أبعد من "التشطيب" الطرابلسي : عن النظام المركزي والتقوقع المذهبي -بقلم الناشط مارك إليان

  • شارك هذا الخبر
Thursday, May 15, 2025

كتب الناشط مارك إليان:



في البداية، أتقدّم بأحرّ التهاني والتبريكات إلى الفائزين في الانتخابات البلديّة في مدينة طرابلس، هذه المدينة التاريخيّة العريقة التي لطالما عانت من التهميش والإهمال على يدّ من توالوا على تمثيلها. لكن لا يمكن إغفال القلق المشروع الذي أثارته مسألة شطب الأسماء المسيحيّة، وهو ما يعيد إلى الواجهة مسألة "المشاركة"، وهي مسألة قديمة-جديدة، ظلّت تحوم حول الحياة السياسيّة اللبنانيّة منذ إحصاء ١٩٣٢ حتّى اليوم.

هناك معلومة قد يجهلها البعض : في أعقاب التعداد السكاني الذي أجريَ عام ١٩٣٢ والذي أكّد رسميّاً الأغلبيّة الديموغرافيّة المسيحيّة ضمن حدود لبنان الكبار، راح جزءٌ من النخب السياسيّة الإسلاميّة يطالب بنظام يضمن صحّة تمثيلها وحقوقها ومشاركتها في الحياة السياسيّة كأقليّة (أو أقليّات)، بينما دعا البعض في الأوساط المسيحيّة إلى إلغاء الطائفيّة السياسيّة كون التعداد السكاني كان لصالحهم.

مع مرور العقود، بدأت الكفّة الديموغرافيّة تميل تدريجيّاً نحو المسلمين، وذلك بسبب عوامل عدّة. وسرعان ما انعكست المطالب بين المسيحيّين والمسلمين : فمن كان يطالب بحقوقه السياسيّة كأقليّة ديموغرافيّة أصبح ينادي بإلغاء الطائفيّة السياسيّة (كمال جنبلاط مثلاً)، والعكس صحيح.

إذاً ما العلاقة بين ما سبق ونتائج الانتخابات البلديّة في طرابلس ؟ الحقيقة أنّ ما حصل في طرابلس أمس، أي شطب أسماء المرشّحين المسيحيّين من اللوائح الإنتخابيّة وبالتالي غياب أحدهم عن المجلس البلدي الجديد، قد يحصل غداً في بيروت. بمعنى آخر : لا شيء يضمن المناصفة. "التشطيب" حقّ كرّسه قانون الانتخابات البلديّة. لذا من غير المقبول أن يبقى أي مكوّن رهينة لترتيبات ظرفيّة من هنا أو وعود فارغة من هناك.

عمليّاً، إلغاء الطائفيّة السياسيّة يعني تطبيق التجربة الطرابلسيّة الأخيرة على كلّ لبنان. بمعنى آخر : تحويل الأقليّة الديمغرافيّة إلى أقليّة سياسيّة دائمة، وتحويل الأكثريّة الديمغرافيّة إلى غالبيّة سياسيّة دائمة. كلّ هذا في ظلّ نظام مركزي يشجّع مواطنيه على "التشطيب" وبالتالي على التقوقع الطائفي والمذهبي. الحلّ ؟ الانتقال معاً نحو نظام جديد يعترف بالتعدّديّة، ويديرها.