان ما ينقصنا، والأمل أيضاً، ألا فلنفتّش عنهما ونحن نفتّش عن الدولة والوطن والأشخاص المناسبين. وليعذرنا المسؤولون والباحثون عن المناصب إذا لم نجارهم في همومهم ، فنحن اللبنانيين طلاب حياة جديدة لشعبنا المنكوب في وحدته واستقراره ولسنا طلّاب مناصب. وقبل أيّ شيء، يجب أن يكون معلوماً ومفهوماً أنّ الناس لا تريد بعد الذي آل إليه رهان الماضي أن تراهن مرّة جديدة.

إنّ الجمهوريّة الثانية التي أتت على أنقاض الجمهوريّة الأولى لا تزال تتخبّط مع نفسها وتعيش حالة اهتزاز دائم وعطباً يكاد يودي بها في أيّ لحظة. ودخلت البلاد،من دون أن تدري، شوق البحث عن اتفاق جديد من خلال حلول جذريّة للجمهوريّة التي لم تعد تحتمل برأي أصحاب الحلول، وهم قلّة بالنظر إلى الفراغ الفكري مزيداً من الترقيع أو التسويات.

هل الوقت صالح بل مناسب للانتقال إلى الجمهوريّة الثالثة؟ ممّا لا شك فيه أنّ المكوّن المسيحي وتحديداً الماروني دفع غالياً ثمن الحربين الأخيرتين اللتين خاضهما والمعروفتين بحربي التحرير والإلغاء بعدما أتبعتا مقاطعة الزعماء الموارنة للانتخابات الرئاسية في العام 1988 حين خيّروا بين مخايل الضاهر والفوضى فاختاروا الفوضى. كما أصابوا مقتلاً في الجسم اللبناني حين قاطعوا الانتخابات النيابية في العام 1992، مسجّلين انسحاباً كارثياً من الحياة العامة.

وليست سائر المكوّنات بأفضل حالاً فهي دفعت أثماناً باهظة ثمن حسابات أقلّ ما يقال فيها إنّها كانت خاطئة، وخسرت أغلى ما عندها، وبناها التحتيّة وعقوداً من التنمية وتراجعت عشرات السنين.

لبنان بعد خمسين سنة على اندلاع حربه الكبيرة أصبح منكوباً دستورياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً وإعلامياً، فهل يتحمّل نظاماً جديداً لا توافق وطنياً عليه؟ وهل يمكن للخسارة، خسارة الجميع، أن تنتج نظاماً صالحاً؟ وهل الخروج من عباءة الممسكين بالقرارات من زعامات وأحزاب من أجل مشهد سياسي جديد نابع من رغبة شعبية في الارتقاء إلى الأفضل متاح؟

ممكن شريطة أن يتبنّى الغول الدولي هذا التغيير ويتحقّق مع مجموعة من المفكّرين والخبراء الحقيقيين ولكن الأمر يبدو اليوم شبه مستحيل. فكيف يمكن لشعب أن يرتقي وهو إذا سار في تظاهرة لا يعرف ماذا يريد وإذا عرف لا يدري إلى أين سيصل. وكيف لشعب أن يسقط نظاماً لا يعرف ماهو؟ هل يريد إسقاط نظام ديموقراطي أم برلماني أم رئاسي أم ديكتاتوري أم طائفي؟ أيّ نظام يريد إسقاطه؟ إذا كان المقصود النظام الديموقراطي فالعنوان خاطئ لأننّا لم نعرف هذه النظام منذ نشأته فهو في الواقع نظام الديموقراطية التوافقية الداحضة كليّاً للديموقراطية المطلقة. وإذا كان المقصود النظام البرلماني فالعنوان خاطئ أيضاً لأنّ النظام البرلماني يأتي بنوّاب يختارهم الشعب لا الزعماء. وإذا كان المقصود النظام الطائفي وهذا هو الصحيح فلا مجال للمحاولة حتّى، لأنّه نظام عقيم ومتجذّر في آن، ولا قوّة برزت حتى الآن لإلغائه أو إسقاطه.

يا أيّها الممسكون بلبنان وما تبقّى من خيراته غادروا لبنان ليرتاح ونرتاح أو دعونا نغادره بسلام لنعود إليه خالياً منكم لأنّكم ستتقاتلون في ما بينكم ولن يبقى منكم من يخبّر.