نيويورك تايمز- التفاصيل الخفية للمواجهة في اليمن: عُمان منحت ترامب المخرج
شارك هذا الخبر
Wednesday, May 14, 2025
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته هيلين كوبر وغريغ جافي وجوناثان سوان وإريك شميت وماغي هابرمان قالوا فيه إنه عندما وافق الرئيس ترامب على حملة لإعادة فتح الملاحة في البحر الأحمر بقصف جماعة الحوثي المسلحة لإجبارها على الاستسلام، أراد رؤية نتائج في غضون 30 يوما من الضربات الأولى التي شنت قبل شهرين.
وبحلول اليوم الحادي والثلاثين، طالب ترامب، الذي كان دائما متخوفا من التورطات العسكرية المطولة في الشرق الأوسط، بتقرير مرحلي، وفقا لمسؤولين في الإدارة.
لكن النتائج لم تكن موجودة، فلم تكن الولايات المتحدة قد حققت حتى تفوقا جويا على الحوثيين. بدلا من ذلك، ما ظهر بعد 30 يوما من تصعيد الحملة ضد الجماعة اليمنية كان انخراطا عسكريا أمريكيا آخر باهظ الثمن ولكنه غير حاسم في المنطقة.
وقد أسقط الحوثيون عدة طائرات أمريكية مسيرة من طراز”أم كيو – 9 ريبر”، وواصلوا إطلاق النار على السفن الحربية في البحر الأحمر، بما في ذلك حاملة طائرات أمريكية. واستخدمت الضربات الأمريكية أسلحة وذخائر بمعدل يقارب مليار دولار في الشهر الأول وحده.
ومما زاد الأمور سوءا سقوط طائرتين من طراز إف/إيه-18 سوبر هورنت، قيمة كل واحدة منهما 67 مليون دولار، من حاملة الطائرات الأمريكية الرائدة، والمكلفة بشن ضربات ضد الحوثيين، عن طريق الخطأ في البحر. وبحلول ذلك الوقت، كان قد طفح الكيل بالنسبة لترامب.
وقال ستيف ويتكوف، مبعوثه إلى الشرق الأوسط، والذي كان بالفعل في محادثات نووية بوساطة عمانية مع إيران، إن المسؤولين العمانيين اقترحوا ما قد يكون مخرجا مثاليا لترامب بشأن قضية الحوثيين المنفصلة، وفقا لمسؤولين أمريكيين وعرب. ستوقف الولايات المتحدة حملة القصف، ولن تستهدف الميليشيا السفن الأمريكية في البحر الأحمر بعد الآن، ولكن دون أي اتفاق لوقف تعطيل الشحن الذي تعتبره الجماعة مفيدا لإسرائيل.
وتلقى مسؤولو القيادة المركزية الأمريكية أمرا مفاجئا من البيت الأبيض في 5 أيار/ مايو بـ”إيقاف” العمليات الهجومية.
وعند إعلانه وقف الأعمال العدائية، بدا الرئيس وكأنه معجب بالجماعة الإسلامية المسلحة، على الرغم من تعهده سابقا بـ”القضاء عليها تماما”.
وقال ترامب: “لقد ضربناهم بقوة، وكان لديهم قدرة كبيرة على تحمل العقاب، يمكن القول إن لديهم شجاعة كبيرة”. وأضاف: “لقد أعطونا وعدا بأنهم لن يطلقوا النار على السفن بعد الآن، ونحن نحترم ذلك”.
ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك صحيحا، فقد أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا على إسرائيل يوم الجمعة، مما أدى إلى انطلاق صفارات الإنذار الجوية التي دفعت الناس إلى مغادرة شواطئ تل أبيب، حيث اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية الصاروخ.
وتعلق الصحيفة أن الإعلان المفاجئ عن النصر على الحوثيين يظهر كيف استخف بعض أعضاء فريق الأمن القومي للرئيس بجماعة معروفة بمرونتها. وكان الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية، قد ضغط من أجل شن حملة عسكرية ضارية، وهو ما أيده في البداية وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي، وفقا لعدة مسؤولين مطلعين على المناقشات. لكن الحوثيين عززوا العديد من مخابئهم ومستودعات أسلحتهم خلال القصف المكثف.
ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء الرجال أساءوا تقدير مدى تسامح رئيسهم مع الصراع العسكري في المنطقة، التي يزورها هذا الأسبوع، والتي تتضمن زيارات إلى السعودية وقطر والإمارات. لم يقتنع ترامب قط بالتورطات العسكرية طويلة الأمد في الشرق الأوسط، وقضى فترة ولايته الأولى في محاولة إعادة القوات إلى الوطن من سوريا وأفغانستان والعراق.
والأهم من ذلك، أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجديد في إدارة ترامب، الجنرال دان كين، كان قلقا من أن حملة مطولة ضد الحوثيين ستستنزف الموارد العسكرية بعيدا عن منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وكان سلفه، الجنرال تشارلز كيو. براون الابن، قد شارك هذا الرأي قبل إقالته في شباط/ فبراير.
وبحلول الخامس من أيار/ مايو، كان ترامب مستعدا لتجاوز المرحلة، وفقا لمقابلات أُجريت مع أكثر من اثني عشر مسؤولا حاليا وسابقا على دراية بالمناقشات في دائرة الأمن القومي للرئيس. وقد تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لوصف المناقشات الداخلية.
وقال ترامب في تصريحات أدلى بها في البيت الأبيض يوم الأربعاء: “نحن نحترم التزامهم وكلمتهم”.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، في بيان لصحيفة “نيويورك تايمز” إن “الرئيس ترامب نجح في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهو صفقة جيدة أخرى لأمريكا وأمننا”. وأضافت أن الجيش الأمريكي نفذ أكثر من 1100 غارة، مما أسفر عن مقتل مئات المقاتلين الحوثيين وتدمير أسلحتهم ومعداتهم.
كان الجنرال كوريلا يهاجم الحوثيين منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، عندما بدأت الجماعة بمهاجمة السفن المارة عبر البحر الأحمر كوسيلة لاستهداف إسرائيل بسبب غزوها لغزة.
لكن الرئيس بايدن اعتقد أن إشراك الحوثيين في حملة قوية من شأنه أن يرفع مكانتهم على الساحة العالمية. بدلا من ذلك، أذن بشن ضربات أكثر محدودية ضد الجماعة. لكن ذلك لم يُوقف الحوثيين.
الآن، أصبح للجنرال كوريلا قائدا أعلى جديدا.
واقترح حملة تتراوح مدتها بين ثمانية وعشرة أشهر، تقوم فيها طائرات القوات الجوية والبحرية بتدمير أنظمة الدفاع الجوي الحوثية. وقال إن القوات الأمريكية ستنفذ بعد ذلك عمليات اغتيال مستهدفة على غرار العملية الإسرائيلية الأخيرة ضد حزب الله، حسبما ذكر ثلاثة مسؤولين أمريكيين.
أيد المسؤولون السعوديون خطة الجنرال كوريلا وقدموا قائمة أهداف تضم 12 من كبار قادة الحوثيين الذين قالوا إن مقتلهم سيشل الحركة. لكن الإمارات، وهي حليف قوي آخر للولايات المتحدة في المنطقة، لم تكن متأكدة من ذلك. فقد صمد الحوثيون لسنوات من القصف السعودي والإماراتي.
بحلول أوائل آذار/ مارس، وافق ترامب على جزء من خطة الجنرال كوريلا – غارات جوية ضد أنظمة الدفاع الجوي الحوثية وضربات ضد قادة الجماعة. أطلق وزير الدفاع بيت هيغسيث على الحملة اسم “عملية الفارس الخشن”.
في مرحلة ما، منحت حملة الجنرال كوريلا التي تحتاج من ثمانية إلى عشرة أشهر 30 يوما فقط لإظهار نتائجها.
في تلك الأيام الثلاثين الأولى، أسقط الحوثيون سبع طائرات أمريكية بدون طيار من طراز “ام كيو-9” حوالي (30 مليون دولار لكل منها)، مما أعاق قدرة القيادة المركزية على تتبع الجماعة المسلحة وضربها.
وقال مسؤولون أمريكيون إن دفاعات الحوثيين الجوية كادت تصيب عدة طائرات أمريكية من طراز إف-16 وطائرة مقاتلة من طراز إف-35، مما جعل احتمال وقوع خسائر بشرية أمريكية حقيقيا.
وتحقق هذا الاحتمال عندما أصيب طياران وأحد أفراد طاقم قمرة القيادة في الحادثتين اللتين تضمنتا طائرتي إف/إيه-18 سوبر هورنت، اللتين سقطتا في البحر الأحمر من حاملة الطائرات هاري إس ترومان بفارق 10 أيام بين الحادثتين.
في هذه الأثناء، كان العديد من أعضاء فريق الأمن القومي لترامب يتصدون للكشف عن أن هيغسيث قد عرض حياة الطيارين الأمريكيين للخطر من خلال وضع خطط عملياتية بشأن الضربات في محادثة على تطبيق سيغنال. بدأ والتز المحادثة وأدرج صحافيا في اللقاء عن غير قصد.
وأفاد البنتاغون أن الضربات الأمريكية أصابت أكثر من 1000 هدف، بما في ذلك منشآت قيادة وتحكم متعددة وأنظمة دفاع جوي ومنشآت تصنيع أسلحة متطورة ومواقع تخزين أسلحة متطورة. وقال الجيش إنه بالإضافة إلى ذلك، قُتل أكثر من اثني عشر من كبار قادة الحوثيين.
لكن تكلفة العملية كانت مذهلة.
فقد نشر البنتاغون حاملتي طائرات، وقاذفات بي-2 إضافية، وطائرات مقاتلة، بالإضافة إلى دفاعات جوية من طراز باتريوت وثاد، في الشرق الأوسط، حسبما أقر مسؤولون سرا. وقال المسؤولون إنه بحلول نهاية الأيام الثلاثين الأولى من الحملة، تجاوزت التكلفة مليار دولار.
كما استخدمت كميات هائلة من الذخائر الدقيقة، وخاصة تلك المتطورة بعيدة المدى، لدرجة أن بعض مخططي الطوارئ في البنتاغون كانوا قلقين بشكل متزايد بشأن المخزونات الإجمالية وتداعيات أي موقف قد تضطر فيه الولايات المتحدة إلى صد محاولة غزو صينية لتايوان.
وخلال كل ذلك، كان الحوثيون لا يزالون يطلقون النار على السفن والطائرات المسيرة، ويحصنون مخابئهم وينقلون مخزونات الأسلحة تحت الأرض.
بدأ البيت الأبيض بالضغط على القيادة المركزية لمعرفة مقاييس النجاح في الحملة. ردت القيادة بتقديم بيانات تظهر عدد الذخائر التي أُلقيت. قال مسؤولون إن أجهزة الاستخبارات أشارت إلى وجود “بعض التراجع” في قدرات الحوثيين، لكنها جادلت بأن الجماعة قادرة على إعادة بناء نفسها بسهولة.
ثم درس كبار مسؤولي الأمن القومي مسارين. يمكنهم تكثيف العمليات لمدة تصل إلى شهر آخر، ثم إجراء مناورات “حرية الملاحة” في البحر الأحمر باستخدام مجموعتين من حاملات الطائرات، كارل فينسون وترومان. إذا لم يطلق الحوثيون النار على السفن، فستعلن إدارة ترامب النصر.
أو، كما قال المسؤولون، يمكن تمديد الحملة لمنح القوات الحكومية اليمنية وقتا لاستئناف حملة طرد الحوثيين من العاصمة والموانئ الرئيسية.
في أواخر نيسان/ أبريل، نظم هيغسيث مكالمة فيديو مع مسؤولين سعوديين وإماراتيين وكبار المسؤولين من وزارة الخارجية والبيت الأبيض في محاولة للتوصل إلى خطة مستدامة للمضي قدما ووضع مسار قابل للتحقيق للحملة يمكنهم تقديمه إلى الرئيس.
وقال مسؤولون أمريكيون إن المجموعة لم تتمكن من التوصل إلى توافق في الآراء.
انضم الآن إلى المناقشات حول عملية الحوثيين الجنرال كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة الجديد لإدارة ترامب، والذي كان متشككا في حملة موسعة. وقال مساعدون إن الجنرال كين كان قلقا بشأن توريد الأصول التي اعتقد أنها ضرورية لمنطقة المحيط الهادئ.
كما شكك نائب الرئيس جيه دي فانس ومديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد ووزير الخارجية ماركو روبيو ورئيسة موظفي البيت الأبيض، سوزي وايلز، في حملة أطول. وقال أشخاص مطلعون على المناقشات إن هيغسيث كان يتبادل الآراء، ويجادل كلا الجانبين.
لكن ترامب أصبح المتشكك الأكثر أهمية.
في 28 نيسان/ أبريل، اضطرت حاملة الطائرات ترومان إلى القيام بانعطافة حادة في البحر لتجنب نيران الحوثيين القادمة، وفقا لما ذكره العديد من المسؤولين الأمريكيين. ساهمت هذه الخطوة في فقدان إحدى طائرات سوبر هورنت، التي كانت تُسحب في ذلك الوقت وسقطت في البحر. في اليوم نفسه، قُتل العشرات في هجوم أمريكي أصاب منشأة للمهاجرين يسيطر عليها الحوثيون، وفقا للجماعة ومسؤولي الإغاثة.
ثم في 4 أيار/ مايو، أفلت صاروخ باليستي حوثي من الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضرب بالقرب من مطار بن غوريون الدولي خارج تل أبيب.
يوم الثلاثاء، اضطر طياران على متن طائرة سوبر هورنت أخرى، أيضا على متن حاملة الطائرات ترومان، إلى القفز بالمظلة بعد أن فشلت طائرتهما المقاتلة في الإمساك بالكابل الفولاذي على سطح حاملة الطائرات، مما أدى إلى سقوط الطائرة في البحر الأحمر.
بحلول ذلك الوقت، قرر ترامب إعلان نجاح العملية.
سارع مسؤولو الحوثيين وأنصارهم إلى إعلان النصر أيضا، ونشروا هاشتاغ على وسائل التواصل الاجتماعي يقول “اليمن يهزم أمريكا”.