يخرج حزب الله من مرحلة إلى مرحلة جديدة، يستعيد فيها كثيرون مسألة الانشقاق أو الخلافات في التوجهات داخل الحزب. علماً أن كل المعلومات تؤكد بأنه بعد تولي السيد حسن نصرالله الأمانة العامة للحزب، تم توحيده بشكل كامل وترسيخ "مركزية القرار". لا سيما أنه قبل وصول نصرالله كان هناك وجهات نظر مختلفة في حزب الله، وكان هناك أجنحة وفرق، وحتى داخل المؤسسات الإيرانية التي كانت تعمل على هامش حزب الله بالأمن، العسكر، والإعلام. ولكن بعد تولي نصرالله توقف عمل كل هذه المؤسسات وأصبحت مدموجة ضمن استراتيجية الحزب المركزية.
وكان الشيخ صبحي الطفيلي يمثل وجهة النظر المحفزة على الدخول في صراع بوجه حركة أمل، بينما كان عباس الموسوي ضد هذا الصراع مع أمل، علماً أن ذلك كان انعكاساً لخلافات داخل البنية الإيرانية. مع استلام الموسوي بدأ العمل على توحيد مركزية القرار التي تعززت وتكرست أكثر مع نصرالله. قبل ذلك كانت الاتجاهات المختلفة واضحة. إذ كان مثلاً الشيخ حسين كوراني يمثل حالة مختلفة عن مركزية القرار، ويبرز بنشاط بارز انطلاقاً من دوره في هيئة دعم المقاومة، وكان متعاطفاً مع الشيخ صبحي الطفيلي. كذلك كانت هناك وجهة نظر يمثّلها محمد رعد ومحمد فنيش، والشيخ نعيم قاسم مؤيدة نسبياً لاتجاه الطفيلي. يُذكر أن نعيم قاسم كان إلى جانب صبحي الطفيلي، وإلى جانبهما محمد رعد. وهم الثلاثة أتوا إلى حزب الله من حزب الدعوة. وكانوا على تلاق بعيد المدى مع محمد فنيش الذي جاء من لجان العمل الإسلامي، وكان في فترة من الفترات رئيساً للمكتب السياسي في حزب الله.
حالياً، تتحدث بعض الروايات عن وجود مجموعات إيرانية ومجموعات في الحزب تعمل خارجة عن القيادة المركزية. لكن هذا الأمر تنفيه المصادر القريبة من الحزب بشكل كامل، وتؤكد أنه لا وجود لطرف أساسي وقوي قادر على مواجهة الشيخ نعيم قاسم. تنفي المصادر وجود أي انشقاقات أو خلافات داخل الحزب، ولكن طبعاً هناك وجهات نظر مختلفة ومتنوعة، وهناك نقاش مفتوح. كما أن الإيرانيين لن يسمحوا بحصول أي تفاوت أو خلافات داخل بنية الحزب وجسده، لأنهم ينظرون إلى ذلك بأنه يمثل تهديداً وجودياً. هناك من يشير إلى الكثير من الملاحظات حول الشيخ نعيم قاسم، والذي في أول خطاب له بعد وقف إطلاق النار تحدث بوضوح عن الدولة والطائف، إلا أنه بعدها غيّر من لهجته، وشدد على أن اتفاق وقف إطلاق النار يسري على جنوب نهر الليطاني فقط، وهو ما بدا استجابة لضغوط كبيرة حصلت داخل الحزب. ينظر هؤلاء إلى قاسم بأنه يمثل مرحلة انتقالية ولن تكون ثابتة إلى فترة طويلة، إلا ضمن سياق إعادة انتاج القيادة بشكل كامل. علماً أن بعض معارضيه يصفونه بأنه شخص إداري ممتاز ولكنه ليس سياسياً بحضوره القوي، وهو لا يشكل أي توازن مع الصورة التي كان قد قدمها نصرالله. بناء على كل ما تقدّم، فإن حزب الله يعيش تحديات كبيرة، أولها إعادة ترميم قيادته وإنتاجه لتثبيت مركزية القرار. ثانيها، الحفاظ على الانسجام وتعزيزه مع حركة أمل للحفاظ على وحدة الصف الشيعي. ثالثها، التمسك بالوجود داخل الدولة وقرارها السياسي لمواجهة أي محاولة لإضعافه واستبعاده.