المجلس الدستوري والطعن بمرسوم مشروع الموازنة.. بقلم عبده جميل غصوب

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, May 14, 2025

تحت عنوان، مدى اعتبار المجلس الدستوري مختصا للطعن بمرسوم المتضمن اعتبار مشروع الموازنة المحال الى المجلس النيابي دون البت به مرعيا ومعمولا به في ضوء قرار المجلس الدستوري رقم 3/2025 تاريخ 2/5/2025، كتب عبده جميل غصوب:

اذا كان صحيحا ان المجلس الدستوري اطلق عدة مبادىء دستورية في قراره رقم 3/2025 الصادر في 2/5/2025، فالصحيح ايضا ان اهمها متعلق باختصاص المجلس بالطعن بمرسوم اعتبار مشروع الموازنة المحال الى المجلس النيابي مرعيا ومعمولا به، خصوصا وان قرار المجلس الدستوري صدر بالاكثرية وليس بالاجماع، وسط مخالفتين لاثنين من اعضائه.

ان التطرق لهذه النقطة الهامة، يستوجب معالجتها وفقا للمنهجية التقليدية، فنستعرض في فقرة أولى موقف المجلس الدستوري الذي ربط اختصاصه ( اولا ). ثم ننتقل في فقرة ثانية، الى استعراض الموقف المعارض لربط الاختصاص وفقا لما ذهبت اليه مخالفة عضوي المجلس الدستوري ( ثانيا )، قبل ان ننتقل في فقرة ثالثة الى ابداء الرأي القانوني المناسب ( ثالثا ).

اولا: في استعراض قرار المجلس الدستوري:

جاء في قرار المجلس الدستوري ما خلاصته: ان قانون الموازنة يقره المجلس النيابي في الاصل. ولا يصدره رئيس الجمهورية بمرسوم، الا اذا تحققت الشروط الآتية:

أ ـ عدم البت بمشروع قانون الموازنة العامة خلال العقد التشريعي المعيّن لهذه الغاية.
ب ـ عدم البت بالمشروع المذكور قبل نهاية العقد الاستثنائي الذي يدعو اليه رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة لدرس الموازنة والبت فيها، اي قبل نهاية شهر كانون الثاني.

ج ـ عدم الاجازة لمجلس الوزراء استعمال هذا الحق، الا اذا كان مشروع الموازنة قد طرح على مجلس النواب قبل بداية عقد تشرين الاول بخمسة عشر يوما على الاقل.

ثم تثبت المجلس الدستوري من توافر تلك الشروط الثلاثة مجتمعة، فذكر ان العقد الذي كان مخصصا لدرس الموازنة بدأ يوم الثلاثاء الواقع فيه 22 تشرين الاول 2024، باعتبار ان الخامس عشر من الشهر المذكور صادف يوم ثلاثاء ، والعقد يبدأ في يوم الثلاثاء الذي يليه.

وان مشروع الموازنة طرح على المجلس النيابي في 4/10/2024، اي قبل بداية عقده بأكثر من خمسة عشر يوما، وذلك بموجب المرسوم رقم 14076.

لم يبت مجلس النواب بمشروع الموازنة بشكله النهائي، خلال العقد العادي، ، وهو كان في تلك الفترة وطيلة شهر كانون الثاني من العام 2025 في عقد استثنائي حكمي، عملا بالفقرة الاخيرة من المادة 69 من الدستور ، لان الحكومة كانت معتبرة مستقيلة. وقد انقضت المهلة الدستورية بدون البت بالمشروع، فقرر مجلس الوزراء، عملا بالمادة 86 من الدستور، اعتبار المشروع بالشكل الذي تقدّم به مرعيا ومعمولا به، واصدره رئيس الجمهورية بالمرسوم رقم 56/2025، وتم نشره في ملحق العدد 11 من الجريدة الرسمية تاريخ 13/3/2025، التي ورد في صفحتها الاولى حرفيا: " اعتبر مشروع موازنة عام 2025 المرفق، موضوع مشروع القانون المحال على مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 14076 تاريخ 4/10/2024، مرعيا ومعمولا به "، وعنونت صفحتها الثانية بعبارة " قانون الموازنة العامة للعام 2025".

وتابع المجلس الدستوري في سياق تعليله لعقد اختصاصه، ان قانون الموازنة العمومية يتمتع بطابع القانون الاساسي المنصوص عنه في الدستور، وهو في عداد المواد الاساسية المذكورة في الفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور، وهو في عداد المواد الاساسية المذكورة في الفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور، ما يشير الى اهميته القصوى بحيث ان وجود الدولة مرتبط ارتباطا عضويا بماليتها وبانتظام تلك المالية وصدقيتها وشفافيتها. وهو يعبّر من ناحية عن سياسة الحكومة العامة، ومن ناحية أخرى، يشكل الصك الاساسي الذي يجيز للحكومة سنويا الجباية والانفاق ويتيح للبرلمان وللجهات الرقابية القضائية كديوان المحاسبة، اجراء الرقابة على مداخيل الدولة ونفقاتها.

واضاف المجلس الدستوري ان النصوص التي لها قوة القانون هي تلك التي تضطلع بها السلطة التنفيذية، اما بناء على تفويض من قبل السلطة التشريعية ـ أي المراسيم التشريعية ـ واما لتلافي تلكؤ المجلس النيابي عن القيام بدوره، كما في المادة 86 من الدستور التي تشكل استثناء للمواد 16 و18 و 51 من الدستور.

واوضح المجلس الدستوري ان صلاحية إقرار الموازنة تعود من حيث مضمونها ومن حيث صراحة مواد الدستور التي تنظم مالية الدولة، الى السلطة التشريعية بموجب قانون، وان إعمال احكام المادة 86 من الدستور من شأنه نقل هذه الصلاحية الى السلطة التنفيذية.

وان اللجوء الى الاجراء الاستثنائي المذكور الذي يتجاوز دور البرلمان في تنظيم مالية الدولة ، لا يمكن ان يتوازى مع الافلات من رقابة دستورية الموازنة، الامر الذي يدخل في صلب مهام المجلس الدستوري، علما ان عدم الرقابة يؤدي الى استئثار السلطة التنفيذية بمالية الدولة ، ما قد يؤدي الى الاخلال بمبدأ التوازن بين السلطات.

وان قانون المحاسبة العمومية عرّف الموازنة بانها " صك تشريعي تقّدر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقابلة، ويجاز بموجبه الجباية والانفاق "، وان الدستور اللبناني خصص فصلا كاملا لمالية الدولة هو الفصل " ب " من الباب الرابع، تحت عنوان " في المالية " يشمل المواد 81 الى 89 منه، فتكون القوانين المالية Les lois de finances محفوظة للتشريع وتقع صلاحية النظر والفصل في دستوريتها، من حيث مضمونها، للمجلس الدستوري صاحب الاختصاص حصرا.

وختم المجلس الدستوري " ان النص الذي ينظم مالية الدولة، كما هو الحال بالنسبة لموازنة 2025، تكون له قوة القانون من حيث مضمونه كونه محفوظا اساسا للتشريع في المجلس النيابي، وتعود تبعا لما تقدم للمجلس الدستوري سلطة الرقابة على دستوريته".

ثانيا: في استعراض مخالفة العضوين:

نستعرض باختصار مخالفة العضوين ، كما يلي:

رأى العضوان المخالفان، ان المجلس الدستوري وسّع صلاحياته الدستورية المنصوص عنها في المادة 19 من الدستور بقانون عادي، لتمكينه من مراقبة النصوص التي لها قوة القانون.

وان اختصاص المجلس الدستوري يرتقي الى المرتبة الدستورية تبعا لانشاء المجلس الدستوري وتحديد اختصاصه بنص دستوري، ما يجعل منه سلطة دستورية اوردها المشترع الدستوري في الباب الثاني من الدستور تحت عنوان " السلطات" ، وفي الفصل الاول منه تحت عنوان " احكام عامة " وادخله في عداد السلطات الدستورية. ويستفاد من ذلك ان الدستور منح المجلس الدستوري سلطة دستورية، فيستحيل المساس بها او تعديلها او التنازل عنها الا بنص دستوري.

وان المادة 19 من الدستور حددت صلاحية المجلس الدستوري بمراقبة دستورية القوانين، ما يعني اختصار اختصاصه بالنظر في دستورية النصوص القانونية . والدستور يعرّف القانون بأنه هو ذلك الذي يصدر عن هيئة واحدة وهي مجلس النواب. وان الاعمال التي لا تصدر عن مجلس النواب، لا يمكن اعتبارها قوانين بغض النظر عن مضامينها وآثارها. وان الاجتهاد الاداري يعتبر بان جميع الاعمال الصادرة عن السلطة الاجرائية والادارية تبقى اعمالا ادارية، ترفع المنازعات بشأنها امام مجلس شورى الدولة، طالما لم يصادق عليها المجلس النيابي. وهذا ما يطبقه الاجتهاد الاداري اللبناني، خاصة في مجال قوانين التفويض، اذ تبقى ادارية الى ان تتم المصادقة عليها من قبل مجلس النواب.

كما ان المراسيم ذات المضمون التشريعي تبقى مراسيم صادرة عن السلطة التنفيذية، وتتوافر فيها بالتالي صفات القرارات الادارية، التي تجيز المادة 105 من قانون مجلس شورى الدولة الطعن بها في حال اعتراها عيب من عيوب عدم الشرعية.

وتضيف المخالفة ان المجلس الدستوري غير مختص في النظر بمشروعية الاعمال الادارية، وان كانت تتناول مادة تشريعية، وبالتالي فان القول بان المرسوم الذي وضع موضع التنفيذ قانون موازنة عام 2025، هو نص له قوة القانون ويدخل في اختصاص المجلس الدستوري، هو قول لا يستقيم ، بموجب المادتين 51 و56 من الدستور اللبناني، اذ انه وفق هاتين المادتين يقتصر دور السلطة التنفيذية على الاقرار بارادة المجلس النيابي، مكتفية بمصادقة شكلية ليس الا، اذ انه وفقا للمادتين 51 و56 اعلاه، يقتصر دور رئيس الجمهورية على اصدار القوانين بعد الموافقة عليها من المجلس النيابي ، والقول بغير ذلك يعني تمتع السلطة التنفيذية بحق النقض ضد القوانين التي يكون المجلس النيابي قد اقرها، ما يعني حتما عدم امكانية انسحاب مثل هذا الامر على الاعمال المتخذة بموجب المادة 86 من الدستور.

ففي حين ان المادتين 51 و56 من الدستور تجعلان من السلطة التنفيذية ملزمة باصدار القوانين؛ نجد ان المادة 86 من الدستور، تنص على صلاحية اختيارية للسلطة التنفيذية، اذ يعود للحكومة صلاحية تقييم مخاطر امتناع المجلس النيابي عن اتخاذ القرار بالتصويت على الموازنة، ضمن المهلة المحددة على الرغم من اهمية الموازنة، اذ يعود للحكومة صلاحية تقييم مخاطر الامتناع واتخاذ القرار بتنفيذ مشروع القانون بموجب هذه المادة الدستورية، ما يعني عدم امكانية اصداره ، ونشره بموجب المادتين 51 و56 من الدستور، ما لم يقرر مجلس الوزراء عكس ذلك.

وتتابع المخالفة، ان امتناع المجلس النيابي عن التصويت على مشروع قانون الموازنة ضمن المهلة الدستورية المحددة يسهم بظهور سلطة دستورية ( تفويض دستوري ) للحكومة تقضي بتنفيذ مشروع قانون الموازنة بمرسوم يتخذه رئيس الجمهورية بناء لطلبها.

وتضيف المخالفة انه تلافيا للانعكاسات السلبية الناجمة عن امتناع المجلس النيابي من القيام بواجبه الدستوري، على الرغم من اهمية الموازنة، التي هي ركيزة من ركائز الانتظام المالي العام، يعود للحكومة صلاحية اتخاذ الاجراء اللازم وفقا لارادتها الخاصة والمنفردة، ما يخرج مرسوم اعتبار مشروع الموازنة المحال الى المجلس النيابي مرعيا ومعمولا به، من دائرة اختصاص المجلس الدستوري ويبعده في الوقت ذاته عن " شبح " العمل الحكومي. وهذا ما أكدّه مجلس شورى الدولة الذي اعتبر ان المراسيم التي تصدرها الحكومة بموجب صلاحياتها الاستثنائية والتي تجعل مشاريع القوانين المحالة على المجلس النيابي بمقتضاها نافذة بدون اقرارها منه، والتي تمارس فيها الحكومة سلطة ذاتية اختيارية، اذ هي لا تدخل في نطاق الاعمال التشريعية، ولا تعتبر من اعمال الحكم او الاعمال الحكومية، فتكون بالتالي قابلة للابطال بسبب تجاوز حد السلطة.

وختمت المخالفة، انه على سبيل الاستطراد، فان القول بتوسيع صلاحيات المجلس الدستوري لتشمل حق النظر بمشروعية مرسوم تمّ بموجبه وضع الموازنة موضع التنفيذ بالقياس مع الصلاحية المعطاة للمجلس بمراقبة مشروعية الاعمال التمهيدية للانتخابات النيابية، هو قول مردود ولا يستقيم قانونا، لان هذه الصلاحية تبقى استثنائية، ما يحتم تفسيرها حصرا وبصورة ضيّقة ، في حين تبقى صلاحية القاضي الاداري هي الاساس هنا، وتوخيا لعدم التوسع في هذه الصلاحية الاستثنائية، خصوصا وان الاجتهاد شدد على ان الاخذ بها يتم بشروط ضيقة.

ثالثا: ابداء الرأي القانوني المناسب:

أ ـ لا بد بادىء ذي بدء من الاشارة الى ان أياً من قرار المجلس الدستوري اوالمخالفة، استبعد المرسوم من الطعن؛ بل ان القرار تضمن عقد اختصاص المجلس الدستوري للطعن بمرسوم اعتبار مشروع الموازنة المحال الى المجلس النيابي بدون البت به، مرعيا ومعمولا به، فيما ذهبت المخالفة الى اعتباره عملا اداريا قابلا للطعن امام مجلس شورى الدولة لتجاوز حد السلطة، بعيدا عن اعتباره عملا حكوميا Acte de gouvernement غير قابل للطعن امام مجلس شورى الدولة.

هنا لا بد ان نشير، الى انه بالرغم من تقلص دائرة الاعمال الحكومية وتوجه مجلس شورى الدولة الى توصيف معظم الاعمال بالادارية وابعاد " شبح " اعتبارها من اعمال الحكومة، تمهيدا لاخضاعها الى رقابة المجلس المذكور، يبقى " خطر" اعتبار المرسوم المتضمن اعتبار مشروع الموازنة المحال الى المجلس النيابي مرعيا ومعمولا به، " عملا حكوميا " قائما ، بل " سيفا مسلطا " على ضرورة اجراء الرقابة، اذ ان الامر غير المقبول يبقى عدم اخضاع المرسوم المذكور لاي نوع من انواع الرقابة؛ فيخشى هنا، ان اعلن المجلس الدستوري عدم اختصاصه، ان يرفض مجلس شورى الدولة ربط اختصاصه ايضا، فيصبح المرسوم المذكور " متفلتا " من اي طعن. وهذا ما لا يريده احد.

ب ـ لقد استندت المخالفة، الى ثلاثة اسباب لاستبعاد اختصاص المجلس الدستوري.

1 ـ السبب الاول: اعتماد المعيار الشكلي وليس العضوي لتعريف العمل التشريعي. اذ ان اي اعمال لا تصدر عن مجلس النواب، لا يمكن اعتبارها قوانين بغض النظر عن مضامينها وآثارها. وبالمقابل فان جميع الاعمال الصادرة عن السلطة الاجرائية والادارية تبقى اعمالا ادارية، ترفع المنازعات بشأنها امام مجلس شورى الدولة.

وهنا ايضا نشير الى ان اعتماد المعيار الشكلي لتعريف الاعمال التشريعية، ليس سوى اجتهاد اداري، معرض للتبدل في اي مرحلة، فماذا لو تم اعتبار المعيار العضوي لاحقا او اعتماد المعيارين معا ؟ فنصبح اذاك امام مرسوم غير قابل للطعن امام اي مرجع قضائي، سواء اكان المجلس الدستوري ام مجلس شورى الدولة، وهذا ما لا يقبل به احد.

2 ـ السبب الثاني: المقارنة بين صلاحية السلطة التنفيذية عندما تصدر القوانين بالاستناد الى المادتين 51 و56 من الدستور وصلاحيتها عندما تصدرها بالاستناد الى المادة 86 منه ؛ ففي الحالة الاولى تكون السلطة التنفيذية ملزمة بالاصدار، بينما في الحالة الثانية تكون لها سلطة الاختيار؛ ما يعني انه لا تجوز المقارنة بين الحالتين، اذ ان دور السلطة التنفيذية في حالة المادة 86 مختلف تماما عن دورها المقيّد في حالة المادتين 51 و56 من الدستور. وبالتالي فان عمل السلطة التنفيذية في حالة المادة 86 نابع منها، بينما هو عمل اجرائي ملزم لها في حالة المادتين 51 و56 من الدستور، وبالتالي يغلب على عملها الطابع الاداري في حالة المادة 86 ، ما يقتضي معه استبعاد اختصاص المجلس الدستوري للطعن بمرسوم اعتبار مشروع قانون الموازنة المحال الى المجلس دون البت به، مرعيا ومعمولا به.

3 ـ السبب الثالث: استبعاد القياس مع الصلاحية المعطاة للمجلس الدستوري بمراقبة مشروعية الاعمال التمهيدية للانتخابات النيابية، بسبب الطابع الحصري لهذا الاستثناء المؤدي الى وجوب تفسيره بصورة ضيقة.

ولكننا،
ومع وجاهة الاسباب المدلى بها في المخالفة، نرى ان القرار الصادر عن المجلس الدستوري، هو في المسار الصحيح للاسباب التالية:

أ ـ لان المادة 86 من الدستور تشكل استثناء لصلاحيات السلطة التنفيذية، وهي خاضعة في تطبيقها الى شروط محددة.

ب ـ لان النصوص التي لها قوة القانون والتي تضطلع بها السلطة التنفيذية، اما بناء على تفويض من قبل السلطة التشريعية ( اي المراسيم التشريعية ) ، واما لتلافي تلكؤ المجلس النيابي عن القيام بدوره، كما هي الحال في المادة 86، تشكل استثناء ؛ فلا يصح اخراجها بسهولة من رقابة المجلس الدستوري، خصوصا وان الاجراء الاستثنائي المذكور الذي يتجاوز دور المجلس النيابي في تنظيم مالية الدولة، لا يمكن ان يرافقه " الافلات " من رقابة دستورية الموازنة؛ الامر الداخل في صلب اختصاص المجلس الدستوري.

ج ـ لان اعتبار مرسوم اعتبار مشروع الموازنة المحال الى المجلس النيابي دون البت به ، مرعيا ومعمولا به، عملا اداريا خارجا عن رقابة المجلس الدستوري وداخلا في اختصاص مجلس شورى الدولة، يؤدي الى الاخلال بمبدأ التوازن بين السلطات، لانه يجرد الموازنة من طابعها الدستوري، خصوصا وان الدستور خصص فصلا كاملا لمالية الدولة هو الفصل " ب" من الباب الرابع، فتكون القوانين المالية محفوظة للتشريع وتقع صلاحية النظر والفصل في دستوريتها، من حيث مضمونها، للمجلس الدستوري صاحب الاختصاص الحصري.

د ـ لان اعتبار مشروع الموازنة المحال الى المجلس النيابي دون البت به، نافذا ومعمولا به بموجب مرسوم صادر عن السلطة التنفيذية، لا يمكن اعتباره، في اي حال من الاحوال، خارجا عن توصيف النصوص التي لها قوة القانون، والخاضعة طبقا للمادة 19 من الدستور لرقابة المجلس الدستوري، وذلك استنادا الى توصيف الاعمال التشريعية انطلاقا من معيار شكلي وغير عضوي.

فالمجلس الدستوري يتولى وحده الرقابة على دستورية القوانين " وسائر النصوص التي لها قوة القانون"، خلافا لاي نص مغاير، فلا يجوز لاي مرجع قضائي آخر ان يقوم بهذه الرقابة.

هـ ـ لانه لا يجوز اخضاع الموازنة الى نظامي طعن مختلفين، لســـــــبب شكلي محض ، عائد بدوره الى " تقاعس" المجلس النيابي عن دراسة واقرار مشروع الموازنة.

و ـ لان نظام اخضاع الموازنة الى الطعن امام المجلس الدستوري لمخالفة الدستور او لاحدى القواعد الدستورية، يبدو اكثر ضمانة من الطعن بها امام مجلس شورى الدولة لتجاوز حد السلطة، لان المجلس الدستوري ـ وبمجرد وضع يده على الطعن ـ يصبح حرا في اثارة اي سبب يراه لازما، ولو لم يكن مثارا من الطاعنين، ما يفسح المجال واسعا امام التطرق لنقاط لم تكن موضع طعن من الطاعنين؛ بينما ، وعلى خلاف ذلك، يبقى اختصاص مجلس شورى الدولة محصورا باسباب الطعن المدلى بها من الخصوم دون ان يمكنه الطعن من التطرق الى اسباب أخرى لم يتّم اثارتها.

هذا فضلا عن انه امام مجلس شورى الدولة تشكل خصومة من فريقين : طالبي الطعن والدولة اللبنانية، ما يجعل اي سبب مثار مدار نقاش بين الطرفين، بينما امام المجلس الدستوري، لا وجود للخصوم بل فقط للطاعنين الذين تقدموا بالمراجعة امامه.

وهذا بدوره ما يؤدي الى نتيجة عبثية، عبر جعل الطعن امام مجلس شورى الدولة " اكثر صعوبة " في مساره ـ اذا صح التعبير ـ من الطعن امام المجلس الدستوري، بدون ان يغرب عن بالنا ان صفة المراجعة امام مجلس شورى الدولة ليست مقتصرة على اطراف محددين، كما هي الحال امام المجلس الدستوري. وهذه نقطة هامة تصب في مصلحة الطعن امام مجلس شورى الدولة، ولكنها لا تكفي اطلاقا لتبرير اخضاع الطعن بالموازنة الى نظامي طعن مختلفين.

ز ـ لان اخضاع مؤسسة قانونية واحدة هي " الموازنة " الى نظامي طعن مختلفين ، لا يصب اطلاقا في مصلحة " وحدة المؤسسة القانونية " ، التي يجب ان تخضع الى نظام قانوني واحد سواء في شروطها ام في الآثار الناشئة عنها، كما في اصول الطعن بها، لان التفريق " يشرذم " المؤسسة القانونية ويجعلها عرضة " للانتهاكات ".

في الخلاصة، ان قرار المجلس الدستوري لجهة ربط اختصاصه للنظر بالمرسوم المطعون فيه، متفق تماما مع الاهمية الدستورية للموازنة ودورها الاساسي في انتظام سائر مؤسسات الدولة، فضلا عن مراعاته لقواعد تفسير الاعمال القانونية، غير المنطلق حصرا من النصوص بل الآخذ بالاعتبار ايضا الغاية الحقيقية منها ؛ هذا مع اقرارنا بوجاهة اسباب المخالفة. ويبقى السؤال مطروحا عما اذا كان المجلس الدستوري سيبقى على اجتهاده الحاضر ام سيعدلّه لاحقا ؟ الامر متروك للمستقبل.

ويطرح السؤال بالمناسبة، انه ـ وفي ضوء قراره الحالي ـ هل سيعقد المجلس الدستوري اختصاصه ، خلال النظر بالقرار الصادر عن السلطة التنفيذية الذي اعتبر قانون ايجارات الاماكن غير السكنية الجديد، نافذا حكما ؟