لوفيغارو- في الضفة الغربية.. عنفٌ متصاعد من جانب إسرائيل
شارك هذا الخبر
Saturday, June 7, 2025
قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن العملية المسماة “جدار الحديد”، التي بدأت في يناير، مستمرة وتُخلف عواقب وخيمة على السكان الفلسطينيين.
ووصفت الصحيفة الوضع في طولكرم- المدينة التجارية الواقعة شمال الضفة الغربية- قائلة: بائعون جوّالون، تجار خضار، أكشاك ملوّنة، متجولون.. يزدحم سوق المدينة بالناس تحت شمس شهر يونيو اللاهبة. الأرصفة ضيقة، والحشود تتدفق إلى الشوارع، والسيارات تسير ببطء. الاستعدادات جارية لعيد الأضحى، لكن القلوب مثقلة. أهالي طولكرم، كمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، أنهكتهم الأزمة الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تفاقمت منذ أواخر عام 2023، عقب “المجازر” التي ارتكبتها “حماس” في إسرائيل.
في مقهى “نيرفانا”، يعمل التكييف بأقصى طاقته. سلام مرعي، تاجر ملابس والأمين العام لغرفة التجارة في محافظة طولكرم، يطفئ سيجارته متنهدًا: “الوضع كارثي. نسبة البطالة تجاوزت %60”، كما يقول. نتيجة الحرب التي تشنها القوات الإسرائيلية على غزة، مُنع آلاف الفلسطينيين من العمل في إسرائيل حيث الأجور أفضل. “في محافظة طولكرم، انخفضت حركة الشراء بنسبة %60”، يؤكد سلام مرعي.
بسبب قلة الزبائن، اضطرت عدة متاجر للإغلاق ، من بينها متجر قرب مخيم طولكرم، أحد المخيمين اللذين يجاوران المدينة.
بدأت عملية “جدار الحديد” التي أطلقتها القوات الإسرائيلية في 21 يناير، وتهدف إلى القضاء على ما تعتبره “التهديد الإرهابي” القادم من هذه المعاقل للمقاومة ضد الاحتلال. تم اقتحام مخيمي طولكرم وجنين من قبل الجيش، وطُرد جميع السكان منهما. نحو 33 ألف شخص نزحوا ولا يستطيعون العودة إلى منازلهم. ما يزال الجيش يحتل هذه المناطق، توضح صحيفة “لوفيغارو”.
الضفة الغربية منطقة محتلة عسكريًا من قبل إسرائيل منذ عام 1967. ويمنع القانون الدولي توطين المدنيين فيها. ومع ذلك، يعيش اليوم حوالي 500 ألف مستوطن إسرائيلي في “يهودا والسامرة”- الاسم التوراتي الذي تستخدمه إسرائيل للإشارة إلى الضفة الغربية. ويتزايد عددهم كل عام، حيث تضاعف خلال العقدين الأخيرين، بالتوازي مع توسع المستوطنات، التي وصل عددها إلى 365. وقد وافقت الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا على إنشاء 22 مستوطنة جديدة، تُشير صحيفة “لوفيغارو”.
بدعم من الائتلاف الحاكم، يمارس المستوطنون الأكثر تطرفًا عنفًا يوميًا ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، غالبًا دون أي محاسبة. في المقابل، تزداد صفوف “المقاومة ضد الاحتلال” الفلسطيني. وتواجه هذه المجموعات قمعًا شديدًا من قبل الجيش الإسرائيلي: فقد قُتل 616 فلسطينيًا وأُصيب 4512 منذ بداية العام. رغم ذلك، ما تزال الهجمات مستمرة، مثل تلك التي وقعت في منتصف شهر مايو ضد أم إسرائيلية تبلغ من العمر 30 عامًا، تواصل صحيفة “لوفيغارو”.
على شاشة التلفاز في مقهى “نيرفانا”، تظهر لقطة ثابتة: تبث القناة المحلية مشاهد حية من مخيم طولكرم، حيث تعمل جرافة تابعة للجيش الإسرائيلي على تدمير منازل بهدف شق طرق جديدة تسهّل عليه مستقبلًا السيطرة على هذه المناطق التي حولها المسلحون إلى قلاع محصنة.
دلال، شقيقة سلام مرعي، لا تعرف متى ستعود إلى منزلها في المخيم. «اتصلت بها يوم 26 يناير وطلبت منها أن تأتي إليّ. ومنذ ذلك الوقت نعيش معًا»، يقول شقيقها. “معًا”، أي العائلة الممتدة: 25 شخصًا يعولهم سلام ماديًا. «هذا يكلّفني كثيرًا. لا نعرف كم سيستمر هذا الوضع.. لحسن الحظ أنني قادر على التحمل»، يضيف.
أما الآخرون من النازحين، فكثير منهم تُركوا لمصيرهم. السلطة الفلسطينية، المختنقة ماليًا، لا تساعدهم. «إلا إذا كنت تملك علاقات»، تتنهد أرملة نازحة مع أطفالها الأربعة. التناقض صارخ بين مركز مدينة طولكرم والمخيم. كلما اقتربت منه، فرغت الشوارع أكثر. السيارات تمر مسرعة، الأرصفة خالية.
وتساءلت “لوفيغارو”: هل تتحول الضفة الغربية إلى منطقة خارجة عن القانون تسود فيها شريعة الغاب؟ فرنسا لا تُخفي قلقها.
وقال مصدر دبلوماسي: “ندعو السلطات الإسرائيلية إلى الوقف الفوري لسياستها التوسعية في بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي، والتهجير القسري للفلسطينيين، واتخاذ إجراءات ضد عنف المستوطنين”. وأضاف الرئيس إيمانويل ماكرون، يوم الخميس: “سوف نقرر في الأيام القادمة إن كنا سنشدد لهجتنا ونتخذ تدابير ملموسة تجاه إسرائيل”.
المؤتمر المقرر حول فلسطين، منتصف يونيو في نيويورك، تحت رعاية فرنسا والسعودية، يثير غضب السلطات الإسرائيلية. يهدف المؤتمر إلى وضع أسس قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
وفيما رحّب وزير الدفاع الإسرائيلي بقرار إنشاء 22 مستوطنة جديدة، قال إن هذا “يأتي ضمن رؤية إستراتيجية طويلة الأمد لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأرض، ومنع قيام دولة فلسطينية، ووضع أسس لتوسيع المستوطنات خلال العقود المقبلة”.
أما وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، فقال: “المرحلة القادمة هي السيادة!”.
ويرى الباحث في “المنتدى الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية”، وليد عباس، أن ما يحدث الآن هو تغيير نوعي وليس كمياً فقط. “منذ عودة نتنياهو إلى الحكم، يوضح هذا الائتلاف الحاكم نيّته التوجه نحو ضم الضفة الغربية”، على حد قوله.
وبالإضافة إلى المستوطنات الجديدة، فإن سلسلة من الإجراءات الملموسة- مثل تسجيل الأراضي، فتح نقاط تفتيش جديدة، تخصيص مراعٍ للمزارعين الإسرائيليين، وبناء طرق- تجعل من التوسّع الإسرائيلي في الضفة أمرًا لا رجعة فيه.
لكن هذه رؤية ما تزال بعيدة المنال، تقول صحيفة “لوفيغارو”، موضحة أن في ظل غياب أفق سياسي تعجز السلطة الفلسطينية عن تقديمه، يتمسك الفلسطينيون بالإيمان بـ”المقاومة” و”حق العودة”.
تقول عبلة عيد، إحدى سكان المخيم، وقد فقدت كل شيء بعد فرارها من منزلها: “لن نقبل أبدًا بالاحتلال. سنورّث هذا لأولادنا: يومًا ما سنعود”. فهذا الأمل هو كل ما تبقى لها.