هل اهتزت العلاقة بين العهد والبيئة الشيعيّة؟- بقلم ابراهيم ناصر الدين
شارك هذا الخبر
Thursday, February 20, 2025
اصرار الرئيس جوزاف عون خلال اليومين الماضيين على تكرار لازمة نفي وجود اي نية لحصار الطائفة الشيعية مهم للغاية، ويوضح حقيقة نوايا العهد تجاه جزء كبير من المواطنين اللبنانيين، ويقطع الطريق امام من يحاول "الاصطياد في الماء العكر". لكن مجرد التركيز على هذا الملف، يشير الى وجود مشكلة تحتاج الى العلاج على نحو سريع قولا وفعلا، خصوصا ان البيئة الشيعية الملتصقة بالمقاومة، لم تكن لديها مشاعر سلبية تجاه عون ابان وجوده على رأس المؤسسة العسكرية، وخلال التسويق له لمنصب الرئاسة، ولم تعتبر انتخابه هزيمة او استفزازا لخياراتها السياسية، باعتباره وازنا على نحو ناجح، ودقيق بين احتياجات المقاومة ووظيفة الجيش خلال سنوات وجوده في اليرزة. فماذا تغير؟
مصادر سياسية مطلعة، تشير الى ان ما يبذله العهد من جهد لنفي وجود استهداف للطائفة الشيعية، ناتج عن شعور واقعي بوجود ندوب في العلاقة برزت مؤخرا، نتيجة سوء تقدير متبادل لطبيعة المرحلة الراهنة، الشيعة يعتبرون ان التزام الدولة اللبنانية بتنفيذ املاءات الخارج، والتي كانت ابرز تجلياتها منع الطيران الايراني من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي، مقدمة لتنازلات لن تقف عند اي حدود، وهدفها الاول والاخير حصار والقضاء على المقاومة ليست بمفهومها المسلح فقط، وانما كفكرة وبيئة تحتاج اليوم الى المساعدة على اعادة الاعمار، وجاء من ينساق مع هذا الحصار داخليا عبر "شيطنة" ايران ومنعها من تمويل عملية البناء، دون ان يقدم البديل، سوى الوعود بمساعدات دولية مشروطة علنا بعنوان فضفاض من الاصلاحات، وسرا بشروط سياسية قاسية، ولهذا جاء الحراك على طريق المطار "رسالة" للخارج قبل الداخل، بان الضغط سيقابل "بالفوضى" وليس الاستسلام، وهو امر قد يساعد العهد على حماية نفسه من تلك الضغوط، ومحاولة كبح جماحها، باعتبارها ستؤدي الى ازمة داخلية كبيرة.
في المقابل، لرئاسة الجمهورية والحكومة وجهة نظر مختلفة، تقوم على ضرورة التعامل بواقعية مع الظروف الاقليمية والدولية، وكذلك مع نتائج الحرب الاخيرة، باعتبار ان الموقف اللبناني بات ضعيفا، والمقاومة العسكرية لم تعد خيارا متاحا، ولا قدرة الآن على مواجهة الموجة الاميركية العالية التي تجتاح العالم، وليس فقط منطقة الشرق الاوسط، الا بمحاولة استيعابها وعدم مواجهتها، ومسألة منع الطيران الايراني لن تكون "آخر الدنيا"، ويجب التعامل معها باعتبارها خيار لا بد منه لتجنب "الاعظم"، وهو امر على البيئة الشيعية ان تستوعبه ولا تنقل الازمة الى الداخل، باعتبار ان ما جرى في الشارع، موجه الى العهد ولم يكن له اي داع، ومن الآن وصاعدا عليها ان تعتاد على فكرة وجود الدولة.
لكن اين الدولة؟ تتساءل اوساط مقربة من "الثنائي"، اذا كان الامر يتعلق باجراء الاصلاحات السياسية والمالية والإدارية والقضائية، لن يقف في وجهها احد، وسيكون ممثلو "الثنائي" الى جانب الرئيس في هذه الاصلاحات. لكن "البيئة" تحتاج الى اجوبة واضحة وصريحة وملموسة، ليس فقط حيال كيفية تعامل الدولة مع الاحتلال "الاسرائيلي" للنقاط الخمس في الجنوب، حيث ستمنح الوقت الكافي للرهان على الديبلوماسية، وانما على كيفية التعامل مع الخروقات اليومية التي تلت الانسحاب غير المكتمل، ومنها بالامس اطلاق النار على مركز للجيش في شبعا، واستشهاد مواطن في عيتا الشعب بعد استهدافه بمسيرة، واصابة مواطنين في الوزاني وعيتا الشعب، فيما لم تغادر المسيرات سماء الجنوب.
هذه الخروقات ليست تفصيلا، والجنوبيون ليسوا ارقاما، حيث يموتون ولا احد يبالي، واستباحة السيادة اللبنانية لا يمكن ان يتحول الى روتين. والعودة الى القرى تحتاج الى استقرار امني. فهل لدى الدولة والعهد اي افكار جدية لاشعار هؤلاء بهذا الاستقرار؟ انهم بحاجة الى اجوبة، يضاف اليها خارطة طريق واضحة حول اعادة الاعمار، خصوصا ان هؤلاء يشعرون بان عودتهم الى قراهم ستكون مشروطة سياسيا، بينما ثمة من يحاول منع الاموال عنهم لاعادة اعمارها. فكيف يقتنعون انهم لا يتعرضون للحصار؟
علما ان هذه البيئة كان لديها أمل كبير في أن يلتزم الرئيس عون والعهد بحماية لبنان واللبنانيين من التدخلات الخارجية، لكن لبنان ظهر ضعيفا وهشّا، والمسألة غير المفهومة ان سبب منع الطائرات الايرانية من الهبوط في المطار، انها تحمل أموالاً للبنان لإعادة الإعمار، وهذا الأمر مريب جداً، فاذا كانت ايران تريد تقديم العون والمساعدات المالية لإعادة الإعمار، والحكومة ملتزمة بإعادة الإعمار، لماذا تمنع الاموال الايرانية؟ واذا كانت الدولة تريد ان تتولى الملف، فلماذا تتأخر في فتح نقاش جدي مع الايرانيين، كي تتولى بنفسها استلام الاموال والمباشرة بالاعمار؟
في الخلاصة، تحتاج العلاقة الى افعال تعيد الثقة لا اقوالا، فالمسألة لا علاقة لها بسلاح المقاومة، التي اكد الرئيس عون انها مسألة داخلية تحل بين اللبنانيين، وانما في انعدام الشعور بالامن والامان لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، يرون ان قتلهم مباح دون كوابح ولا اجراءات ملموسة، الا الرهان على ديبلوماسية لم تكن يوما الحل، فضلا عن اسقاط خيار المقاومة والتغني بعدم ذكره في البيان الوزاري. علما ان من قرأ الاعلام "الاسرائيلي" خلال اليومين الماضيين، يدرك حقيقة الوعي لدى "الاسرائيليين" حيال بقاء جيشهم في لبنان بسب المقاومة، وكان ابرز ما كتبته صحيفة "معاريف"، بان "اسرائيل" تعود لارتكاب الأخطاء القاسية التي سبق أن ارتكبتها، فهي الآن في مسار انغراس آخر في الوحل اللبناني، بعد 25 سنة من نجاحها في تخليص نفسها منه . 18 سنة سفكت "إسرائيل" دمها في بلاد "الأرز اللعينة"، التي تحولت الى بلاد الموت لجنودنا".
لهذا يجب عدم تحول الازمة مع "اسرائيل" واميركا الى ازمة داخلية، فالمسؤول عن اضعاف العهد والحكومة ليس طرفا داخليا، وانما واشنطن التي غطت الاحتلال "الاسرائيلي" الجديد، وهي تمنع تسليح الجيش ما يمنع قيامه بمواجهة تحدّي استمرار الاحتلال والانتهاكات للسيادة اللبنانية، كما تريد فرض اولويات تفجر الساحة الداخلية، ولا تساعد على اجراء حوار هادىء لحل المشكلات.
تحتاج العلاقة بين العهد والحكومة والبيئة الشيعية، الى "صيانة"، ومناسبة التشييع يوم الاحد المقبل يمكن ان تفتح "كوة في الجدار"، والعيون شاخصة على مستوى التمثيل الرسمي.