“أمّة نصرالله” في تشييعه: “فرصة” للدبلوماسيّة! -بقلم ملاك عقيل
شارك هذا الخبر
Monday, February 24, 2025
لم يُقدّر ليوم التشييع إلّا أن يكون مُطابِقاً لمواصفات، وضعتها قيادة “الحزب” الجديدة، لمرحلة ما بعد السيّد حسن نصرالله. استثنائيّة الحشود، والتنظيم، والمدعوّين من كبار الشخصيّات في الداخل والخارج، والاستنفار الأمني غير المسبوق، عَكسوا قراراً واضحاً بالتعامل مع مرحلة ما بعد 23 شباط، من موقع قوّة وسيطرة على الشارع… وعلى القرار الشيعي في عهد “نزع سلاح الحزب”. يحدث ذلك، في ظلّ إمساك الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم العصا من الوسط: “منح الدبلوماسية فرصة… والمقاومة مستمرّة وجاهزة”.
منذ الصباح الباكر ارتسمت أولى معالم “اليوم الكبير”. مدرّجات المدينة الرياضية امتلأت بالكامل، بدءاً من ساعات الفجر الأولى، ومئات الآلاف كانوا يزحفون باتّجاه مكان الحدث الموصول بين ملعب كميل شمعون ومرقد السيّد. في مطار بيروت، توالى استقبال كبار الشخصيّات الإيرانية كوزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقتشي ورئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، وأخرى عراقية ويمنية وبحرينية ومن عشرات الدول… على رأس وفود رسمية وشعبية من هذه البلدان.
صحيح أنّ قراراً رسمياً، تحت الضغط الأميركي – الإسرائيلي، أدّى إلى حظر هبوط الطائرات الإيرانية في لبنان، لمدّة غير معلومة، إلّا أنّ “الحشد الإيراني” الذي شارك في التشييع أمس كان كبيراً، آتياً من العراق وتركيا، فيما وصلت الشخصيات الإيرانية الرسمية على متن طائرات إيرانية رئاسية، من بينها ممثّل مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
قبل بدء مراسم التشييع، وخلالها، استهدفت الغارات الإسرائيلية جرود وبلدات في الهرمل وبعلبك وعدّة مناطق جنوبية، من ضمنها دير قانون النهر التي سيدفن فيها اليوم السيّد هاشم صفيّ الدين. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي استهداف منصّات صواريخ تابعة لـ”الحزب” وقواعد عسكرية. فيما بلغَ الاستفزاز الإسرائيلي مداه الأقصى بتحليق الطائرات الحربية على علوّ منخفض جدّاً خلال مرور نعش السيّدين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين أمام الجموع المحتشدة في المدينة الرياضية، وخلال إلقاء الشيخ نعيم قاسم كلمته المسجّلة. قالت “أمّة نصرالله” كلمتها أمس. إحدى أكبر جنازات التشييع في تاريخ الشعوب، مقارنة بعدد السكان، لن يتصرّف أهلها كمن “عزّوا ومشوا إلى هزيمتهم”، ما دام مفهوم الهزيمة لم يرِد في قاموسهم حتّى لحظة التشييع.
استحقاقات ما بعد 23 شباط
بدءاً من اليوم سيوضع “الحزب” تحت مجهر تعامله مع عدّة استحقاقات داهمة:
– نَزع سلاح “الحزب” في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي الذي أكثَر الأميركيون من الوعود للجانب اللبناني بأنّه لن يستمرّ طويلاً، من دون تقديم ضمانات، وفق مصادر مطّلعة، في شأن إبقاء إسرائيل على حرّيّة حركتها في اصطياد قيادات “الحزب”، وتنفيذ اغتيالات وقصف ما تعتبره مخازن أسلحة ومنصّات صورايخ أو أسلحة دقيقة. – مقابل احتفاظ “الحزب” بورقة المقاومة في ظلّ استمرار واقع الاحتلال، وعبر تأكيد أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم أمس “عدم التخلّي عن خيار المقاومة حتى لو قتلنا جميعاً، وحتى لو دمّرت بيوتنا على رؤوسنا”، فإنّ الموقف الرسمي الأبرز تُرجِم أمس من خلال كلام رئيس الجمهورية جوزف عون أمام الوفد الإيراني برئاسة قاليباف مؤكّداً أنّ “لبنان تَعِب من الحروب، ووحدة اللبنانيين هي أفضل مواجهة لأيّ خسارة أو عدوان”، لافتاً إلى أنّ “لبنان دفع ثمناً كبيراً من أجل القضية الفلسطينية”، فيما أكّد قاليباف دعم إيران “لأيّ قرار يتّخذه اللبنانيون بعيداً عن أيّ تدخّل في شؤونه”.
جلسة الثّقة
– ستكون جلسة الثقة لحكومة الرئيس نوّاف سلام غداً ويوم الأربعاء أوّل الاستحقاقات الداخلية التي ستحدّد سلوك “الحزب”، الذي يتمثّل بوزيرين في الحكومة حضرا مراسم التشييع أمس، في التعاطي مع العهد الجديد. تقول معلومات “أساس” إنّه على الرغم من واقع الاحتلال، وانتقاد “الحزب” لأداء الحكومة حيال الاعتداءات الإسرائيلية، فإنّه سيمنح الثقة للحكومة مع نوّاب حركة “أمل”. – تحدّث الشيخ قاسم أمس عن ثوابت “الحزب” في المرحلة المقبلة، أهمّ ما فيها ربطه زرّ إطلاق العمل المقاوم “بالأساليب والتوقيت وإطلاق النار بالوقت المناسب، ووفق المصلحة وتقديرنا للظروف”، مؤكّداً أنّ “المقاومة مستمرّة وعلى جهوزيّتها، وأعدنا تنظيم “الحزب” بقياداته وعناصره. لن نتفرّج على الاحتلال، ولن ننكشف ليتحكّم بنا العدوّ”.
– مع ذلك، أبقى قاسم إلى حين الكرة في ملعب الدولة “التي يجب أن تتحمّل مسؤوليّاتها، بعدما منعنا العدوّ في المرحلة الأولى من تحقيق أهدافه. فبعد انتهاء مهلة الاتّفاق لم نعد أمام خروقات، بل احتلال. وسنتابع تحرّك الدولة عبر المواجهة الدبلوماسية، ونبني على النتائج”. وهذا أوّل موقف رسمي من “الحزب” يؤيّد الخيار الرئاسي الثلاثيّ في “المواجهة السياسية”، كفترة اختبار، وليس كالتزام مطلق بهذا التوجّه، لا سيما أنّ قاسم توجّه إلى دعاة السيادة قائلاً: “ماذا فعلتم في فرصة الاتّفاق؟ وماذا تفعلون الآن؟ لا نسمع كلمة منكم عن إسرائيل وأميركا”. – أعاد الشيخ قاسم التذكير بدور “الحزب” بصفته “جزءاً من تركيبة البلد، وفي انتخاب رئيس الجمهورية، والتعاون من أجل تسهيل ولادة الحكومة. وسنشارك في بناء الدولة القويّة”، طالباً عدم “اللعب بيننا وبين حركة أمل”. هنا تؤكّد أوساط قريبة من “الحزب” أنّ “قيادة “الحزب”، للمرّة الأولى منذ انخراطها في السلطة، ستتابع عن كثب ورشة انخراطها بشكل أكبر في العمل الداخلي، وعلى رأسه مسألة التعيينات وكلّ الملفّات الداخلية الأساسية”.