لودريان إلى بيروت… تقصيرٌ سياسيّ وتقنيّ - بقلم كلير شكر

  • شارك هذا الخبر
Friday, June 6, 2025

بانتظار كشف هويّة خليفة مورغان أورتاغوس، يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان إلى بيروت. وهذه المرّة من باب الدفع باتّجاه إنهاء الإصلاحات البنيوية الاقتصادية والمالية المطلوبة من لبنان. وهي شرط إلزامي للحصول على تدفّقات ماليّة لا يمكن للسلطة اللبنانية القفز فوقه.





إذاً سيكون لودريان في بيروت الأسبوع المقبل لعقد سلسلة لقاءات مع أركان السلطة والكتل النيابية. وعلى جدول أعماله بند وحيد: الإصلاحلات ثمّ الإصلاحات. صحيح أنّ ما تقوم به الحكومة والبرلمان من جهد إصلاحيّ يلاقي أصداء إيجابية في باريس، إلّا أنّ هناك المزيد من القوانين الواجب إقرارها قبل أن يرتقي لبنان إلى مصافي الدول الموثوق بها. ويسجّل المجتمع الدولي على السلطة اللبنانية بطء نشاطها الإصلاحي، الأمر الذي ينعكس سلباً على إطلاق رزمة المساعدات الماليّة.

تقول مصادر دبلوماسية إنّ زيارة الموفد الرئاسي تكتسب صفة المتابعة الدقيقة للإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة من لبنان قبل فتح باب المساعدات المالية والاستثمارات الأجنبية. أمّا الصفة الثانية للزيارة فهي التأكيد أمام المسؤولين اللبنانيين أنّ الأجندة الإصلاحية مطلب دولي جامع، لا خلاف عليه، تنطق به باريس لكنّه يعبّر عن موقف واشنطن والرياض وغيرهما من الدول المهتمّة بلبنان. من هنا ضرورة استكمال هذه الورشة الداخلية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي.

بانتظار كشف هويّة خليفة مورغان أورتاغوس، يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان إلى بيروت. وهذه المرّة من باب الدفع باتّجاه إنهاء الإصلاحات البنيوية الاقتصادية والمالية المطلوبة من لبنان
مسار بطيء

لهذا لا تزال استحقاقات دعم لبنان من دون موعد محدّد، مع العلم أنّ الدوائر الفرنسية، وهي الأكثر حماسة لفكّ عزلة لبنان الماليّة، كانت تعتقد أنّ باب التدفّقات سيُفتح مع بداية الصيف، لكنّ المسار البطيء الذي يحكم الإصلاحات دفع إلى تأجيل المواعيد مرّة تلو أخرى، وهو ما يدفع السلطات الفرنسية إلى التفكير في تنظيم مؤتمر شامل يعالج ورشة إعادة الإعمار والاستثمارات ضمن فعّاليّة واحدة، بعدما كان التخطيط لعقد مؤتمر دعم اقتصادي قبل الشروع في ورشة الإعمار.

فعليّاً، كانت باريس تخطّط لتنظيم مؤتمرين داعمين للبنان، الأوّل يهدف لجذب الاستثمارات والمساعدات، والثاني يستهدف ورشة إعادة الإعمار. ولكلّ من المؤتمرين شروطه الإصلاحية. ولأنّ لبنان تأخّر في تلبية تلك الشروط، يسود الاعتقاد في الكواليس الدولية بأنّه صار من الأفضل دمج الفاعليّتين في مؤتمر واحد.

لكن حتى الآن لم يحدّد لبنان برنامج احتياجاته وأولويّاته للحصول على رزمة دعم، وفق المصادر الدبلوماسية، ولم ينهِ ورشته الإصلاحية، وأبرز ما فيها قانون إعادة هيكلة المصارف ومعالجة الفجوة المالية، وهما تشريعان ضروريّان للسماح للتدفّقات الماليّة بالوصول إلى لبنان. ولهذا أيضاً لا تزال ورشة إعادة الإعمار معلّقة.

الأهمّ من كلّ تلك الصفات أنّ زيارة لودريان تحمل عنواناً أساسيّاً، وهو العمل لإبقاء لبنان على سلّم الأولويّات الدولية، خصوصاً أنّ واشنطن تتعامل مع الملفّ اللبناني على قاعدة سقوطه من هذا السلّم لمصلحة سوريا التي تبوّأت المركز في المنطقة.

لا تزال استحقاقات دعم لبنان من دون موعد محدّد، مع العلم أنّ الدوائر الفرنسية، وهي الأكثر حماسة لفكّ عزلة لبنان الماليّة
ماذا عن الورشة السّياسيّة؟

وفق المصادر الدبلوماسية، تدعم الإدارة الفرنسية بشكل كامل مقاربة رئاسة الجمهورية والحكومة اللبنانية انطلاقاً من حرص الأخيرة على الاستقرار الداخلي وبسبب خشيتها من تسلّل الفوضى في حال كانت المقاربة اللبنانية استفزازيّة أو حادّة. وهذا الأمر هو بطبيعة الحال موضع خلاف مع الإدارة الأميركية الأكثر راديكاليّة في سلوكها الذي كانت تعبّر عنه مورغان أورتاغوس.

صحيح أنّ أسلوبها صداميّ لكنّها في نهاية المطاف تعكس موقف إدارتها، ولو بطريقة حادّة. ولذا استبدالها لا يعني أبداً تغييراً في النمط الأميركي. وفق المصادر الدبلوماسية، ثمّة ثابتة واحدة تحكم أداء الإدارة الأميركية، الأكيد فيها هو أن لا شيء مؤكّد. وبالتالي من الضرورة كشف هويّة من سيخلف أورتاغوس في موقعها قبل فهم حقيقة موقف الإدارة وتوجّهاتها في المرحلة المقبلة.


ثابتة واشنطن: سحب السّلاح قبل الإعمار..

في المقابل، ثمّة من يرى ثابتة ثانية في سلوك واشنطن، وهي الضغط لسحب سلاح “الحزب”. يقول هؤلاء إنّ الإدارة الأميركية تمسك بورقة السلاح للضغط على لبنان ومنع قيام ورشة إعادة الإعمار ما دامت السلطة اللبنانية لم تنفّذ قرار حصريّة السلاح بيدها حتّى لو التزم لبنان بالرزمة الإصلاحية، وحتّى لو نفّذ كلّ شروط صندوق النقد الدولي.

لهذا يرى هؤلاء أنّ محاولات باريس لفصل السياسة عن التقنيّ، بمعنى فصل الشروط التقنيّة ذات الطابع الاقتصادي والنقديّ عن شرط تسليم السلاح، لدمج مؤتمر الدعم الاقتصادي عن مؤتمر تمويل إعادة الإعمار، لم تلقَ إلى الآن آذاناً صاغية في واشنطن، التي لا تزال متمسّكة بموقفها: سحب السلاح مقابل التدفّقات المالية، خصوصاً أنّ دول مجلس التعاون الخليجي ستكون المصدر الأكبر لتلك التدفّقات. وهو ما يعني أنّ هذه الدول لن تتحمّس لمساعدة لبنان إذا لم يُصَر إلى تسليم السلاح.